03 يناير/كانون الثاني 2018
يقال إنّ وفرة الموارد الطبيعية مرتبطة بالنمو البطيء وعدم مساواة أكبر والفقر لدى غالبية السكّان. لذلك، لثروة الموارد الطبيعية دربان مختلفان: فإمّا تقود إلى النمو الاقتصادي والتطوّر أو تُؤدي بالبلاد إلى الهاوية التي تُعرف بـ “لعنة الموارد". ويعتمد الدرب الذي ستسلكه البلاد على النمو التاريخي والثقافي والعرقي والاقتصادي والمؤسسي قبل استخراج هذه الموارد وبعده. وللعيش بهناء، يجب تنظيم هذه الموارد في إطار قانوني، لا سيّما عندما يكون النسيج الاجتماعي للبلاد متنوّعاً كما هي الحال في العراق.
وكان العراق في ظل حكم صدّام حسين يُعرف بحكومته المركزية القوية. فكانت الحكومة في بغداد تنازع وجود ثقافة وهوية طائفة معيّنة لصالح أخرى، ما زرع ارتيابًا حقيقيًا في صفوف العراقيين الأكراد تجاه العراقيين العرب نظراً لممارسات صدّام السابقة. ,وقد شنّ صدّام حملات قمع دموية وغالبًا ما كانت مميتة ضدّ طوائف عراقية مختلفة.
وبمساعدة الحكومة الأمريكية في عام 2003، بات الدستور العراقي الجديد يضمن توحيد البلاد استناداً إلى توزيع السلطة والثروات. وكما يحدّد الدستور، استلم الأكراد سلطةً أكبر في إقليم كردستان العراق الشمالي الذي يضمّ المحافظات الثلاث وهي إربيل والسليمانية ودهوك ومدينة حلبجة التي ضُمّت إليها مؤخراً.
غير أنّ التماسك والغموض المشكوك بهما حول قطاع النفط وإعادة توزيع الثروات في العراق لا يزالان يضعفان البلاد. فيتمتّع العراق بقطاع نفطي مؤمم منذ عام ،1972 إذ تتخذ الحكومة كافة القرارات في هذا الشأن وتحصل على كل العائدات. ويميل العراقيون إلى الحفاظ على قانون النفط الموروث من عهد صدّام والذي يعكس عقليةً مركزيةً مؤممة. ولم تصدر الحكومة العراقية حتى الآن مسودة قانون النفط الجديد. فقد ضغط الأكراد للحصول على سلطة إقليمية لتوزيع عائدات النفط الخاصة بهم والمطالبة بحق ممارسة الأعمال مع شركات النفط الأجنبية من دون تدخّل الحكومة الفدرالية، في حين يدعم العرب السنّة والشيعة سيطرة الحكومة المركزية على جميع العائدات وتوزيعها. ويبقى هذا الخلاف حول من يملك حق التوقيع على العقود لتطوير أصول نفط وغاز جديدة مصدر عدم استقرار ومحرّكاً رئيسياً للصراع داخل العراق على طول الخطوط الطائفية والجغرافية وداخلها.
ومن الضروري التوصل إلى اتفاق حول خطة جديدة لإدارة إعادة توزيع ثروات موارد النفط والغاز تأتي ضمن ثوابت الدستور الحالية. فقد صادق إقليم كردستان العراق على قانون للموارد الطبيعية عام 2007 يحدّد مجال إقليم كردستان الدستوري لإدارة تطوير النفط ضمن حدوده. ويشير الدستور إلى إدارة الموارد في المادة 121: "تخصص للأقاليم والمحافظات حصة عادلة من الإيرادات المحصلة اتحادياً، تكفي للقيام بأعبائها ومسؤولياتها، مع الأخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها، ونسبة السكان فيها". كما تحدّد المادة 109 حقّ الإقليم بتطوير ثروة النفط والغاز. وبالإضافة إلى ذلك، تضمن المواد 110 و111 و112 و140 النظام الفدرالي وتغطي مسألة الحدود الداخلية المتنازع عليها وسلامة الأراضي في العراق. ومن المرجح أن يولّد تعليق هكذا مسألة المزيد من الصراعات.
فيجب تطبيق الفدرالية بشكل فعلي أكثر في العراق لضمان السلطة السياسية والمالية للحكومات الإقليمية. إنّها الطريقة الوحيدة للحفاظ على وحدة البلاد وعامل أساسي لضمان حماية الحكومة والثقة بين مختلف المجموعات العرقية والدينية في العراق. ونظراً لمستويات الثقة المتدنية بين العراقيين، وخصوصًا بين العرب والأكراد، سيكون مصير الفدرالية الفشل إن لم تتمتّع الحكومة الإقليمية بالسلطة الكافية المكتسبة مبدئياً لكن المنكرة فعليّاً. فعلى الحكومات الإقليمية والمحافظات أن تتمتّع بالسلطة المالية الكافية لتشريع سياسات اقتصادية تطوّر مناطقها وتقوّيها.
وتميل السياسات المماثلة إلى التركيز على تنظيم اقتصادات الإقليم الكليّة والجزئية من خلال تشجيع الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم على النمو. ويجب ضمان نظام مصرفي ومالي فدرالي من أجل تشجيع روّاد الأعمال على تأسيس شركات جديدة في مناطقهم. وعلى الحكومة الفدرالية دعم الاقتصادات الإقليمية القوية من خلال المساعدة على تأسيس نظام مالي متين يخفّف من الاعتماد على مساعدات الحكومة الفدرالية. ويمكن استخدام عائدات النفط كمحفّز لتنمية اقتصاد مستدام طويل الأمد. فكلّما كانت المحافظات الفدرالية متطوّرة اقتصادياً، ازدادت الحكومة الفدرالية قوّة. أمّا التدابير التأديبية لإضعاف الإقليم والمحافظات من خلال توسيع الرقابة الفدرالية، فستؤدّي إلى استمرار الصراع وعدم الاستقرار.
وعلى مدار السنوات الأربعة عشر الماضية، لم تنجح ممارسات تقاسم السلطة وتوزيع الثروات بين الحكومة الفدرالية وإقليم كردستان العراق بكل بساطة. وقد أدّى هذا مباشرةَ إلى الاستفتاء حول استقلال كردستان العراق الذي أجري في أيلول/ سبتمبر. وقد حضّر إقليم كردستان العراق تقريراً حول المسألة الدستورية لاستقلال كردستان، مظهراً انتهاكات العراق لخمسة وخمسين مادة من الدستور. وخلال التفاوض على الدستور عام 2005، أوضح قادة كردستان العراق أنّ المشاركة الكردية منوطة ببقاء العراق دولةً فدراليةً ديمقراطيةً تُحترم فيها حقوق إقليم كردستان بشكل تامّ ويتمتّع فيها اقتصاده بحريّة الازدهار. وعلى بغداد التوقّف عن التصرّف كما في عهد حكومة صدّام المركزية مطالبةً بالسيطرة الاقتصادية الكاملة. وبالمقابل، على إربيل تفادي استغلال ضعف بغداد. فستكون عملية المصالحة الوطنية مستحيلةً من دون التوصل لحلّ لهذه المسائل.