- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الشعب الكويتي، بما فيه الأقلية الشيعية، لا يزال معاديًا لإيران ولكنه قلق من الحرب
مع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، تُعتبر الكويت، هذه الدولة الغنية بالنفط والمحصورة بين إيران والعراق عند مدخل الخليج، شريكًا رئيسيًا للولايات المتحدة متواجدًا في وسط مرمى النيران. ولكنها أيضًا الدولة التي تشهد أكثر نسبة نشاط سياسي داخلي بين الأنظمة الملكية الستة كلها التي تحكم دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تجرى فيها انتخابات نيابية بمنافسة حقيقية، وذلك مع أقلية شيعية تشكل نحو ثلث عدد سكانها البالغ مليون ونصف مليون نسمة. بالفعل، فقد عيّن مؤخرًا أمير الكويت رئيسًا جديدًا للوزراء، مذعنًا جزئيًا إلى الضغط الشعبي المطالب بالتغيير. لكل هذه الأسباب، ينبغي أن يكون لتوجهات الرأي العام الكويتي أهمية ملحوظة في حسابات السياسة الخارجية الأمريكية.
في هذا السياق، أجري منذ قرابة الشهر استطلاعٌ نادر لآراء الكويتيين يعطي فكرة حسنة التوقيت عن المناخ السياسي الراهن في البلاد. فقد أظهرت بيانات الاستطلاع أن الشعب الكويتي، شأنه شأن حكومته، لا يزال شديد الريبة تجاه إيران ومواليًا لأمريكا أكثر من أي شعب عربي آخر. ولكن في الوقت نفسه، يريد معظم الكويتيين أن يبقى بلدهم "بعيدًا عن أي حروب".
وفي التفاصيل أنّ الأكثرية الساحقة من الكويتيين (85 في المائة) يعربون اليوم عن رأي سلبي حول آية الله العظمى الخامنئي، فيما تعتبر نسبةٌ مماثلة تقريبًا (80 في المائة) أنه ليس من الضروري أن يكون لبلادهم علاقة جيدة بإيران. كما تبدي نسبة مرتفعة مشابهة (81 في المائة) رأيًا سلبيًا بحليف إيران الشيعي في المنطقة، أي "حزب الله". ويشار إلى أن هذه المواقف السلبية بالفعل لم تتغير من الناحية الإحصائية على مدى السنوات الثلاثة الماضية التي أجريت فيها استطلاعات سنوية.
والملفت أن الأقلية الشيعية الكبيرة في الكويت تشارك عمومًا إخوانها السُّنة المواقف السلبية نفسها إزاء الخامنئي و"حزب الله"، ولكن بحدة أخف نوعًا ما. فنسبة 69 في المائة من الشيعة، مقابل 92 في المائة من السُنة، لها نظرة "سيئة إلى حد ما" عن سياسات الخامنئي، بينما تُبدي نسبة 90 في المائة تقريبًا من كلتا الطائفتين موقفًا مشابهًا من "حزب الله". ولكن ضمن الشيعة أنفسهم، تعرب نسبة 45 في المائة فقط عن نظرة "سلبية جدًا"، مقارنةً بـ74 في المائة من السُّنة الذين يملكون هذه النظرة السلبية الحادة. والجدير بالذكر أن هذه النسب أيضًا لم تتبدل بشكل يُذكر منذ العام 2017.
غير أن الاختلاف الأوضح بين الطائفتين يتعلق بمسألة العلاقات الجيدة مع إيران. فنسبة الكويتيين السُّنة الذين يرون هذه العلاقات "مهمة إلى حد ما" تقتصر على أربعة في المائة، فيما تقفز هذه النسبة لدى الشيعة إلى 45 في المائة. ومع أن ثلثَي الشيعة لا يؤيدون المرشد الأعلى الإيراني، من الواضح أن نصفهم تقريبًا مهتم بالحفاظ على علاقة جيدة بتلك الدولة المجاورة.
بالمقارنة، يرى نصف الشعب الكويتي بالإجمال أن العلاقات الجيدة مع الولايات المتحدة – التي حررت الكويت من احتلال صدام حسين في حرب الخليج عام 1991 – لا تزال مهمةً لبلدهم. وتُعتبر هذه النسبة أعلى بشكل كبير من نسبتها في أي دولة عربية أخرى أجري فيها استطلاع للرأي مؤخرًا، ولم تنخفض خلال السنوات الثلاثة الأخيرة إلا بشكل بسيط. فضلاً عن ذلك، حين سئل المشاركون عن أبرز إجراء يريدون للولايات المتحدة اتخاذه في المنطقة، أجاب أكثرية الكويتيين – 32 في المائة، بما يعكس ارتفاعًا بمعدل عشر نقاط عن العام 2018 – أنهم يختارون "رفع مستوى معارضتها العملية لنفوذ إيران وأنشطتها".
مع ذلك، وبالرغم من "ميل" الشعب الكويتي تجاه الولايات المتحدة وضد إيران، تفضّل الأغلبية عدم التورط في أي مواجهة مباشرة بين الطرفين. وفي هذا الإطار، وافق ثلثا الكويتيين على هذه العبارة: "في الوقت الراهن، الإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي أهم لبلادنا من أي مسألة متعلقة بالسياسة الخارجية – ولذا يجب الابتعاد عن أي حروب تدور خارج حدودنا". وقد ازدادت هذه النسبة بمقدار عشر نقاط مقارنةً بسؤال شبيه جدًا طُرح عام 2017.
إذًا، ما هو حجم الإصلاح السياسي والاقتصادي الداخلي الذي يريده الكويتيون فعلاً من حكومتهم؟ والإجابات عن هذا السؤال مختلطة ولم تتغير كثيرًا في السنوات الثلاثة الماضية – مع استثناء واحد مثير للاهتمام. كما في الماضي القريب، يقول اليوم خُمس الكويتيين إنّ حكومتهم لا تقوم "بجهدٍ كافٍ" في أيٍّ من هذه المجالات الثلاثة: تشجيع الفرص والمساواة للمرأة، والتعامل مع المشاكل الاقتصادية والمحن اليومية، وتقاسم عبء الضرائب والمتوجبات الأخرى بطريقة عادلة.
أما الاستثناء الملفت في هذا المشهد الثابت، والذي ينعكس إيجابيًا بشكل مفاجئ على الحكومة الكويتية، فهو التراجع الحاد في نسبة الكويتيين الذين يعتبرون أن الحكومة لا تبذل جهدًا كافيًا "لخفض مستوى الفساد في حياتنا السياسية والاقتصادية". فمنذ فترة قصيرة تعود لأواخر العام 2018، وصلت هذه النسبة إلى 60 في المائة، ولكن في استطلاع تشرين الثاني/نوفمبر 2019، انخفضت نسبة المواطنين الذي يرون القليل من الإجراءات الحكومية ضد الفساد إلى النصف لتبلغ 31 في المائة فقط. من الواضح أن الإجراءات الصارمة التي اتُّخذت في بعض الملفات البارزة تركت وقعًا ملحوظًا على الانطباعات الشعبية.
ولكن الشعب الكويتي لا يزال منقسمًا في ما خص الإصلاح الديني. إذ توافق، أقله نوعًا ما، نسبة 39 في المائة – وهي النسبة نفسها تقريبًا على مدى السنوات الثلاثة الماضية – على هذا الطرح الجدلي: "يجب أن نصغي إلى الأشخاص بيننا الذين يحاولون تفسير الإسلام بطريقة أكثر اعتدالاً وتسامحًا وحداثة". والواقع أن هذه النسبة هي من الأعلى بين الشعوب العربية التي جرى استطلاع رأيها. في المقابل، يستمر ربع الكويتيين – وهي النسبة نفسها في مصر والأردن والسعودية ولبنان والإمارات – بإبداء موقف إيجابي، أقله نوعًا ما، من جماعة "الإخوان المسلمين" الأصولية.
وحيال مجموعة مسائل أخرى متعلقة بالدين والسياسة الخارجية، وهي الصراع العربي الإسرائيلي، عبّر الكويتيون عن الآراء المتفاوتة نفسها التي سادت بين الشعوب العربية الأخرى. فالغالبية في الكويت (58 في المائة)، كما في الأماكن الأخرى، لا تزال تؤيد، أقله من حيث المبدأ، الموقف الأمريكي الراهن بأنه "على الدول العربية الاضطلاع بدور جديد في محادثات السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتقديم محفزات لكلا الجانبين من أجل تبني مواقف أكثر اعتدالاً". ويجب الإشارة إلى أن مواقف الشعب الكويتي الإيجابية نسبيًا بهذا الصدد تتناقض مع الفكرة الشائعة عن أن الكويتيين هم الأكثر عدائيةً ضد إسرائيل بين كل شعوب الخليج اليوم.
ولكن حين سُئل الكويتيون عما إذا يجب "إبداء احترام أكبر لليهود في العالم وتحسين علاقتنا بهم"، اقتصرت الردود الإيجابية (نعم) على نسبة ضئيلة بلغت 2 في المائة. وتتطابق هذه النسبة تقريبًا مع الاستطلاعات الأخيرة التي أجريت في خمس دول عربية أخرى. وبالمقارنة، كانت نسبة المؤيدين لتحسين العلاقات مع المسيحيين أعلى بكثير حيث بلغت 49 في المائة من الكويتيين – وهذه النسبة أيضًا تتماشى تقريبًا مع نتائج الاستطلاعات الخمسة الأخرى.
هذه النتائج مستخلصة من استطلاع للرأي أجري في الكويت خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر من قبل شركة إقليمية موثوقة وعالية الخبرة ورائدة في الأبحاث التجارية، وقد واستُخدمت فيه المقابلات الشخصية مع عينة وطنية تمثيلية مؤلفة من ألف مواطن كويتي. تم اختيار المشاركين وفقًا للتقنيات النموذجية للاختيار الجغرافي العشوائي، مع تطبيق ضوابط صارمة للجودة وتقديم ضمانات بالسرية. ويُذكر أنّ الكاتب سافر شخصيًا إلى المنطقة للتشاور مع مدراء مشروع الاستطلاع خلال فترة العمل الميداني، مع الإشارة إلى أن هامش الخطأ الإحصائي لكامل العينة يقارب الثلاثة في المائة، فيما يقرب الخمسة في المائة للعينات الثانوية الطائفية. كما أن الكاتب مستعد لتوفير المزيد من التفاصيل عن منهجية العمل عند الطلب.