التعاون الجزائري الأمريكي في مجال مكافحة الإرهاب العابر للأوطان
إن زيادة حدة النزاعات وتصـاعدها أصبحت تستقطب أنظار القوى الدولية الكبرى، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية. فبعد هجمات الحادي عشر سبتمبر 2001، شكلت الحرب على الإرهاب أهم محور للتعاون الأمني الدولي في الولايات المتحدة الأمريكية وأصبحت العنوان الشامل لسياستها الوطنية والدولية، الأمر الذي كرس تبني الولايات المتحدة الأمريكية إجراءات جديدة تضمنت الحرب الوقائية، والتدخل الإنساني، ومواجهة الأخطار الناجمة عن الدول الفاشلة.
أحدثت هجمات الحادي عشر سبتمبر 2001 تغيرا في نظرة العالم لظاهرة الإرهاب، حيث لجاءت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام الوسائل التقليدية للعمل على الصعيد الدولي لمواجهة الإرهاب وذلك على الرغم من امتلاكها التكنولوجيا والأنظمة المتطورة. كما ساعدت الولايات المتحدة الأمريكية في استصدار قرار رقم 1373 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، والذي دعا دول العالم للتعاون لوضع حد لمصادر تمويل الإرهاب وحرمان الجماعات الإرهابية من الحصول على ملاذ آمن. تلك الجهود أكدت صحة دعوات الجزائر وتحذيراتها من الظاهرة التي عاشتها الجزائر بين عامي 1992و 1999.
فالجزائر بتجربتها، مدة عقد من الزمن خبرت الجماعات الإرهابية وأساليب عملها، وتمكنت من محاصرتها والحد من قوة نشاطها، وأصبحت خبرتها مطلوبة لدى العواصم الغربية للتمكن من مكافحة الظاهرة، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وهو ما دفعها إلى الشروع في إبرام تعاون أمني في مكافحة الإرهاب.
أدرك للعالم أن الإرهاب لا يعرف حدودا ولا دينا، ووجه العالم أنظاره إلى الجزائر للاستفادة من خبرتها في محاربة الإرهاب. ولم يقتصر التعاون الأمني على مكافحة الإرهاب فقط، بل أيضا، شمل دعم الحلول السلمية والسياسية للنزاعات في المنطقة، خاصة في مالي وليبيا، خاصة في دعم واشنطن والمجتمع الدولي للوساطة الجزائرية لحل الأزمة السياسية في شمال مالي، وإقامة حوار شامل بين الأطراف الليبية لإنهاء حالة الفوضى والانقسام.
لا يمكن أن يتم تفكيك تنظيم "داعش" إلا من خلال إضعاف الشبكات التابعة له، وضرب الأسس العقائدية التي يقوم عليها التنظيم، فقد أصبح يمثل تهديدا مباشرا للدول المغاربية والساحلية والأوربية من خلال فروع التنظيم في بلاد المغرب العربي وخاصة ليبيا. ونجحت الجزائر في احتواء التهديد الإرهابي باستهداف قيادات الجماعات الإرهابية، وضرب أيديولوجيتها وتدمير قدراتها القتالية، كما تمكنت من احتواء مختلف الشبكات المحلية التي تم تشكيلها للنشاط في تونس ودول الساحل الأفريقي. ومن ثم، بدأت الولايات المتحدة في الاعتماد بشكل متزايد على التعاون الأمني مع الجزائر، والاستفادة من فرص تبادل المعلومات الاستخباراتية.
امتلكت الجزائر خبرة سابقة في التعامل مع التهديدات التي شكلتها الجماعات المسلحة الجزائرية التي أعلنت ولاءها لتنظيم "داعش" وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. ونظرا لان الجزائر ليه دراية جيدة عن هذا العدو، يمكن أن يوفر للولايات المتحدة الأمريكية بعض التفاصيل حول كيفية مواجهته.
وترمي الولايات المتحدة من خلال التعاون في إطار تبادل المعلومات مع الجزائر وغيرها من الدول الإفريقية وضع إطار تعاوني، يسمح لها بالحصول على المعلومات الصحيحة من دون تخوف الأطراف الدولية، حيث وضحت استراتيجية الأمن القومي الأمريكي، ضرورة تقوية الروابط مع الحلفاء في إطار الاستخبارات، وكذا تقوية الشراكة مع مكاتب الاستخبارات الدولية. تتعاون الجزائر في هذا المجال مخابراتيا مع الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الإرهاب في دول الجوار ليبيا وفي شمال مالي وداخل حدود الجزائر ذاتها. وبالتالي وضعت الولايات المتحدة أهمية كبيرة على ضرورة التواصل المنتظم مع الجزائر التي تعتبر شريكا هاما في المنطقة وفي الجهود الدولية لمكافحة الإرهاب.
انتهجت الجزائر سياسة إنفتاحية على الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، كما كانت الجزائر أول من حذر من الصفة عبر القومية لظاهرة الإرهاب، وذلك في كل المناسبات الدولية، من بينها المنتدى العالمي ضد الإرهاب، زيادة علي أنها عضو فاعل في المنتدى العالمي ضد الإرهاب" وترأس مناصفة مجموعة العمل حول تعزيز القدرات على مكافحة الإرهاب في منطقة الساحل علاوة على تقديمها دعما لوجستيا لعمليات حفظ السلام التي تقوم بها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.
و في سياق التعاون الجزائري الأمريكي في مجال مكافحة الإرهاب والحرب، تم الاتفاق على برنامج أمريكي لدعم قدرات الجيش الجزائري حيث عكفت السلطات الأمريكية، من خلال القيادة الإفريقية للجيش “أفريكوم”، على دعم قدرات وحدات الجيش الجزائري في مجال مكافحة الإرهاب ، وأسندت مهمة التكوين والتأطير لمجموعة “أل 3 للاتصالات” المتخصصة في مجال الدفاع والأسلحة، لاسيما المتفجرات، إلى نشأت في أعقاب تفريع مجموعة “لوكهيد مارتان” وستوفر دورات تكوين وتدريب متخصصة تهدف إلى دعم قدرات التحليل والوقاية من العمليات الإرهابية، لاسيما تلك التي تستخدم المتفجرات التقليدية.
كما يجب الإشارة إلى أن العلاقات الجزائرية –الأمريكية مبنية علي أسس الحوار السياسي والعسكري، وذلك من خلال تبادل الزيارات الهامة خلال السنتين الماضيتين على غرار الحوار الاستراتيجي بين البلدين الذي عقد في واشنطن في 2015 وزيارات مسؤولين سامين سياسيين وعسكرين من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الجزائر في 2016. كما يبقى الحوار المتوسطي مع الناتو في مجال مكافحة الإرهاب تجسيدا آخر لمكافحة هذه الظاهرة العابرة للقارات على المستوى الدولي، وذلك من خلال تعزيز التعاون الأمني وتبادل المعلومات والخبرات العسكرية والتقنية.
ما يمكن استخلاصه مما سبق هو أن الجزائر حاولت العودة إلى الاهتمام بالقضايا الأفريقية على الصعيد العالمي، في مختلف القمم، والاستمرار في عمليات الوساطة بين المتنازعين في أفريقيا مثل القرن الأفريقي سنة 2000، وقضية الطوارق في مالي مع الحكومة المركزية 2006و2012، ثم رعاية اتفاق السلم والمصالحة في مالي وأخيرا مرافقة الحوار الليبي - الليبي لتثبت أن مكانتها أفريقياً مازالت على ما كانت عليه قبل الأزمة الأمنية السياسية التي ضربتها خلال عقد التسعينات من القرن الماضي.
وفي إطار التعاون بين الطرفين، قدمت السلطات الجزائرية لواشنطن قائمتين بأكثر من ألف مشتبه فيه ذي علاقة بالتنظيمات الإرهابية، المتواجدين على الأراضي الأمريكية والأوروبية، وعرضت تعاونها في المجال الأمني وتبادل المعلومات، وبالمقابل أملت الجزائر في أن تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا بالمثل وتسلماها المتشددين الجزائريين المطلوبين ، وتضمنت القائمة الأولى 350 اسما من المشتبه فيهم ذوي علاقة بتنظيم القاعدة الأم، ينشطون على الأراضي الأوروبية والأمريكية، وأخرى بنحو ألف اسم من المعروفين بالنشاط في الجزائر.
ومما دفع بالولايات المتحدة الأمريكية للتعاون مع الجزائر طلبا للخبرة هو أن التهديد صار مشتركا بين البلدين، حيث أن الجماعة المسلحة التي كانت تنشط داخل الحدود الجزائرية، أرادت أن تعطي لنفسها صدى عالميا من خلال إعلانها الانضمام إلى تنظيم" داعش “الأم و"تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، وبالتالي فإن الجزائر تعرف جيدا هذا الخصم وبالتالي يمكنها تزويد الولايات المتحدة الأمريكية بكل التفاصيل حول كيفية مجابهته. تقدم التعاون الجزائري الأمريكي ليس كافيا، لأن كلا الدولتين تحتاج إلى العمل باتجاه تدعيم نوعي لعلاقتهما، فأمريكا يجب أن تكون أكثر التزاما في دعمها للإصلاحات السياسية والاقتصادية في الجزائر.
فالاعتمادات المالية المخصصة للجزائر في إطار مبادرة شراكة الشرق الأوسط غير كافية، ولا يعقل أن تستمر الولايات المتحدة الأمريكية في بناء تعاون أمنى مع الجزائر في ظل تهميش هذه الأخيرة مقارنة بجيرانها المغاربة، ورغم أنها تحتل المرتبة السادسة من حيث تزويد بالغاز الطبيعي والنفط. لكنها تبقى ثاني مستقبل للاستثمارات الأمريكية المباشرة في المنطقة "وتقدر ب 5 بليون دولار أغلبها في قطاع المحروقات والصناعة.
ولتقوية التعاون مع الجزائر يتعين على الولايات المتحدة تطوير علاقات أكثر توازنا في منطقة دول شمال أفريقيا، وعلى وجه التحديد دفع المغرب إلى حل نزاعه مع الصحراء الغربية، من خلال الاعتراف بحق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. وبعيدا عن مشكل الصحراء الغربية، على أمريكا أن تأخذ بعين الاعتبار أهمية الجزائر بالنسبة للمنطقة. الجزائر محورية بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية في منطقة شمال أفريقيا والساحل.