- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
التحدّيات التي تواجه الإصلاحات العلمانية في أكبر حزب إسلامي في إقليم كردستان العراق
يواجه حزب كومال في كردستان العراق معضلة صعبة بينما يسعى إلى توجه أكثر إصلاحية.
في 18 شباط/فبراير، أزالت "الجماعة الإسلامية في كردستان"، وهي الأكبر من بين عدّة أحزاب سياسية إسلامية في إقليم كردستان العراق، ومعروفة بحزب "كومال"، كلمة "إسلامية" من اسمها واستبدلتها بكلمة "عدالة". بالإضافة إلى ذلك، قرّر الحزب تغيير لقب زعيم الحزب من "أمير" إلى "رئيس" واختار أربع نساء للعمل في مجلس رئاسة الحزب المؤلّف من 22 مقعدًا.
وقد لا تبدو هذه السلسلة من التغييرات الإصلاحية في "كومال"، وهو خامس أكبر حزب في إقليم كردستان، ذات تأثير كبير على السياسة العراقية، لكنّها تمثّل سؤالًا مهمًّا بالنسبة إلى الأحزاب الإسلامية في الإقليم. نتيجةً لذلك، تواجه الإصلاحات تحدّيات خطيرة من داخل الحزب وخارجه. فإذا استمرّ حزب "كومال" في اتباع اتجاه إصلاحي جديد، فقد يتعيّن عليه اختيار البقاء في تحالف مع الأحزاب الإسلامية الأخرى في إقليم كردستان العراق، أو محاولة الانضمام إلى الائتلافات العلمانية كحزبٍ أكثر اعتدالًا. بينما يواجه "كومال" هذه المعضلة، قد يحدّد مستقبل السياسة الإسلامية في إقليم كردستان العراق.
ولجأت قيادة "كومال" إلى السياق السياسي التاريخي والحالي في محاولة منها لتبرير الإصلاحات الجديدة. فبعد إطلاق إصلاحات "كومال"، أوضح فاروق علي، وهو عضو في هيئة رئاسة الجماعة، أنّ الحزب قد خضع بالفعل لتغييرات كبيرة في الماضي، بما في ذلك قرار عام 2004 بحلّ المكتب العسكري للحزب بعد انهيار نظام حزب "البعث". وفي الشرح الذي قدّمه علي حول الإصلاحات الأخيرة، ذكر أنّ الحزب أسقط كلمة "الإسلام" من اسمه لأنّ بعض التنظيمات العنيفة استخدمت العبارة في ألقابها، وربّما كان يشير بذلك إلى تنظيم "الدولة الإسلامية". وبالمثل، فإنّ تغيير لقب زعيم الحزب من "أمير" إلى "رئيس" يبدو أيضًا وكأنّه محاولة لتجنّب أي تشابه تنظيمي مع "الدولة الإسلامية"، الذي عُرف قادتها بـ "الأمراء". وعلى الرغم من عدم التأكيد على ذلك من قبل أعضاء الحزب، فإنّ إصلاحات "كومال" قد تكون أيضًا نتيجة لتراجع النظرة إلى الإسلام السياسي في الشرق الأوسط. بالتالي، يمكن أن تكون الإصلاحات محاولة لمحاكاة خطوات العلمنة التي استُخدمَت مؤخّرًا في عدّة بلدان إسلامية، ولا سيّما في الخليج.
ومع ذلك، على الرغم من السوابق التاريخية للتغيير والاتجاهات العلمانية الحالية، تواجه طبعًا مثل هذه الإصلاحات تحدّيات. فعلى الرغم من تصويت غالبية أعضاء "كومال" على التغييرات، لا يمكن التقليل من شأن وجود المعارضة داخل الحزب، ومن المفترض ألا يكون التحوّل سهلًا. وصوّت 553 عضوًا من أعضاء الحزب لصالح التغييرات، بينما عارضها 123 عضوًا، ويتألّف الحزب من 892 عضوًا في المجموع. وأكّد علي بابير، وهو مؤسّس "كومال" ورئيسه الحالي، أنّه كان يفكّر في تغيير الاسم منذ فترة، لكن ذلك لم يصبح ممكنًا إلا في المؤتمر الأخير.
وعلى هذا النحو، لا يزال جزءٌ كبير من الحزب يعارض الإصلاحات، حيث وصف أعضاء مثل دلشاد كرمياني، وهو عضو سابق في المكتب السياسي لـ"كومال"، تغيير الاسم بأنّه "خطأ استراتيجي". وأشار بابير في مواجهة لهذه الانتقادات وغيرها من الانتقادات التي تزعم أنّ تغيير الاسم قد يؤدّي إلى ابتعاد الحزب عن الإسلام، إلى الشريعة والقرآن وسلّط الضوء على البرنامج الإسلامي للحزب، وأشار إلى أنّ الشريعة تتطلّب أنّ يسعى الحزب إلى السلام والتعايش.
وخارج الحزب، يمكن أن تؤدّي إصلاحات "كومال" إلى تحدّيات كبيرة متأتية من الأحزاب الإسلامية الأخرى أيضًا. فعلى الرغم من أنّ "كومال" يبدو أنّه يخفّف من حدّة موقفه الإسلامي، إلّا أنّه لا يزال ينافس الأحزاب السياسية الإسلامية الأخرى على قاعدة الدعم نفسها. وتشمل هذه الأحزاب "الاتحاد الإسلامي الكردستاني"، المعروف باسم "يكرتو" - ويشبه جماعة "الإخوان المسلمين" – و"الحركة الإسلامية في كردستان العراق"، التي تأسّست كحزب مسلّح قائم على مبادئ الشريعة على الرغم من نزع سلاحه في عام 2003. بالإضافة إلى تنافس "كومال" القائم بالفعل مع هذَين الحزبَين الإسلاميَّين الرئيسيَّين، قد تجعل الإصلاحات الجديدة من الصعب على الحزب الاتحاد معهما في محاولة لتشكيل تحالف أقوى من الأحزاب الإسلامية في كردستان العراق.
وفي الوقت نفسه، قد يجد "كومال" صعوبة في ترك الأحزاب الإسلامية الأخرى والانضمام إلى تحالفات سياسية علمانية، مستفيدًا من صورته الجديدة الأكثر اعتدالًا. وبالنظر إلى الانتقادات التي نشأت بالفعل من داخل الحزب، قد تُضعِف فكرة التحالف مع الأحزاب العلمانية هويّةَ الحزب وتوجّه بعض الأعضاء نحو أحزاب متنافسة. وعلى هذا النحو، في حالة إعادة التوجّه نحو تحالفات علمانية، قد يحتاج بابير إلى القدرة على مواجهة المعارضة الداخلية والانقسام داخل الحزب. وبسبب صعوبة هذه المهمّة، قد يتجنّب "كومال" مثل هذه التحرّكات الائتلافية في المستقبل القريب.
علاوةً على ذلك، قد يتمثّل أحد أكبر التحدّيات التي تواجه "كومال" ضمن عملية الدخول في ائتلاف علماني في حقيقة أنّ جميع قادة الحزب الحاليّين لديهم خلفية إسلامية، بما في ذلك بعض الذين لديهم ماضٍ عنيف معروف. فعلى سبيل المثال، اعتُقل بابير في عام 2003 من قبل القوات الأمريكية في كردستان العراق، وذلك لمدّة عامَين تقريبًا بسبب صلات مزعومة مع "أنصار الإسلام"، وهي منظّمة إرهابية أجنبية بحسب تصنيف الولايات المتّحدة. وبابير هو أيضًا قائد كبير سابق في "الحركة الإسلامية في كردستان العراق"، وهو حزب إسلامي شمل فرقة مسلّحة في الماضي. علاوةً على ذلك، أدلى بابير بتصريحات في الماضي زعم فيها أنّ الانضمام إلى البرلمان يتعارض مع الإسلام، على الرغم من أنّه تراجع منذ ذلك الحين عن مواقفه المناهضة للديمقراطية وأكّد أنّ العمليات الديمقراطية مهمّة.
وبينما اكتسب "كومال" شعبيةً بفضل السياسات التي تبنّاها حول القضايا الإقليمية والمحلية، يمكن التوقّع أنّه لن يكون حزبًا لا غنى عنه في عملية تشكيل ائتلاف في الانتخابات البرلمانية القادمة لحكومة إقليم كردستان. ومن المؤكد أنّ "كومال" أبلى بلاءً حسنًا من خلال معارضة استفتاء الاستقلال لعام 2017 بسبب توقيته، ومن خلال الانسحاب من الحكومة في كانون الأوّل/ديسمبر 2017 دعمًا للاحتجاجات المناهضة للحكومة، ومن خلال انتقاد الفساد وخفض الرواتب. ومع ذلك، في الائتلاف الحالي، أثبت "كومال" نفسَه كحزبٍ معارض، معلنًا أنّه سيقدّم للحكومة "نقدًا بنّاءً"، ولا تشير الأرقام إلى أنّ "كومال" عنصر ضروري لتشكيل ائتلاف جديد في الانتخابات البرلمانية لعام 2022. وعليه، فإنّ عدم المشاركة في الحكومة قد يكون الخطوة الأكثر حكمة التي قد يتّخذها الحزب لتجنّب الانتقادات العلنية المتزايدة الموجّهة للمكوّنات الحكومية الحالية.
بالنظر إلى الماضي العسكري لقيادة "كومال"، والديناميكيات البرلمانية الحالية، وحقيقة أنّ "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، وهو أقوى حزب في إقليم كردستان ويمتلك بالفعل عددًا كبيرًا من أصوات الفئات المحافظة في المنطقة، سيواجه "كومال" تحدّيات هائلة في الانضمام إلى ائتلاف علماني على المدى القصير. وإذا كان الحزب يخطّط حقًّا لاتخاذ موقف سياسي معتدل وتوسيع جمهوره المستهدَف، فعليه أن يتبنّى خطابًا أكثر شمولية ونقدًا مع إعارة القضايا المجتمعية تركيزًا أكبر. وتشمل هذه القضايا المشاكل التي يواجهها الشباب والنساء في إقليم كردستان العراق.
لذلك يجد حزب "كومال" نفسه في موقف صعب، حيث ينأى بنفسه عن الماضي الإسلامي المتشدّد بينما يواجه عقبات أمام احتمال دخوله مجتمعًا علمانيًا مشكوكًا فيه. إنّ مدى التزام الحزب بالإصلاحات الجديدة غير واضح المعالم، إلّا أنّها تمثّل تغييرًا جادًّا في السياسة الإسلامية لإقليم كردستان العراق. ولا يزال من غير المؤكّد ما إذا كانت الأحزاب الأخرى، سواء أكانت إسلامية أم كانت علمانية، ستغيّر نبرتها ردًّا على ذلك.