- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
التظاهرات في إيران: ردود فعل عربية فاترة وسخط جماهيري على إيران
5 يناير/كانون الثاني 2018
فيما تستمرّ تظاهرات الشارع ضدّ النظام في إيران، اتّسمت ردة فعل الإعلام العربي الرسمي حتّى الآن بالتحفّظ بشكل مفاجئ. فعلى سبيل المثال، لم تحثّ افتتاحية بارزة هذا الأسبوع لعبد الرحمن الراشد على الموقع الإلكتروني الإعلامي السعودي الرئيسي "العربية" على تغيير النظام، بل بالكاد دعت إلى تغييرات سياسية في طهران.
قد يعكس هكذا تحفّظ مخاوف عربية راسخة من تظاهرات شعبية "معدية" تؤدّي إلى تكرار الربيع العربي المشؤوم بغالبيته والذي تلي التحرك الأخضر الإيراني في منتصف العام 2009 بعد أكثر من سنة بقليل. كما قد تشير إلى عدم استقرار مفهوم حول اتجاه الاضطرابات الإيرانية الحالية. غير أنه من الأرجح أنّ الحذر العربي الرسمي نابع من مخاوف من الثأر الإيراني من أي شماتة أو تدخّل خلال هذه الأزمة.
وبالرغم من ذلك، وراء هذه المقاربة الرسمية الخجولة، يستطيع معظم القادة العرب التأكّد من أنّ شعوبهم لا تكنّ أي تعاطف تجاه النظام الإيراني. فعلى العكس، يظهر استطلاعان منفصلان أجريا العام الماضي من قِبَل " معهد واشنطن" ومؤسسة "زغبي الدولية" كرهاً عربياً شعبياً كبيراً حيال الحكومة الإيرانية- على الصعيدَين العام وذلك المرتبط بسياساتها ووكلائها الإقليميين المعيّنين. لذا، فإن اتخاذ خطوات جديدة من قبل الإدارة الأمريكية ضد النظام الإيراني ستحظى بدعم عربي شعبي واسع. أمّا الاستثناءات الرئيسية الوحيدة لهذه القاعدة فهي ما يقارب المليونَي شخص من المواطنين الشيعة في لبنان وحوالي أل 400 ألف شخص في البحرين الذين عادةً ما يعبّرون عن آراء موالية جدّاً لنظرائهم القادة السياسيين الشيعة سواء داخل إيران أو خارجها.
تتّسم وجهات النظر حيال "سياسات إيران الحالية في المنطقة" بكونها سلبية بشكل كبير في معظم البلدان العربية التي قمت باستطلاعها مؤخراً لـ" معهد واشنطن". ويشمل هذا ما يزيد عن 80 إلى 90 بالمئة من الجمهور في مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة. وعلى وجه الخصوص في البلدان الثلاثة الأخيرة، وحتّى وسط أقليّاتها الشيعية، فقد عبّر أقلّ من نصفهم عن رأي موالٍ للسياسة الإيرانية.
ولكن خلافاً لذلك، تُعتبر الآراء تجاه سياسات إيران أكثر استقطاباً بكثير من حيث الطائفة في لبنان والبحرين حيث يشكّل العرب الشيعة أكثرية أو غالبية من مجموع أهل البلاد. ففي لبنان مثلاً، يقول 82 بالمئة من الشيعة، لكن 7 بالمئة فقط من السنّة، إنّهم يؤيّدون هذه السياسات، أمّا وسط المسيحيين فالنسبة هي في الوسط بمجموع يبلغ 37 بالمئة. وعلى نحو مماثل، تؤلّف وجهات النظر الإيجابية حيال سلوك إيران الإقليمي في البحرين 68 بالمئة من الشيعة، مقابل مجرّد 2 بالمئة من السنّة في هذه الجزيرة الصغيرة لكن الاستراتيجية.
وعلى نحو لافت، تتّسع المعارضة الشعبية العربية الغالبية لإيران لدرجة تأييد احتمال تشكيل تحالف مع إسرائيل ضدّ هذا العدوّ المشترك. ففي شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، سأل استطلاع لـمؤسسة "زغبي الدولية"، التي لا يستطيع أحد اتهامها بالتحيّز لإسرائيل، ستة جماهير عربية مختلفة حول "تحالف بين إسرائيل والحكومات العربية... لمكافحة التطرّف ومحاربة التدخّل الإيراني في المنطقة". في مصر، قالت نسبة 59 بالمئة إنّ "هذا قد يكون "مرغوباً" إن نفّذت إسرائيل مبادرة السلام العربية ووضعت حدّاً لاحتلالها للأراضي الفلسطينية". أمّا في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وحتّى العراق، فقد أكّد نصف الجمهور على هذا الرأي. في حين كانت النسب أقلّ بقليل فقط في البلدَين الآخرَين المستطلعَين: 40 بالمئة في لبنان و35 بالمئة في الأردن.
كما اتّسمت المواقف حيال سياسات إيرانية معيّنة في سوريا والعراق بالسلبية بشكل واسع، وذلك بحسب آخر استطلاع لـمؤسسة "زغبي الدولية". وتؤكّد غالبية ثابتة في الأردن وغالبيّات كبيرة في مصر والسعودية والإمارات العربية المتحدة، إنّها تعارض دور إيران في كل من سوريا والعراق. إلّا أنّ المثير للاهتمام هو أنّ العراقيين أنفسهم يعارضون بشكل كبير دور إيران في بلادهم، وذلك بهامش 46 إلى 36 بالمئة. ويعارضون دور إيران في سوريا بهامش أكبر بكثير: 55 إلى 22 بالمئة.
كما أنّ الآراء في الخليج حيال سياسات إيرانية أخرى والرد الأمريكي المرغوب به عليها هي جديرة بالذكر أيضاً. ففي ما يتعلّق بخلاف الدول العربية مع قطر، يظهر استطلاع "معهد واشنطن" أنّ الغالبيات في السعودية والإمارات العربية المتحدة وحتّى قطر نفسها يتّفقون على أنّ "الأهمّ في هذا الوضع هو التوصّل إلى أقسى درجة من التعاون العربي ضدّ إيران". ولدى سؤالهم عن أولويّاتهم حيال السياسة الأمريكية الخارجية، اختارت أكثريّة من السعوديين والإماراتيين خيار "زيادة معارضتها العمليّة لتأثير إيران ونشاطاتها الإقليمية". لقد وضعوا هذا الهدف في مقدّمة كافة المسائل الأخرى المذكورة: فلسطين أو اليمن أو مكافحة الإرهاب أو مجرّد التخفيف من التدخّل الأمريكي في المنطقة.
كانت المواقف الشعبية العربية ككل حيال حليفَين إقليميين رئيسيين لإيران، وهما "حزب الله" والحوثيون في اليمن، سلبية بشكل متوازٍ، وذلك وفقاً لاستطلاع "معهد واشنطن". ففي مصر والأردن والسعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين، قال 80 إلى 90 بالمئة إنّهم يعارضون الحركتَين. وبشكل ملحوظ في البلدَين الأخيرَين، يتشارك هذا الرأي السلبي المواطنون الشيعة أيضاً وبشكل كبير. وفقط في لبنان تعكس هذه المواقف تجاه وكيل إيران المحلّي هذا الانقسام الطائفي؛ إذ يؤكّد 88 بالمئة من اللبنانيين الشيعة تأييدهم لـ “حزب الله"، في حين تقول النسبة العالية نفسها تقريباً من سنّة البلاد، 85 بالمئة، إنّها تعارضه.
من حيث المنهجية، شمل كل من استطلاعات "معهد واشنطن" ومؤسسة "زغبي الدولية" مقابلات خاصة وجهاً لوجه مع عيّنات وطنية تمثيلية تتألّف من حوالي 1000 مشارك في كل بلد. استخدم استطلاع " معهد واشنطن " منهجية عينية أرجحية جغرافية متعددة المراحل ونموذجية. أمّا استطلاع مؤسسة "زغبي الدولية"، وبحسب ممثّلها الرسمي جايمس زغبي، فقد استخدمت تقنية عينية حصصية موثوقة بشكل أقل. تتوفّر التفاصيل المنهجية الكاملة لاستطلاع " معهد واشنطن " من الكاتب نفسه عند الطلب.