- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الولايات المتحدة لا تزال تتصدر قائمة القوى العظمى "المهمة" للجمهور الأردني
شهدت المواقف الشعبية في الأردن تغيرا طفيفا خلال العام الماضي نحو اتجاه أكثر ملاءمة بشكل عام للولايات المتحدة.
رغم الشعبية المنخفضة لكل من إيران وإسرائيل بين الأردنيين، إلا انه كان هناك انخفاض هامشي في العداء تجاه عملية التطبيع مع إسرائيل. وبخصوص الوضع الداخلي، أعرب نصف الجمهور الأردني عن عدم رضاهم عن الجهود الرسمية التي تبذلها الحكومة في التعامل مع المشاكل الرئيسية - ومع ذلك فإن القليل من الأردنيين يميلون بشكل إيجابي إلى الخروج في احتجاجات جماعية الى الشوارع. ومن ثم، يمكن للحكومة الأردنية التي أبدت حساسية تجاه الرأي العام في الماضي أن تجد على الأرجح بعض هوامش المناورة في هذه النتائج الجديدة.
أظهر استطلاع للرأي العام الأردني أجري في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2021، بتكليف من "معهد واشنطن" وتنفيذ شركة تجارية محلية مستقلة، أن العلاقات مع الولايات المتحدة لا تزال تحظى بدعم شعبي كبير في تلك الدولة العربية الرئيسية. فما يزيد قليلًا عن نصف الأردنيين (51٪) يقولون إن "العلاقات الجيدة" مع الولايات المتحدة "مهمة جدًا" أو "مهمة إلى حد ما" لبلدهم. وتأتي الصين في المرتبة الثانية بفارق ضئيل، بنسبة 49٪، بينما تحتل روسيا المرتبة الثالثة بفارق أكبر، بنسبة 31٪ فقط.
في حين أن دعم العلاقات الأمريكية الأردنية خلال الأعوام السابقة شهد انخفاضًا حادًا، من 58٪ اعتبروها مهمة في تشرين الأول/أكتوبر 2017 إلى 14٪ في كانون الثاني/يناير 2018، فقد انتعش الدعم بانتظام خلال السنوات الثلاث الماضية. من ناحية أخرى، تراجع الدعم الشعبي لعلاقات الأردن مع الصين وروسيا، بحيث صنف 66٪ و47٪ من الأردنيين هذه العلاقات على أنها "مهمة جدًا" أو "مهمة إلى حد ما"، على التوالي، في تشرين الأول/أكتوبر 2017.
واللافت على حد سواء أن ثلث الأردنيين فقط يوافقون على هذا البيان: "لا يمكن لدولتنا الاعتماد على الولايات المتحدة هذه الأيام، لذلك يجب أن ننظر أكثر إلى روسيا أو الصين كشركاء". حتى أن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان يخضع على نحو غير متوقع لآراء متباينة: يتوقع حوالي النصف (49٪) أنه سيكون له فعليًا أثر إيجابي على المنطقة، بينما يتوقع النصف الآخر (45٪) أثرًا سلبيًا.
وعلى سبيل المقارنة، يقول 29٪ فقط من الأردنيين أن "زيادة مبيعات الأسلحة الروسية للدول العربية" لديها آثار إيجابية على المنطقة. ولكن أقلية أكبر (45٪) تفيد إنها ترى على الأقل بعض الأثر الإيجابي لـ "تعاظم الاستثمار الصيني في العديد من الدول العربية".
عند سؤال الأردنيين بشكل أكثر تحديدًا عن سياسات الولايات المتحدة، اختار العديد منهم "الضغط باتجاه حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي" كأولوية قصوى لأجندة واشنطن الإقليمية. تتماشى هذه النسبة تقريبًا مع الاستطلاعات السابقة، بحيث أدلى 43٪ بالإجابة ذاتها على هذا السؤال في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2020 – ولكنها نسبة أعلى بكثير من النتائج الأخيرة من دول الخليج العربية. ويرى الأردنيون أن الأولوية التالية للسياسة الأمريكية يجب أن تكون "تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في الدول العربية" (26٪)، في تحول عن اختيار احتواء إيران في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.
أما الخيارات الأخرى المطروحة - احتواء إيران، أو معالجة الحروب في اليمن وليبيا- فتليها بفارق كبير. لم يتغير هذا الترتيب عند طرح أسئلة متابعة على المستجيبين حول خيارهم الثاني للأولويات الإقليمية الأمريكية. والمثير للدهشة في هذا السياق أن ربع الأردنيين فقط يرون أثرًا إيجابيًا لـ "الاتفاق الأمريكي حول إبقاء بضعة الآلاف من المستشارين العسكريين في العراق".
بخصوص التطبيع مع إسرائيل، يبقى الرأي العام الأردني سلبيًا للغاية، وذلك على الرغم من الدفء الذي شهدته العلاقات الرسمية مؤخرًا، حيث ينظر خُمس الأردنيين فقط إلى "الصفقات الاقتصادية الجديدة بين الأردن ومصر وإسرائيل" من منظور إيجابي. كما تحدثت أقلية أكبر بقليل (26٪) عن بعض الآثار الإيجابية لـ "استبدال نتنياهو كرئيس وزراء لإسرائيل".
لا يزال التطبيع مع إسرائيل لا يحظى بشعبية كبيرة حيث ينظر 13% فقط من الأردنيين الى "اتفاقات السلام المبرمة العام الماضي بين إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب والسودان" من منظور إيجابي. ولكن وجهات النظر تجاه هذه الصفقات هي أكثر إيجابية من آراء الأردنيين في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 تجاه اتفاقيات أبراهام للسلام والتي لم تحظ سوى بتأييد 9٪. وبالمثل، يُعرب 14% من الأردنيين عن تأييدهم لـ "المؤتمر المنعقد مؤخرًا في أربيل، العراق، الذي دعا إلى السلام مع إسرائيل". وينطبق الأمر ذاته على الموافقة على فكرة أن "الأشخاص الذين يرغبون في إقامة علاقات تجارية أو رياضية مع الإسرائيليين يجب أن يُسمح لهم بذلك" - بالرغم من أن 44٪ فقط يعترضون "بشدة" على هذا الاقتراح، بزيادة طفيفة عن 51٪ في تموز/يوليو 2020 و45٪ في تشرين الثاني/نوفمبر من العام ذاته.
في الوقت عينه، ينظر الجمهور الأردني أيضًا إلى إيران نظرة سلبية للغاية. فما يقارب الثلثين (63٪) يوافقون على هذا التصريح: "أينما تتدخل إيران، فهي تؤذي العرب المحليين ولا تساعد الفلسطينيين". ترى الأغلبية الساحقة ذاتها (64٪) عواقب سلبية لانتخاب إبراهيم رئيسي رئيسًا لإيران مؤخرًا. ويقول 14% فقط إنه من "المهم إلى حد ما" حتى للأردن أن تكون له علاقات جيدة مع إيران. يعد ذلك انخفاضًا حادًا عن نسبة 23٪ التي اعتبرت العلاقة "مهمة إلى حد ما" في تشرين الأول/أكتوبر 2017، إلا أنه يتوافق مع نسبة 8٪ التي أدلت بالإجابة ذاتها في العامين 2019 و2020.
يشمل هذا العداء الشعبي الجهود المبذولة مؤخرًا للتقارب مع إيران أو حلفائها الإقليميين. فأغلبية (58٪) الأردنيين لا يوافقون على "المحادثات الدبلوماسية التي جرت مؤخرًا للتوصل إلى بعض التفاهمات بين إيران والسعودية". وتعارض الغالبية العظمى (64٪) "تحركات بعض الحكومات العربية لإعادة العلاقات مع نظام الأسد" في سوريا.
يتعارض هذا الشعور بشكل واضح مع السياسة الرسمية الأخيرة، ومع الخطاب السائد مؤخرًا على وسائل التواصل الاجتماعي الأردنية - مما يقدم دليلًا إضافيًا على أن العديد من المستجيبين على استعداد للاختلاف بشكل خاص مع الخط "السياسي المقبول" والسائد اليوم. وفي تناقض حاد مع وجهات نظرهم بشأن سوريا، وافق ما يقرب من ثلثي الأردنيين على "الخطوات التدريجية لتحسين العلاقات العربية مع تركيا"، تماشيًا مع نسبة 65٪ من الأردنيين الذين كانوا ينظرون إلى العلاقة الأردنية التركية بشكل إيجابي في تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2020.
بالانتقال إلى القضايا المحلية، يقول ما يزيد قليلًا عن نصف الأردنيين (51-55٪)، على غرار الاستطلاعات السابقة، إن حكومتهم "لا تحرك ساكنًا" لمعالجة مجموعة من القضايا البارزة: "التعامل مع مشاكلنا الاقتصادية المتزايدة والمصاعب اليومية التي يواجهها المواطنون"؛ و"الحد من مستوى الفساد في حياتنا الاقتصادية والسياسية"؛ و"تقاسم عبء الضرائب والالتزامات الأخرى تجاه الحكومة بطريقة عادلة"؛ و"حماية حريات المواطنين كأفراد وخصوصيتهم". وفي ما يتعلق بالقضية الأخيرة، من المثير للاهتمام أن ربع الأردنيين يقولون إن الحكومة تفعل "أكثر من اللازم" – ما يمثل ربما رد فعل عنيف أصولي خفي على التساهل الاجتماعي الملموس، و/أو استياء المنظومة من المعارضة السياسية الصريحة.
ولكن الاستطلاع يشير إلى احتمالات ضئيلة نسبيًا لأي انتفاضة شعبية جماهيرية في الأردن. فالأغلبية الضيقة من المواطنين الأردنيين (55٪)، تقريبًا كما في استطلاعات الرأي السابقة، لا تزال توافق على هذا البيان: "إنه لأمر جيد أنه ليس لدينا احتجاجات جماهيرية في الشارع ضد الفساد، كما هي الحال في بعض الدول العربية الأخرى".