- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
الوقوف الصعّب لإقليم كردستان في خضم فوضى العراق
خلال السنوات الأخيرة، أدت الصراعات السياسية والخلافات الطائفية وتضارب المصالح بين الأطراف الإقليمية والدولية إلى زيادة حالة عدم الاستقرار في العراق. وفى هذا السياق، تناول اللقاء الذي اجُرى مع مستشار الحزب الديمقراطي الكردستاني كفاح محمود هذه التحديات وكيفية تعامل حكومة إقليم كردستان معها.
يبدو أن مشاكل البلاد لا تنتهي، فهشاشة الحكومة، وتزايد الخروقات الأمنية، وظهور الجماعات المتمردة على القانون، وعودة الحديث عن انتعاش تنظيمات إرهابية كتنظيم "داعش"، والاستقطاب السياسي، وسوء الإدارة، وتراجع مستوى المعيشة والفساد، كل ذلك يزيد من هموم البلاد.
في ظل هذه الأوضاع الصعبة، يكافح إقليم كردستان العراق - الذي لطالما اعتبر معقلًا للأمن والنمو - بشكل متزايد للحفاظ على الاستقرار، فمنذ عام 2004، شهد الإقليم عدة اهتزازات نتيجة ظهور الخلافات حول الميزانية، وظهور تنظيم " داعش"، وانهيار أسعار النفط، وتفاقم الأزمة المالية، وسوء العلاقات مع حكومات بغداد. وفى حين كان الإقليم يحاول النهوض من كَبْواته خلال الأعوام الماضية، خسر مدن رئيسية ككركوك وسنجار نتيجة الاستفتاء الذي أجراه على الانفصال، وشعور الإقليم بتخلي واشنطن -الحليف القديم- عنه. ومع ذلك، وبعد أن اتحدت الدول الإقليمية ضد الإقليم واستفادت من الصمت الأمريكي حينها، أدرك سكان الإقليم أن النجاة يكمن في التصالح مع بغداد، وفي تقوية الأسس الداخلية للإقليم. ومع ذلك، لم يتمكن إقليم كردستان من التوصل لحل لتلك القضايا.
ومع ذلك، يلعب الساسة الأكراد دورًا رئيسيًا في مرحلة ما بعد الانتخابات كمحاولة لتشكيل الحكومة. ومن المقرر عقد استحقاق انتخابي في 26 أذار/مارس للتصويت لاختيار الرئيس القادم للبلاد وذلك بعد شهور من التلكؤ. إضافة الى ذلك، ظهر الحزب الديمقراطي الكردستاني كلاعب رئيسي خلال المفاوضات العراق الجارية لتشكيل الحكومة، حيث فاز بعدد كبير من المقاعد في الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول/ أكتوبر. في غضون ذلك، وردت أنباء عن احتمال انسحاب أمريكي على الشاكلة الأفغانية مما يساهم بشكل أكبر في زيادة الغموض العام حول مصير ومستقبل إقليم كردستان العراق، كما ازداد الوضع تعقيدا بعد الهجوم الأخير الذي شنه الحرس الثوري الإيراني على مدينة أربيل. وللوقوف على تلك القضايا وفهمها بشكل أكبر، قمت بإجراء هذه المقابلة مع مستشار الرئيس مسعود بارزاني والقيادي البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني كفاح محمود.
بدايةً، كيف تنظر إلى الوضع الداخلي في الإقليم؟
بوصول السيد مسرور البارزاني إلى الحكم فكل شي يتجه إيجاباً باستثناء الموضوع الاقتصادي والذي هو نتاج الإشكاليات مع بغداد. خلال السنتين الماضيتين ظَهرت معالم مُتميزة منها تَشريع قانون الإصلاح والالتفات للبنية التحتية. وهناك توجه صناعي لأول مرة. هناك استثمارات بالمليارات في البنية التحتية تقوم بها الشركات العراقية والأجنبية. تقدم "الديمقراطي الكردستاني" في الانتخابات البرلمانية جعل الوضع أفضل، وربما ستأتي التحالفات في بغداد لصالح حل الإشكاليات.
عراقياً، ما الذي يُميز أربيل عن بغداد في الشأن العام؟
المشكلة في بغداد هو تَشتّت مراكز القرار، وما يميزنا عن المركز أو حتى الكثير من الدول هو وحدة مراكز القرار. خاصةً، أمنياً وعسكرياً. ففي بغداد هناك مجموعة من القوى المسلحة غير القوى الدستورية، وهناك الحشد الشعبي، وقوى ترتدي عَباءة الحشد. كذلك تتواجد الفصائل المُنفلتة التي تتلقى دعماً وربما تعليمات من جهة إقليمية. التَشتّت عمل على تحويل الدولة إلى دولة تصفها المنظمات العالمية بـ"الفاشلة".
ماذا أيضاً يسببه هذا التَشتّت؟
يعد التقهقر الكبير في الخدمات والتفاقم الأمني أحد أسباب هذا التشتت والذي بدوره ساهم في تنشيط تنظيم "داعش" الذي أصبح يعمل بحرية في محيط بغداد وكركوك وأطراف الموصل وسنجار والمقدادية. هذه الجماعات تسببت في تردي الأمن وتشتت انتباه القوات العراقية والبيشمركة. الخلافات بين بغداد وأربيل سمح لداعش بهذا الانتشار والتفعيل.
هل البيشمركة والقوات العراقية قادرة على ضبط الأمن دون تلك المليشيات؟
بالتأكيد. لقد تدهور الوضع الأمني في كركوك وسنجار وخانقين لوجود هذه المليشيات. باجتياح تلك المليشيات لتلك المناطق الكردستانية خارج الإقليم تحولت تلك المناطق إلى حواضن جديدة لداعش.
كيف تنظر الى الوضع الإقليمي وتأثيراته في العراق؟
يتخذ الوضع الإقليمي شكلان:
أولاً، الدول المحاذية للعراق: جميعها مُتورطة بالملفات العراقية بحسب حجمها ومصالحها، كما تتورط كلا من تركيا وإيران بشكل عير مباشر، حيث تستخدم تركيا شماعة وجود "حزب العمال التركي" في منطقة قنديل وشمال دهوك وسنجار. أما الإيرانيون يستخدمون الطائفية كونهم يدعون تمثيل الشيعة في العالم.
ثانياً، "التحالف الدولي": هناك رفض كليّ من الإقليم والسنة العرب على الاتفاق الأخير بين أمريكا والعراق حول جَدولة سحب القوات الأمريكية لإنها ستمنح مساحة انتشار وهيمنة أكبر لتلك المليشيات. وهذا ما تريده تلك المليشيات.
ما هي أكثر المخاطر التي تهدد الإقليم حالياً؟
كرأي شخصي، أنا اعتقد أن الإقليم بعد الاستفتاء أدرك حقائق كثيرة في مقدمتها الحاجة لتثوّير صناعي زراعي إنتاجي. الاستفتاء كشف لنا أننا مُستهلكون فقط.
هل هذه الرؤية عامة في القيادة؟
أتمنى أن تكون كذلك، فتوجه الرئيس مسرور البارزاني إلى التصنيع والزراعة وإلى الخدمات الاستراتيجية يشير الى أن النهج الجديد بهذا الاتجاه. بعد الاستفتاء اكتشفت النخب الكردستانية أن أكبر مشكلة تواجهنا هي القضاء على الفساد. أنا لا ازعم بإن القيادة قادرة على القضاء عليه بشكل كلى. لكن، على الأقل تنشيف منابعه وتضيق مساحاته. و بعيداً عن شماعة الاتهامات لأنقرة وطهران كل التداعيات التي حصلت للإقليم كان نتيجة الفساد فيه. فلا يوجد استقلال سياسي دون استقلال اقتصادي، وطالما مازلنا نعتمد اقتصاديا على حصة قادمة من بغداد سيكون قرارنا مُرتهن للقرارات الإتحادية. هذه دعوة لتمتين الاقتصاد المحلي لا الانفصال.
العلاقات مع الاتحاد الوطني الكردستاني؟
رغم أن العلاقات التاريخية بين الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني كثيرا ما شابها الاحتراب، إلا أنني اعتقد انه من مصلحة شعب كردستان أن يكونا مُتحالفين دائماً لأنهما قادا حركة التطور والفشل، وحتى مناهضة الفساد منذ عام 1991، وبالتالي، عليهما دعم رئيس الوزراء الحالي بخططه لمحاربة الفساد سواء في مناطق نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني. العلاقة بصرف النظر عن عدد المقاعد البرلمانية لها علاقة بقوة الإقليم.
هل لواشنطن أي دور في المفاوضات بين الطرفين؟
كان لهم دور في جلْ المفاوضات، الأمريكيون أصدقاء وحليف استراتيجي رغم موقفهم من الاستفتاء. وهم يؤكدن على كافة المستويات أن أمن الإقليم جزء من مسؤوليتهم التاريخية، ويعملون على رأب الصدع بين الفعاليات السياسية الكردية. لكنهم لا يتدخلون دون دعوة. لم تصل الخلافات لذاك المستوى لدعوة واشنطن.
هل لديهم دور في المفاوضات بينكم وبين بغداد عادةً؟
بالتأكيد. يعملون على تقريب وجهات النظر من خلال ممثليهم في بغداد وأربيل وممثلهم التحالف الدولي.
بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان كيف تنظر إلى مستقبل الإقليم والعراق؟
العراق ليس كأفغانستان. ما حدث في العراق جزء من مشروع أمريكي كبير لتغيير أو إنشاء خارطة شرق أوسط كبير. وحتى وإن انسحبت بعض القوى العسكرية ستبقى أمريكا لاعب مهم في العراق. وخاصةً، إن الصراع الإيراني والأمريكي جله في العراق. ولا ننسى العامل الإيراني في سوريا والوجود الأمريكي فيها.
بمنظورك العودة للاتفاقية النووية سيحد أم يزيد من النفوذ الإيراني في العراق؟
الأمريكان لن يسمحوا. اعتقد أنهم لديهم خطوط ربما نجهلها فيما يسمى بـ "التمدد الإيراني". حينما تصل إيران لتلك الخطوط الحمراء سيكون ردّ الفعل الأمريكي مُختلف.
هل هناك طرح بين قيادة الإقليم بضرورة البحث عن بدائل (الصين وروسيا) لأمريكا؟
الكل قبل أن يتحالف معك يتحالف مع مصالحه. مسألة الاتكاء على الخارج في قضية مصير شعب كُردستان لم تكن موجود منذ أيام الزعيم ملا مصطفى البارزاني. من يحمي شعب كوردستان هم قوات البيشمركة وإرادة هذا الشعب في الحياة والسلام. من 1991 الى 2003 لم تكن هناك جيوش لحمايتنا سوى القرار 688 لمنع حركة الطيران. استطعنا أن نبني إقليمنا في ظل الحصار الداخلي والخارجي. بالرغم من الاقتتال الداخلي، استطعنا أن نتحول بعد سنتين أو ثلاث من توقف القتال إلى واحة للأمن والسلام جذبت جل المعارضة العراقية. الكرد وشركائهم لديهم هدف واحد وهو ازدهار الإقليم والعيش بسلام وحسن الجوار.
لقد واكبتوا أكثر من رئيس أمريكي؟ مع من كنتم أكثر ارتياح؟
الإدارة الأمريكية لديها ثوابت سياسية في التعامل ولا تغير توجهاتها بتغير الرئيس. منذ 1991 كان للأمريكان والفرنسيين والبريطانيين دور يحفظه الكردستانيون بكل وفاء لإنهم كانوا وراء استصدار القرار (688). كان موقف الإدارة الامريكية إيجابيا في الكثير من المواقف منذ 1991. في الاستفتاء ربما اعتقدوا أننا مستعجلين، ووقفوا معارضين واحترمنا موقفهم. لكننا قمنا بالاستفتاء ولم تحصل تلك المذابح التي توقع بعض الخبراء الأمريكان أنها ستحدث بعد الاستفتاء. هذا بسبب حِكمة الرئيس بارزاني ودبلوماسية الرئيس نيجيرفان، والتي تعاملت بعقلانية مع ردود الأفعال التي حصلت بعد الاستفتاء كاحتلال كركوك وسنجار.
الهجمات التي تستهدف أربيل هل هي ضد أمريكا أم تستخدم هذا الشعار لمهاجمة الإقليم؟
هم يعلنون أنهم لا يستهدفون الإقليم. لكن، لو نذهب الى خلفياتهم السياسية والفكرية نجد العكس. هم يستخدمون شعار الوجود الأمريكي. هذه النمط من الشعارات موجودة منذ 1958 في العراق وقبلها في العالم العربي. آخرها شعار طريق القدس يمر من كربلاء. لاتزال القوى التي اسميها "ظلامية" تستخدم تلك الشعارات لتجهيل الشعب. على سبيل المثال: لديك مريض قاب قوسين من الموت وأنت تفكر في إنقاذ مريض أخر في بيت أخر. هذا واقع العراق. أنا اعتقد أن هذه الشعارات للاستهلاك المحلي.
هل علاقاتكم مع أمريكا تؤثر على علاقاتكم مع دول الإقليم (أي هل يعتبرونكم عملاء لأمريكا)؟
لا اعتقد. أن هذه التسميات هي للمليشيات والجماعات المُنفلتة وإلا سنعتبر كل دور الخليج وتركيا والدول اللاتينية وهلم جرا عملاء لأمريكا. هناك مصالح مشتركة. الإقليم لديه مصالح مشتركة وعلاقات جيدة مع إيران. كذا الحال مع أنقرة رغم كل ما حصل. وكذا الحال مع دول الخليج، ومصر قادمة للاستثمار. أمريكا واحدة من هذه الدول. أن علاقاتنا السياسية مع أمريكا أكثر متانة بسبب الحرب على "داعش "ووحدة الموقف.
من موقعك هذا كيف تنظر إلى مصير سوريا؟
كما قال الرئيس مسعود البارزاني بالنسبة للكرد في كردستان سوريا لايزال مصيرهم مجهولاً وذلك لهيمنة حزب العمال التركي على مقدراتهم. اعتقد في ظل التناقضات وتشتت امتلاك الملفات السورية بين تركيا وإيران والولايات المتحدة وروسيا سيستمر الصراع. الوضع شائك. بالمدى المنظور لا تفاؤل. لكنني مؤمن بحيوية الشعب السوري.
هل للروس أي دور فعّال في العراق؟
لحد الآن لا. هناك جهات في القيادة الاتحادية العراقية من الذين يرغبون بخروج الولايات المتحدة تعمل في هذا الإطار ويعطون إشارات بضرورة الاعتماد على السلاح الروسي وبتقوية العلاقات معها. اعتقد أن لهم دور، ولكن ليس بمهم جداً.
إلى أين يتجه العراق؟
أنا اعتقد أن هذه التناقضات وما يحصل الآن ربما بداية مرحلة للانتقال خصوصاً إن نتائج الانتخابات الأخيرة اثبت أن الشعب العراقي يرفض هؤلاء الذين يخرجون العراق عن سكة تطوره. هذه تدفعنا للتفاؤل بمستقبل مشرق.
خلاصة
تظهر الوقائع كيف أن التحالف الدولي وواشنطن سيقدمون خدمات للمليشيات المتطرفة في حال انسحابهما المُتسرع وغير المُنظم من المشهد العراقي، ومن خلال صمتهما عن جرائم تلك الجماعات. أيضاً، أدى تراجع الدور الأمريكي الفعال في المشهد السياسي العراقي الى دفع حلفاء الولايات المتحدة في العراق كإقليم كردستان إلى الانكماش والشعور بالخطر، وقد يدفعهم ذلك للبحث عن بدائل لواشنطن لحماية أنفسهم من الأعداء المحيطين بهم. وهذا بالطبع سيساعد أخصام واشنطن وأخصام شركائها في البلاد. ومن ثم، فإن المساهمة البناءة من قبل دول التحالف الدولي في تعزيز الاستقرار والنمو ورفع مستوى الديمقراطية في إقليم كردستان العراق، والتدخل الحقيقي من خلال الوسائل الدبلوماسية والسياسية للدفع ببناء الجسور بين أربيل وبغداد هو الحل الأنسب لمشاكل العراق. هذا بدوره سيزيد من فرصة ولادة دولة القانون البعيدة عن الطائفية والمذهبية والغير مُخترقة من دول الجوار في بغداد. على واشنطن زيادة الاهتمام الحقيقي بحلفائها في الشرق الأوسط ومنهم الإقليم. وعليها تفادي توريط حلفائها المحليين في العراق بصراعاتها مع إيران وغيرها من الجماعة المرتبطة بها. كذلك من المهم تحيّيد الإقليم عن الصراعات الإقليمية التي تهدف إلى إنهاء فرصة الإقليم في النمو والاستقرار.