- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
إمكانيات وتحديات تشكيل الحكومة العراقية بعد الاتصال الهاتفي بين الصدر والمالكي
في محاولة عسيرة لتشكيل الحكومة العراقية، وبعد أشهر من الجمود السياسي بشأن اختيار رئيس للعراق ورئيس للوزراء، يبدو أن الاتفاق في العراق قد يكون ممكناً في نهاية المطاف.
جاء هذا التحول بعد المكالمة الهاتفية التي جرت مؤخرًا بين مقتدى الصدر - رئيس كتلة الأغلبية في الحكومة المكونة من حزبه إلى جانب الحلفاء من السنة والأكراد، وبين نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق المتسبب في حالة الانقسام الحالية، والذي يترأس الإطار التنسيقي الشيعي الذي يضم الأحزاب السياسية الشيعية التي تراجع عدد مقاعدهم وتضرروا من انتخابات أكتوبر/ تشرين 2021 المبكرة
مطّلعون على ما دار في المحادثة بين الرجلين أفادوا إنها جرتْ ببادرة من زعيم الحزب الديموقراطي الكردستاني مسعود بارزاني الذي يجد نفسه يجابه ضغوطاً غير مسبوقة أبرزها الخلاف المستمر بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، فضلاً عن الحكم غير المتوقع الصادر عن المحكمة الاتحادية العراقية المرتبط بقضية عائدات النفط في إقليم كردستان العراق والذي جاء لصالح بغداد على حساب أربيل.
لكل هذه الأسباب مجتمعة فإن من مصلحة بارزاني تخفيف حدّة التغالب والاحتراب بين الطرفين الشيعيين "التيار والتنسيقي" حول الترشيحات لمنصب رئيس الوزراء، وهو نزاع نشب بالتوازي مع التوترات الحالية حول من سيشغل مقعد الرئاسة.
وبحسب مصادر مطلعة فإنّ المحادثة استغرقت دقائق معدودة أعاد الطرفان فيها ثوابتهما، فقد أكّد الصدر خلالها إصراره على حكومة أغلبية وطنية، قائلاً للمالكي ما نصه "إذا أردتم أن تشكلوا الحكومة فنحن هيأنا أنفسنا لنكون معارضة، وإلا دعونا نشكلها".
وعلى الرغم من الخلاف القائم، فإن أي اتصال بشأن هذه القضية يمثل إشارة ببدء التحرك لتشكيل الحكومة، فخلال الأسابيع الماضية بدت عملية تشكيل الحكومة مجمدة بالكامل وذلك بسبب تمسك كل طرف من أطراف الصراع بثوابته. الآن، ومع فتح باب للحوار بين الخصمين، يبدو أن رفض الصدر المعلن للعمل والتعاون مع المالكي قد وصل إلى نهايته، وهناك تقارير تفيد بأن الرجلين يلتقيان الآن شخصيًا لمناقشة القضية بشكل أوسع.
التفاؤل الذي ساد أجواء الإطار التنسيقي كان مشوباً بالحذر بعد توارد أنباء عن نية السيد الصدر ترشيح ابن عمه جعفر الصدر لرئاسة الوزراء، وهو ابن محمد باقر الصدر الأب الروحي لكل إسلاميي العراق الشيعة الذي أعدمه رئيس العراق الدكتاتور صدام حسين بداية ثمانينات القرن الماضي بسبب أنشطته السياسية، إذ أن كثيراً من الفصائل المسلحة التي ترى في الإطار التنسيقيّ وجهتها السياسية ابتدأت منذ أمس حملة ضدّ ترشيح جعفر الصدر واصفة إياه في منصات التواصل الاجتماعيّ بـ"الخيار البريطانيّ".
ومع ذلك، لم تقتصر المخاوف بشأن ترشيح جعفر على الميليشيات وحدها، حيث يخشى آخرون داخل الحركة الإسلامية الشيعية من أن يكون استخدام اسم محمد باقر الصدر آخر ورقة يلعبها الإسلاميون وهم يرون إلى انحسار شعبيتهم "خصوصاً في أوساط الشباب" لأن الثقل الذي يشتمل عليه رمز الصدر الشهيد قد يرتدّ عليهم بنتائج عكسية إذا ما فشل الصدر في مهمته المحفوفة بالمخاطر كرئيس للوزراء، باعتبار أن فشلاً كهذا سيكسر هيبة الرمز مما سيسهم في إضعاف الجسد الإسلاميّ الشيعيّ زيادة على ما فيه من ضعف.
صالح الحمداني الصحفي والمدون العراقي يعتقد أن الصدر قد يجبر على التوافق مع التنسيقي لكن توافقهم لن يصمد طويلا حيث قال أن الصدر والإطار التنسيقي سيظلون يتنافسون على السلطة، مضيفاً أن الصدر لا يمكن السيطرة عليه وعلى جماهيره الكبيرة والقوية لذلك مع أول خلاف سيتم نسف كل الضوابط.
من جانبٍ أخر يرى الدكتور الفضل احمد الكاتب والباحث في الشأن العراقي أن هذا الإجماع قد يساهم في انطلاق حركة احتجاجية جديدة في العراق، حيث يرى أن الاحتجاجات الكبيرة السابقة التي اندلعت في مطلع شهر أكتوبر /تشرين 2019 حُفزت بسبب نسب البطالة والفقر والمرتفعات، واحتقار الشعب العراقي ومتطلّبات الناس من قبل النخب السياسية، وببقاء هذه العوامل دون حل جذري، فمن الطبيعي توقّع عودة الاحتجاجات مستقبلًا، والتي من المرجّح أن تزداد شدةً كلّما تم تجاهل الناس أكثر، يضف الفضل إن احتجاجات أكتوبر/ تشرين ٢٠١٩ ابتدأت باحتجاجات صغيرة لشريحة حملة الشهادات العليا، قبل أن تتحفز الناس للخروج بأعداد أكبر وتبني مطالب سياسية بالإضافة للمطالب الخدمية.
ومن المرجح أن تكون الاحتجاجات الصغيرة التي تظهر حاليًا في جنوب البلاد في المناطق التي لعبت أيضًا أدوارًا رئيسية في حركة الاحتجاج الأصلية ستكون محفّزًا لاحتجاجات أكبر مستقبلًا ما لم تُحل مطالبها.
الدكتور الفضل يتوقع في حال شُكلت حكومة توافقية جديدة في العراق فستكون ضعيفة وغير قادرة على مواجهة الاحتجاجات، وربما تكون آخر حكومة في هذا النظام الذي قام بعد ٢٠٠٣. لكن من المتوقع أن تتولى حكومة أغلبية يتولى فيها حزب رئيسي المسؤولية عن كل فشل ونجاح بقدرة أكبر على احتواء أزمة الاحتجاجات إن حدثت.
إيران ليست بعيدة عن السمع، فهي تراقب كل خطوة، ولا يستبعد أن تكون لها يد في الاتصال الذي شغل الأوساط هذين اليومين، وفي كل الأحوال فهي أسهمتْ في الضغط على بارزاني داخلياً وقضائياً لتصل إلى هذه النتيجة.
أصبح المشهد السياسي في العراق يتأرجح بين خياريين: إما العودة إلى الخيار الذي يعرفه الساسة العراقيون جيداً وهو خيار المحاصصة أو تجريب حراك سياسي آخر لم تتعامل معه الحكومة العراقية من قبل. بالنسبة للخيار الأول، فمن شأنه تأجيج الشارع الذي بالكاد هدأ بعد انتفاضة تشرين. أما الخيار الثاني فآلياته ونتائجه مجهولتان.