- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
إنهاء مقاطعة قطر: فرصة لتركيا وليس مصدر تهديد
المصالحة في الخليج لا تعني العزلة بالنسبة لتركيا.
بعد حظر دام ثلاث سنوات فرضه "الرباعي العربي" على قطر، توصل الطرفان إلى اتفاق تضامن واستقرار مطلع العام 2021. وقد يتوقع المرء أن تعني هذه المصالحة عزلة إضافية لتركيا التي غالبًا ما تكون على خلاف مع دول الرباعي العربي.
غير أن رد فعل تركيا إزاء هذا التقارب يشير إلى عكس ذلك. فقد أثنت البلاد على هذه الخطوة، مشيرةً إلى أن الرئيس أردوغان واثق بأن الروابط الثنائية مع قطر– التي تستند إلى مجموعة من المصالح المشتركة– لن تتأثر سلبًا بانتهاء العزلة الإقليمية لقطر. بدلًا من ذلك، قد يمثل التقارب التكتيكي بين قطر والرباعي العربي فرصة كي تحسّن تركيا علاقتها المشحونة مع بعض دول هذا الرباعي، رغم أن دعم تركيا المتواصل لجماعة "الإخوان المسلمين" وتحالفها مع "حكومة الوفاق الوطني" في ليبيا سيشكلان عوائق كبيرة أمام أي تحسّن في العلاقات.
الروابط الثابتة بين الدوحة وأنقرة
نظرًا إلى متانة التحالف التركي-القطري التاريخية، من المستبعد أن تخاطر الدوحة بعلاقتها القائمة على الثقة والتقدير مع أنقرة، بغض النظر عن أي تطورات في العلاقات المتقلبة أساسًا مع دول الرباعي العربي خلال الأشهر المقبلة.
وتتمثل إحدى نقاط قوة العلاقة التركية-القطرية في أنها مثبتة بعد التجربة. فالتعبئة السريعة للمساعدة التي أرسلتها تركيا إلى قطر عقب فرض الرباعي الحظر في حزيران/يونيو 2017 أظهرت أنه يمكن لأمير قطر التعويل بالكامل على أردوغان خلال أوقات الحاجة. وإضافةً إلى النشر السريع للجنود الأتراك في القاعدة العسكرية التابعة لهم في قطر، أرسلت الحكومة التركية أكثر من 4 آلاف طن من المواد الغذائية إلى قطر في خضم الأزمة من أجل مساعدتها على تفادي أي نقص في المواد الغذائية بسبب الحصار. وعلى نحو مماثل، كان الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أول رئيس دولة يتصل بنظيره التركي ويعبّر عن تضامنه عقب الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016.
وبالتالي، فإن دوام التحالف يعزى عمومًا إلى الثقة المتبادلة بين الرئيس أردوغان والشيخ تميم. إذ لم يلقَ أي قائد أجنبي آخر استقبالًا حارًا في أنقرة كالذي حظي به أمير قطر. كذلك، كان الشيخ تميم أول رئيس دولة أجنبية يبادر إلى الاتصال بأردوغان ويعبّر عن تضامنه في أعقاب الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016. كما تشكّل المصالح الإقليمية المشتركة– ولا سيما الرعاية المستمرة التي يقدمها القائدان لكل من حركة "حماس" وجماعة "الإخوان المسلمين" رغم احتقار الرباعي والضغوط العقيمة ضدّ الجماعة– ركيزة هذه الشراكة الوطيدة.
فضلًا عن ذلك، تستند العلاقات الثنائية بين قطر وتركيا الآن إلى تنامي الروابط الاقتصادية والتجارية العميقة– وهي روابط من المرجح أن تواصل توسعها. وكما هو مبيّن في الرسم البياني، ازدادت الاستثمارات الأجنبية المباشرة القطرية في تركيا منذ 2017، رغم أن مراقبين مستقلين شككوا في ما إذا كانت البيانات الرسمية للعام 2019 مضخمة. ويمثل تدفق الاستثمارات القطرية إلى تركيا خلال السنوات القليلة الماضية جزئيًا بادرة متبادلة من الدعم رمت إلى تقليص التحديات التي تواجه الاقتصاد التركي في الوقت الراهن. ومن بين أهم الاستثمارات الاستراتيجية الحالية، قرار "جهاز قطر للاستثمار" الذي اتخذه في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 من أجل شراء 10 في المائة من الأسهم في بورصة اسطنبول، وهي جهة البورصة الوحيدة في تركيا التي تجمع بين سوق الأوراق المالية وبورصة الذهب.
قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى تركيا من دول معيّنة في الخليج في السنة:
قطر |
Qatar |
المملكة العربية السعودية |
Saudi Arabia |
الإمارات العربية المتحدة |
UAE |
مليار دولار أمريكي |
Billion USD |
حقوق النشر: فيريسك مايبلكروفت 2021 |
©Verisk Maplecroft 2021 |
المصدر: البنك المركزي التركي
غير أن هذا لا يعني أن البلدين متوائمان على نحو منتظم. فالمشروع المشترك الذي أقامته شركة النفط الوطنية "قطر للبترول" مع "إكسون موبيل" والسلطات القبرصية اليونانية قبالة الساحل الجنوبي الغربي لقبرص في منطقة الامتياز (البلوك) رقم 10 يتعارض والعلاقات الثنائية المتينة والمنسقة. وصحيح أن هذه المنطقة لا تقع في المياه التي تطالب بها تركيا، غير أن أنقرة تعارض التنقيب عن احتياطيات الغاز في المياه القبرصية من قبل شركات نفط وغاز تعمل بالشراكة مع جمهورية قبرص إلى حين التوصل إلى اتفاق مع قبرص التركية بشأن التوزيع المنصف لعائدات المواد الهيدروكربونية البحرية.
وعملت الدوحة على طمأنة أنقرة بأنها لن تضرّ بمصالح تركيا الاستراتيجية في شرق البحر المتوسط، كما أن الحكومة التركية لم تجعل– أقلّه علنًا– من اهتمام "قطر للبترول" في المياه القبرصية مشكلة، في تقدير للطبيعة الوطيدة للعلاقات التركية-القطرية.
وعليه، وفي حين تبرز توترات غير تقليدية في العلاقة الثنائية، إلا أن تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بين الطرفين، واتفاقًا ثنائيًا لمبادلة السيولة بقيمة 15 مليار دولار، إضافةً إلى الرؤى المتداخلة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والعلاقة الوطيدة بين أردوغان وأمير قطر، قد عوّضت بشكل كبير عن هذه التوترات، مما يضع تركيا في موقف آمن رغم المصالحة الخليجية في الآونة الأخيرة.
قيمة الصادرات التركية بالنسبة لدول خليجية معيّنة في السنة:
قطر |
Qatar |
المملكة العربية السعودية |
Saudi Arabia |
الإمارات العربية المتحدة |
UAE |
مليار دولار أمريكي |
Billion USD |
حقوق النشر: فيريسك مايبلكروفت 2021 |
©Verisk Maplecroft 2021 |
المصدر: "معهد الإحصاء التركي"
فرصة أمام تركيا لتحسين العلاقات مع السعودية وأعضاء آخرين في الرباعي العربي
في الموازاة، من المرجح أن تقبل أنقرة عرض الدوحة للمساعدة على تسهيل عملية إصلاح العلاقات بين تركيا و"الرباعي العربي". غير أنه حتى في ظل المساعي المشتركة، فإن الدعم المتواصل الذي يقدمه أردوغان لجماعة "الإخوان المسلمين" و"حكومة الوفاق الوطني" سيجعل تخفيف حدة التوترات بشكل كامل شبه مستحيل، رغم أن إذابة الجليد في العلاقات قد يُترجم فوائد فعلية بالنسبة لتركيا.
وخلال السنوات القليلة الماضية، كانت أنقرة على خلاف مع السعودية بشأن قطر، و"الإخوان المسلمين"، والنزاعات في سوريا وليبيا، وإقدام عملاء سعوديين على قتل جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018. مع ذلك، أعرب أردوغان عن رغبة في تحسين العلاقات مع الحكومة السعودية. والجدير ذكره أن الرئيس التركي تحدث مع العاهل السعودي الملك سلمان في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 وحُكي عن اتفاق على "إبقاء قنوات الحوار مفتوحة" من أجل تحسين العلاقات.
يُذكر أن فوائد المصالحة بين السعودية ودول أعضاء أخرى في "الرباعي العربي" غير بعيدة عن أردوغان. ففي حين تعيّن على المصدرين الأتراك الساعين إلى شحن بضائعهم إلى السعودية والإمارات التعامل مع التداعيات الاقتصادية لجائحة "كوفيد-19"، اضطروا إلى التصدي لمقاطعة غير رسمية لبضائعهم. ويترتب على هذه المقاطعة ضرر اقتصادي فعلي– فرغم أن الإمارات والسعودية لا تستطيعان مجاراة دول الاتحاد الأوروبي كوجهة التصدير الرئيسية لتركيا، إلا أنه مع ذلك بلغ إجمالي الصادرات التركية إليهما 6.91 مليار دولار عام 2019، كما هو مبيّن أعلاه. وبالتالي، فإن تراجع حدة خطاب الحكومة التركية حيال مقتل خاشقجي– في انتقاد استفزّ ولي العهد محمد بن سلمان ومسؤولين سعوديين آخرين– يعزى إلى حدّ كبير إلى اعتبارات اقتصادية.
لكن رغم الفوائد المحتملة، من المستبعد أن تشهد علاقات تركيا مع الرباعي تعافيًا كاملًا عام 2021. وجزئيًا، تتأتى الصعوبة الملازمة للعلاقات التركية-السعودية المتأزمة من واقع أنه، على غرار عائلة آل ثاني الحاكمة في قطر، لا يعتزم أردوغان التخلي عن جماعة "الإخوان المسلمين"، وهي جماعة تدعم هويته السياسية– وكانت عدة حكومات في الرباعي صنفتها كمنظمة إرهابية. وفي حين أن أردوغان قادر على الحدّ من الأدلة على دعمه العلني للجماعة، لن يوافق على مطالب التخلي عنها سواء أتت من الإمارات أو من أعضاء الرباعي العربي الآخرين. ونظرًا إلى طبيعة الدعم التركي للجماعة، من المستبعد أن يحصل تقارب كامل بين تركيا والرباعي العربي، ولا سيما مصر والإمارات العربية المتحدة.
فضلًا عن ذلك، ستتردد القاهرة وأبوظبي أيضًا في تطبيع العلاقات مع أنقرة نظرًا إلى معارضتهما الصارخة للتدخل التركي العسكري في ليبيا والمخاوف حيال مقاربة السياسة الحازمة التي يعتمدها أردوغان شرق البحر المتوسط. ومن المستبعد أن تتخلى تركيا عن دعمها لـ"حكومة الوفاق الوطني" في ليبيا التي يحظى خصمها الرئيسي "الجيش الوطني الليبي" بدعم مصر والإمارات وإلى درجة أقل السعودية. وعليه، فإن العوائق أمام توطيد العلاقات حقيقية، حتى لو أشار اردوغان إلى أنه مهتم بذلك.
مع ذلك، لا يجب التغاضي بالكامل عن تبدّل محتمل في الديناميكيات الإقليمية؛ فإنهاء الحظر على قطر يساهم ببساطة في تعزيز موقف تركيا. علاوةً على ذلك، يُظهر الاتفاق المبرم بين "الرباعي العربي" وقطر في كانون الثاني/يناير أن الخطوط الحمراء التي فرضتها غير ثابتة. ويمكن لأردوغان أن يبقى مرتاحًا في علاقته مع أقرب حلفائه في حين يترقب الفرصة المحتملة لفتح قنوات تواصل مع الجهات الفاعلة في الرباعي.