- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
إرهابيون وليسوا خوارج
5 يناير/كانون الثاني 2018
ترافق استخدام مصطلح -أو مفهوم - الخوارج كفرقة إسلامية مشهورة جداً في التاريخ والتراث الإسلامي مع بدايات ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي في العراق وسوريا بحيث أصبح مصطلح الخوارج الحديث يُحيل مباشرة الآن إلى هذا التنظيم.
ولأن التاريخ يعيد أو يكرر نفسه، يبدو أن التاريخ يعيد لنا أو يعيد تدوير وإنتاج مفهوم الخوارج أو فرقة الخوارج حسب الموروث والتراث الديني الإسلامي.
فمن ضمن قائمة تحوي أكثر من مئة (100) مصطلح إسلامي تراثي قمت بجمعها مؤخراً ودخلت قاموس اللغة الإنجليزية وغيرها في الدراسات والأبحاث والتقارير الإخبارية والصحفية والمدونات على الشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي ومواقع البحث العلمي خاصة على جوجل وجدت مصطلح الخوارج يتكرر استخدامه بلفظة العربي ليحيل إلى ما يسمى في أدبيات الإرهاب بـ "الإرهاب الإسلامي"، وإرهاب تنظيم " داعش" تحديداً.
أن مسألة التوظيف السياسي للدين وأشكال التدين ظاهرة محايثة لسيرورة التطور السياسي في العالم وليست مرتبطة بدين معين أو جماعة سياسية وأخذت عبر التاريخ أشكالا متعددة من الاتهام بالهرطقة إلى الاتهام بالتكفير والزندقة. والهدف من ذلك هو المحافظة على هوية طهرانية؛ أو خلق هوية مختلفة وشيطنة الآخر ليسهل عزلة ثم الانقضاض والقضاء عليه.
في التراث الإسلامي؛ نالت فرقة الخوارج الكثير من الاهتمام نظراً لخطورتها على الأنظمة السياسية التي كانت في طريقها إلى التشكل سواء تجاه الخليفة علي بن أبي طالب أو معاوية بن أبي سفيان. ثم خطرها وتهديدها لدولة بني أمية. ومن هناك، بدأت الانعطافة الكبرى في عملية التنظير السياسي لمسألة التوظيف الديني لمصطلح الخوارج لغايات وأهداف سياسية بهدف نزع أية شرعية أو ذريعة للخوارج للمطالبة بأي إصلاح اجتماعي أو سياسي. وقد تولت المؤسسة الدينية التي تسيطر عليها دولة الخلافة مهمة توفير القاعدة الابستمولوجية والإنطولوجية لتحطيم فكر الخوارج وترسيخ مفهوم عميق وواسع بأن المفهوم لا يحيل إلا إلى الخروج أو المفارقة سواء فكريا أو مكانيا أو حتى زمانيا بمعنى طرد الخوارج خارج فلك الدولة الإسلامية كلياً، وقد تولت المؤسسة السياسية والعسكرية مسؤولية تنفيذ هذه المهمة ومن هنا جاءت شهرة الحجاج بن يوسف والمهلب بن أبي صفرة وفي مقابلها شهرة قادة للخوارج مثل قطري بن الفجاءة .
لقد عاد استخدام مصطلح الخوارج ليحيل إلى تنظيم "داعش" بعد عام 2014 عقب سيطرة التنظيم على الموصل وإعلان الخلافة. وكان الملك عبد الله الثاني بن الحسين ملك الأردن وبشكلٍ لافت من أكثر الزعماء والقادة العرب والمسلمين الذين استخدموا هذا المصطلح وباللغة الإنجليزية في كافة خطاباته التي تحدث بها خاصة في خارج الأردن عن التنظيم وضرورة مكافحته والقضاء عليه خاصة بعد العملية المشهورة بقيام التنظيم بحرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة عام 2015م. ولم يستخدم الملك عبد الله هذا المصطلح إلا بعد أن صرح أهم منظرين في السلفية الجهادية: أبو محمد المقدسي، وهو أستاذ أبو مصعب الزرقاوي، وأبو قتادة الفلسطيني، بأن داعش هم خوارج العصر.
ثم تبع ذلك فتوى للمرجعيات الدينية في السعودية وفى الأزهر في مصر. وبالطبع يؤكد العدد الهائل من الفتاوى الشرعية والدراسات وردود الفعل التي تم نشرها على الأنترنت والمدونات، ووسائل التواصل الاجتماعي بين مؤيد ومعارض والكثير منها، يؤكد بأن "داعش" بغض النظر عن توحشه ليس له علاقة بالخوارج؛ بل هو أحد تجليات الإسلام السني وأن مرجعيته الفكرية التأصيلية لا تخرج عن فكر السنة.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما فائدة هذه الرطانة السطحية الواسعة حول إعادة تدوير هذا المصطلح حتى اليوم، خاصة انه لن يفضي إلى شيء ولن يساعد في مكافحة التطرف الديني والإرهاب؟
ما نحتاج إليه هو مقاربة مختلفة لا تقتصر على محاولة بائسة في تدوير المصطلحات التاريخية، أو الحلول العسكرية والقانونية فقط والتي أثبتت فشلها، بل نحن بحاجة إلى مقاربة كلانّية تدمج كل الأسباب التي تؤدي إلى التطرف الديني والعنف السياسي بشكلٍ عام، وأن يكون الاهتمام بهذه الأسباب حسب أوزانها النسبية في الأهمية.
يمكن أن تستند هذه المقاربة على عددٍ من المحاور، منها محاربة هذا الفكر والقضاء عليه عن طريق وجود مقاربـة موازية وبديلة له وليس مواجهة له أو معارضة أو منافسة له؛ مقاربة جادة تقوم على بناء منظـومة واسـعة وعمـيقة ومقـنعة وذات جـدوى من المصالح والعلاقات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعبر عن مصالح الناس وتدفعهم للدفاع عنها وحمايتها بدل تشتيت الجهد في منافسات غير فعالة طابعها اللعبة الصفرية.
في المحصلة النهائية؛ أعتقد بأن التوظيف الديني والسياسي المعاصر للمصطلح محمّلٌ بوجهات نظر ومقاربات السلطة في كافة الدول العربية والإسلامية. وقد فشل في أن يقدم أي إضافة نوعية في نقد خطاب التطرف الديني والإرهاب؛ أو في جهود مكافحة الإرهاب بشكل عام، بالعكس فقد عقّد من المسالة أكثر وأعاد تدوير أدبيات عفي عليها الزمن، وزاد في نزاع وخلافات المسلمين. وأعني بذلك أن ندين بقوة وحزم ونصف أفعال القتل والتدمير والتوحش بــــــ(الإرهاب)؛ والمنفذين لفعل الإرهاب بـــ (الإرهابيين)، دون الحاجة إلى لغة أخرى.