April 27, 2017
تطالب النساء في المملكة العربية السعودية، على غرار النساء في كل بقاع الأرض، بالاحترام والمساواة في الحقوق وبألا يُعاملن كمواطنات من الدرجة الثانية. فما حرية القيادة التي تثير جدلًا كبيرًا إلا إحدى مطالبهنّ، فضلًا عن طموحاتهنّ الشخصية ورغبتهنّ الصادقة في المساهمة في كل مجال من مجالات التنمية السعودية من دون أي عقبات أو حواجز قانونية من شأنها أن تمنعهنّ من القيام بذلك. فمن أين أتت هذه العقبات التي تمنع النساء السعوديات من نيل حقوقهن؟
ولمعالجة هذه المسألة، لا بد لنا من الغوص في أغوار الجذور الاجتماعية والدينية لهذه القضية. إلا أن المملكة العربية السعودية، منذ تأسيسها عام 1932، قد شهدت عددًا من التغيرات الثقافية. ولا شك في أن المملكة تعتبر دولة محافظة، نظرًا إلى أنها تتمحور حول قدسيّة الحرمين الشريفين. ومع ذلك، لا تزال تمتلك القدرة على الانفتاح.
يسلّط المفكرون السعوديون الضوء على مسألتين حاسمتين تتعلقان بالخطوات المحتملة التي قد تتخذها المملكة في طريقها نحو مثل هذا الانفتاح. أولًا، لا بد لهذه الخطوات أن تكون صغيرة، وبطيئة، وتدريجية لئلا تُفرَض أي ثورة ثقافية جذرية على الشعب السعودي. أما المسألة الثانية فتشدّد على أن الانفتاح يجب أن ينبع من الداخل بدلًا من أن يحاك على أيدي قوى خارجية. أوافق على المسألة الثانية ولكنني أعارض المسألة الأولى بشدة. فالحقيقة المرّة هي أن تطبيق نهج "التغيير التدريجي" بشكل كامل سيستغرق وقتًا طويلًا من دون أي داع.
فمن الذي سيحدد ما الذي يريده الشعب السعودي؟ وهل تعتبر أغلبية المجتمع السعودي، من رجال ونساء، رافضة لفكرة الانفتاح وإعطاء النساء حقوقهن بالكامل؟ والأهم من ذلك كلّه، لمَ تطرح هذه الحقوق البديهية على جدول النقاش أصلًا؟ وإذ يطرح المرء هذه الأسئلة على نفسه لا يجد مفرًا من أن يسأل: من هو المستفيد الأول من عدم إعطاء النساء السعوديات حقوقهن كاملة؟ أهي الحكومة أم المجتمع؟ والجواب هو، بمنتهى البساطة، أنها أطراف دينية قليلة ولكن نافذة تقدم على استخدام المرأة بلا خجل أو وقار كأداة اجتماعية وسياسية لكسب نفوذ اجتماعي وسياسي. ولقّبت هذه الأطراف مجتمعة "بالنهضوية"، نسبة إلى النهضة أو الصحوة الإسلامية التي أبصرت النور في تلك الفترة.
وفي الستينات، رفضت الحركة النهضوية فكرة السماح للنساء بالتعلم. وضعت القرارات السياسية الحكيمة حدًا لهذه الحركة، وتمثّل النساء اليوم ما يزيد عن خمسة وخمسين بالمئة من الخريجين السعوديين الحائزين على شهادات عليا. والجدير بالذكر أن بنات أعضاء هذه الحركة المتشددة عينها يتهاتفن على تحصيل شهادات عليا ويتنافسن على فرص الحصول على منح دراسية في الخارج.
كما شارفت المملكة العربية السعودية في الستينات على اعتماد المساواة بين الجنسين بشكل تام قانوني، نظرًا إلى زيادة مستوى الانفتاح الفكري بعد عودة العديد من الطلاب من البعثات الدراسية في الخارج. ولكن لسوء الحظ، تبع هذا الانفتاح عاملان رئيسيان تسببا في تراجع المستوى الثقافي. يتمثل العامل الأول في تعاون المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة بغية طرد السوفييت من أفغانستان، والذي يبدو أنه لم يكن ممكنًا لو لم تعطَ الأصوات الدينية المتشددة مساحة أكبر للتأثير في المجتمع السعودي. وعبّر هؤلاء المتشددين بنبرة شديدة اللهجة عن رفضهم للمحنة التي مرّ بها الأفغان في ذلك الوقت، مما لم يتسبب إلا في زيادة الضغوطات على المملكة لتحمّل أعباء الدفاع عن العالم الإسلامي. أما العامل الثاني فيتمثل في احتلال مسجد الحرام في مكّة المكرّمة في أوائل الثمانينات. وتعتبر هذه الحادثة، المزوّدة بالشك وبانعدام اليقين، أكثر الحوادث التي آلمت النسيج الاجتماعي السعودي. وفي أعقاب ذلك، قدمت المملكة العربية السعودية بعض التنازلات إلى الهيئة الدينية كضمانة للحفاظ على التماسك الاجتماعي.
إلا أن هذين العاملين لا يعفيان المملكة العربية السعودية من مسؤولية إعطاء النساء حقوقهن وتأمين المساواة بين الجنسين بشكل تام. والسؤال الذي يطرح نفسه هو "أثمة مؤشرات تدل على أن المملكة العربية السعودية ستقلب هذه الصفحة فعلًا؟ إن الانطباع الذي يولده في نفسي الخطاب السعودي يدفعني لأقول أن الإجابة عن هذا السؤال هي بلا شك نعم.
وذلك لأن السعوديين يتطلعون إلى ولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، البالغ من العمر 31 عامًا، ليضمن المساواة. وعلى الرغم من التحديات العديدة، يحاول الأمير إجراء إصلاحات اجتماعية، شبيهة لتلك التي أجراها الرئيس ليندون بينيس جونسون وإصلاحات اقتصادية مشابهة لتلك التي أحدثتها تاتشر، في بلد رافض للتغيير بشكل واسع. ولمّح بشكل صريح إلى أنه يجرى العمل على وضع حد للحظر المفروض على حق المرأة في القيادة، وهو ما يمكن القول أنه أكثر التغيرات رمزية باتجاه نيل النساء حقوقهن في المملكة. كما أصدر أمرًا إصلاحيًا يحظّر على الشرطة الدينية اعتقال المواطنين، إذ قامت باعتقال شبان وشابات لمجرد أنهم حاولوا أن يختلطوا بالجنس الآخر. كما حرص ولي ولي العهد على أن يضع نساء سعوديات في مواقع ذات نفوذ، وعيّن ريما بنت بندر رئيسة للهيئة العامة للرياضة للقسم النسائي التي أنشئت حديثًا. وعيّن أيضًا سارة السهيمي رئيسة لمجلس إدارة شركة السوق المالية السعودية لتداول الأسهم "تداول"، وهي أكبر سوق مالي في الشرق الأوسط.
وللإجابة عن السؤال المطروح في عنوان المقال، أعتقد أن الإجابة هي نعم. ولا أقول ذلك فقط لأن محمد بن سلمان حازم في جهوده البراغماتية الرامية إلى إصلاح المملكة التقليدية والمحافظة، بل لأنه يقرّ أيضًا بأن المكوّن الرئيسي لأي اقتصاد مرن ومتنوع يتمثل في تمكين المرأة بشكل غير مشروط.