- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
استطلاع كويتي جديد يُظهر آراء إيجابية عمومًا حول مساعي السياسة الأمريكية مع بعض الانقسامات
بعد عودة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون من جولته في الشرق الاوسط والتي ركز فيها على التحديات التي تطرحها إيران والخلافات بين الدول العربية، يكشف استطلاع جديد في الكويت صورة متباينة لكن ملائمة إلى حدّ كبير عن مواقف الشعب حول هذه القضايا في تلك الدولة الخليجية الصغيرة إنما الإستراتيجية.
وأتى موقف الرأي العام في الكويت بشأن "سياسات إيران المطبقة مؤخرًا في المنطقة" غاية في السلبية بقدر موقف إدارة ترامب: فنسبة 85 في المائة من الكويتيين اليوم لا تؤيد سلوك إيران. وتسجل هذه النتيجة تراجعًا إضافيًا بالنسبة لطهران منذ الاستطلاع السابق في أيلول/سبتمبر 2015، حين أتت سلبية بنسبة 74 في المائة. وما يثير الاهتمام أنه حتى في أوساط الأقلية الشيعية الكبيرة في الكويت، ترفض الأغلبية (63 في المائة) الآن سياسات إيران. وعلى صعيد مسألة التوزيع الطائفي الحساسة من الناحية الديمغرافية في أوساط نحو 1.5 مليون مواطن كويتي، يشير الاستطلاع إلى أن نسبة التبعية الشيعية تبلغ 28.6 في المائة. وبالتالي فإن حكومة الكويت تقف الان على أرض صلبة لمواصلة اتخاذ خطوات ضد سياسية إيران التخريبية.
كما حصد حلفاء إيران الإقليميون آراء غير مؤاتية البتة من جانب الكويتيين السنّة والشيعة على حد سواء. فالنظرة إلى "حزب الله" سلبية في أوساط شريحة كبيرة من سنّة البلاد بنسبة تبلغ 94 في المائة -- وبنسبة ملفتة أكثر حتى تصل إلى 85 في المائة في أوساط الشيعة. وبهذا تكون نظرة 91 في المائة من الكويتيين سلبية إزاء "حزب الله"، مسجلة تراجعًا موازيًا عن نسبة 78 في المائة المسجلة قبل عامين. على نحو مماثل، أعرب 92 في المائة من الكويتيين السنّة و72 في المائة من الكويتيين الشيعة عن عدم تأييدهم لحوثيي اليمن.
وفي ما يخص خلاف الدول العربية الحالي مع قطر، الذي تسعى الكويت (على غرار الولايات المتحدة) إلى لعب دور الوسيط لحلّه، يتبنى الكويتيون موقفًا معتدلًا تماشيًا مع اتجاه بلادهم. فالأغلبية الساحقة (77 في المائة) ترفض مقاطعة قطر، كما تفعل الدول العربية الأربع: السعودية والإمارات والبحرين ومصر. وتوافق النسبة المرتفعة نفسها من الكويتيين على أن "النتيجة الأفضل تتمثل بتسوية يقدّم فيها كافة الأطراف بعض التنازلات إلى بعضها البعض للتوصل إلى حلّ يرضي الجميع". وتتماشى هذه الرؤية بدورها مع المبادرات الأمريكية في هذا الشأن.
وما يدعو أكثر إلى الدهشة، يؤيد الكويتيون عمومًا الميل نحو الاضطلاع بدور الوسيط في صراع إقليمي آخر: الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. وعلى الرغم من المشاعر القوية المعادية لإسرائيل من قبل بعض الساسة الكويتيين، الا أن نسبة 60 في المائة توافق على أنه "يجب أن تلعب الدول العربية دورًا جديدًا في محادثات السلام الفلسطينية-الإسرائيلية، فتقدّم للطرفين محفزات لاعتماد مواقف أكثر اعتدالًا". وهنا مجددًا يبدو هذا الشعب العربي الذي ينأى بنفسه عادة عن الأحداث الخارجية متقبلًا إلى حدّ كبير للمقاربة الأمريكية الجديدة حيال مشكلة إقليمية عسيرة. إلا أن أقلية ضئيلة فقط من الكويتيين، 16 في المائة، ترى أن الوقت قد حان "لكي تتعاون الدول العربية مع إسرائيل حول مسائل كالتكنولوجيا ومكافحة الإرهاب واحتواء إيران".
وعلى العموم، لدى سؤالهم عن علاقاتهم بالولايات المتحدة، أجابت أغلبية محدودة من الكويتيين (53 في المائة) أنه من المهم بالنسبة لبلادهم أن تحافظ على علاقات جيدة مع واشنطن. وعلى الرغم من أن هذه النسبة قد تبدو منخفضة، نظرا لتحرير الولايات المتحدة للكويت من احتلال صدام حسين في عام 1991، فهي من أعلى المعدلات في المنطقة، أي ضعف نسبة السعوديين أو الإماراتيين. وربما تعكس تلك النسبة خيبة أمل واسعة النطاق للسياسات الامريكية اللاحقة في الشرق الأوسط، حيث يوافق ربع الكويتيين على السياسة الأمريكية في المنطقة ككل في الوقت الراهن. وعندما طًلب منهم تحديد أبرز أولوياتهم في ما يخص هذه السياسة، انقسم الكويتيون بالتساوي بين ثلاثة خيارات: مكافحة الإرهاب الجهادي واحتواء إيران وحلّ أزمة اليمن. وقد حلّت القضية الفلسطينية في المرتبة الرابعة بنسبة 15 في المائة. وما يثير الاهتمام أن نسبة 11 في المائة فقط قالت إن أفضل ما قد تقوم به الولايات المتحدة هو "الحدّ من تدخلها في المنطقة".
وعلى الرغم من هذا الإجماع المعتدل عمومًا، يكشف الاستطلاع أيضًا عن بعض المسائل الشائكة التي قد تتسبب بخلافات في المجتمع الكويتي. وفي ما يخص بعض الأسئلة المحددة، تظهر البيانات انقسامًا طائفيًا حادًا. على سبيل المثال، عندما سئل الكويتيون عن رأيهم بشأن الحفاظ على علاقات جيدة مع إيران، أجابت نسبة 54 في المائة من الأقلية الشيعية بأن هذا الأمر مهم؛ وللمفارقة، أيّدت نسبة 1 في المائة فقط من الكويتيين السنّة هذا الرأي. في المقابل، لدى سؤالهم عن جماعة "الإخوان المسلمين"، التي تعمل علنا تحت اسم مختلف في البرلمان الكويتي والحياة العامة، أعرب 37 في المائة من الكويتيين السنّة عن رأي إيجابي إزاءها - في حين لم يوافقهم أي مواطن شيعي هذا الرأي.
والخبر السار في هذه النتائج هو أن أغلبية الطائفتين توافق على "ضرورة أن تبذل الدول العربية جهودًا أكبر للتعايش والتعاون بين السنّة والشيعة". وتحظى هذه الفرضية بدعم 64 في المائة من الكويتيين السنّة مقابل 84 في المائة من الكويتيين الشيعة. وحصل "تفسير الإسلام على أنه اتجاه أكثر اعتدالًا وتسامحًا وحداثة" على نسبة تأييد شعبي متدنية إنما ملحوظة: 32 في المائة من السنّة و50 في المائة من الشيعة. الجدير ذكره أن النسبة الإجمالية خلف هذا التصريح المثير للجدل تضاعفت عما كانت عليه في الكويت قبل سنتين فقط.
وتجدر الإشارة إلى أن الاستطلاع أجري مطلع أيلول/سبتمبر 2017 من قبل شركة تجارية إقليمية رفيعة الشأن مرخصة محليًا، من خلال مقابلات وجهًا لوجه مع عيّنة تمثيلية شملت 1000 مواطن كويتي، في إطار سلسلة بحوث سوقية تجريها منذ وقت طويل. وقد شملت المنهجية المعتمدة تقنية الأرجحية الجغرافية المعيارية الطبقية، حيث تحمل هامش خطأ إحصائي يقدّر بنسبة 3 في المائة. ونظرًا إلى منهجية الشركة المحترفة وسجلها الطويل النزيه والضمانات الصارمة على صعيد السرية، تعطي النتائج صورةً موثوقة ومفصلة إلى حدّ كبير عن الرأي العام الكويتي بشأن هذه المسائل اليوم.