- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
استطلاع لبناني جديد: إجماع طائفي ضدّ بيروت ومع بكين
غير أن الآراء الشيعية الإيجابية حول إيران لا تزال تختلف بشدة عن الآراء الأخرى.
يوفر استطلاع للرأي العام اللبناني، أُنجز بطلبٍ من "معهد واشنطن" وأجرته شركة أبحاث استطلاعية محلية مستقلة خلال شهر تشرين الثاني/نوفمبر، بيانات مؤكدة نادرة تُظهر اتفاق الطوائف المتعنتة في البلاد أخيرًا على شيء ما، وهو أن الحكومة اللبنانية تفشل في مهامها الأساسية. مع ذلك، يطرح الانقسام العميق والمستمر بين شيعة البلاد وغيرهم من المجموعات في ما يتعلق بالروابط الوثيقة مع إيران عقبة كبيرة أمام أي إصلاحات سياسية أساسية.
تعتبر نسبة 96 في المائة أو أكثر في كل مجموعة كبرى – الشيعة والسنّة والمسيحيون والدروز – أن الحكومة "لا تبذل الكثير من الجهد" لمعالجة كل من المشاكل التالية: "التعامل مع مشاكلنا الاقتصادية المتنامية والمشقات اليومية في حياة الناس"؛ و"الحدّ من مستوى الفساد في حياتنا الاقتصادية والسياسية"؛ و"مشاركة عبء الضرائب وغيرها من الموجبات إزاء الحكومة بطريقة عادلة". ويبيّن هذا الأمر زيادة هامشية في مستوى استياء المجموعات الطائفية المرتفع أساسًا من الحكومة؛ ففي عام 2019، رأت نسبة 93 في المائة من السنّة و92 في المائة من المسيحيين أن الحكومة لا تبذل الكثير من الجهد لمعالجة المشاكل الاقتصادية، وفي عام 2018، وجدت نسبة 91 في المائة من السنّة والمسيحيين و83 في المائة من الدروز أن الحكومة لا تبذل الكثير من الجهد لمعالجة مسألة مشاركة الأعباء الضريبية. (ولوضع هذه الأرقام في إطارها الصحيح، أظهر استطلاع أُجري في الأردن في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 حول السؤال نفسه أنّ نصف المواطنين فقط يعكسون هذه الآراء نفسها).
وفي مجال مختلف، أي "حماية الحريات وخصوصية المواطنين الأفراد"، يُعتبر الاستطلاع الجديد الخاص بلبنان مثالًا صارخًا عن كيفية انقلاب الرأي العام على السلطات. ففي أوساط السنّة والمسيحيين والدروز، تعتبر نسبة 90 في المائة تقريبًا أن الحكومة لا تبذل الكثير من الجهد، في حين تتراجع هذه النسبة بين الشيعة إلى 77 في المائة. في المقابل، ولدى طرح السؤال نفسه عام 2018، ذكرت نسبة 45 في المائة فقط من السنّة و69 في المائة من المسيحيين و4 في المائة من الدروز و55 في المائة من الشيعة أن الحكومة لا تبذل الكثير من الجهد.
فضلًا عن ذلك، يكاد الاختلاف بين الأجيال في إجابات المستطلعين أن يكون معدومًا، مع تشارك النسب نفسها تقريبًا من المستطلعين الذين هم فوق سنّ الثلاثين وما دون هذا العمر هذه الآراء السلبية، ناهيك عن عدم تجاوز نسبة المعترضين على "المظاهرات الحاشدة في الشوارع ضد الفساد" الثماني في المائة في أي مجموعة طائفية أو عمرية.
الصين في طليعة الشركاء المتصورين تليها روسيا فالولايات المتحدة
تتمثل نتيجة جديدة مثيرة للاهتمام صدرت عن هذا الاستطلاع في إجماع الطوائف على صعود الصين كشريك محتمل للبنان. وفي أوساط الطوائف الرئيسية الثلاث، تعتبر الأغلبيات الساحقة الآن أن العلاقات الجيدة مع الصين مهمة للبنان: 82 في المائة من الشيعة و73 في المائة من السنّة و60 في المائة من المسيحيين.
وفي ما يتعلق بالولايات المتحدة، فإن الأرقام الموازية أدنى بكثير. ففي أوساط شيعة لبنان، ترى نسبة 15 في المائة فقط أنه من المهم أن تكون للبنان علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، وهو أمر لا يدعو للاستغراب. لكن المفاجئ على نحو أكبر هو النسبة المتدنية بشكلٍ متواصل التي تتشارك هذا الرأي في أوساط الطائفتين الكبيرتين الأخريين من السنّة (42 في المائة) والمسيحيين (39 في المائة فقط)، ولا سيما بالنّظر إلى آرائهم بشأن روسيا. فنصف سنّة لبنان ومسيحييه يعتبرون أنه من المهم أن يكون لبلدهم علاقات جيّدة مع روسيا. وتمثل هذه النسبة زيادة ملموسة في أوساط السنّة منذ عام 2018، حين لم تتخطَ نسبة الذين يُولون العلاقات الجيدة مع روسيا أهميةً كبرى الـ 28 في المائة.
إضافة الى ذلك، ازداد دعم الدروز لهذا الرأي على نحوٍ ملحوظ؛ ففي عام 2018، اعتبرت نسبة 13 في المائة أن العلاقات الجيدة مع روسيا مهمة؛ لكن في عام 2021، قفزت هذه النسبة إلى 48 في المائة. أما في أوساط شيعة لبنان، فيسلك هذا المنحى اتجاهًا معاكسًا، حيث يعتبر ثلثا الشيعة الآن أنه من المهم أن تجمع بلادهم علاقات جيدة مع روسيا – في تراجع كبير منذ عام 2018 حين كانت النسبة المؤيدة لهذه المقولة كبيرة ووصلت إلى 92 في المائة. إن أسباب هذه الاتجاهات الطائفية المتفاوتة المتعلقة بروسيا ليست واضحة تمامًا؛ لكنها تعكس على الأرجح آراء متعارضة إزاء دعم موسكو غير الكامل للميليشيات الشيعية في سوريا المجاورة.
وتطال مشاعر مماثلة بعض المسائل الخاصة بالسياسة أيضًا. فأغلبية ساحقة من الشيعة والسنّة والمسيحيين تتفق على أن انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان هو ميزة إضافية للمنطقة. فخمس الأفراد فقط من أي من هذه المجموعات الثلاث يرى أن "إبقاء الحكومة الأمريكية حوالي مئة مستشار عسكري في العراق" قد يُحدث أثرًا إيجابيًا. في المقابل، ترى أغلبية ساحقة ضمن هذه المجموعات الثلاث أن "زيادة الاستثمارات الصينية في العديد من الدول العربية" قد تُحدث أثرًا إيجابيًا: الشيعة (79 في المائة)؛ السنّة (60 في المائة) والمسيحيون (57 في المائة). أما بالنسبة لـ"زيادة مبيعات الأسلحة الروسية إلى العديد من الدول العربية"، فالصورة متباينة على نحو أكبر. ففي حين تنظر أغلبية شيعة لبنان (57 في المائة) إلى هذه الخطوة باستحسان، توافق نسبة أقل بكثير من السنّة (33 في المائة) أو المسيحيين (41 في المائة) على ذلك. وهنا أيضًا، ينبع هذا الانقسام الطائفي على الأرجح من المواقف المتفاوتة إزاء الدعم الروسي لكلّ من "حزب الله" اللبناني ونظام الأسد في سوريا.
وتتباين الصورة أيضًا حول سؤال قابل صراحةً للمقارنة في هذا الموضوع. فقد سُئل المستطلعون عن هذه المقولة: "لم يعد بإمكان بلدنا الاعتماد على الولايات المتحدة هذه الأيام، وعلينا بالتالي أن نتطلع أكثر فأكثر إلى روسيا أو الصين لتكونا شريكتين". وقد حظيت هذه المقولة بموافقة نسبة 83 في المائة من الشيعة. ولكن في أوساط الطائفتين الكبيرتين الأخريين، أتت النسب ذات الصلة ما دون النصف: السنّة (46 في المائة) والمسيحيون (4 في المائة).
لا يزال الانقسام الطائفي الكبير حول إيران قائمًا
في تناقض صارخ، لا تزال آراء المجتمعات الطائفية في لبنان تختلف بشكل أكبر بكثير حول مسألة رئيسية أخرى أجنبية ومحلية على السواء، وهي العلاقات مع إيران وحلفائها في المنطقة. ففي أوساط شيعة لبنان، يعتقد 77 في المائة أنه "من المهم للغاية" إقامة علاقات جيدة مع إيران؛ ولكن في أوساط السنّة أو المسيحيين أو الدروز، تنحدر هذه النسبة إلى رقم واحد. وعلى نحو مماثل، عند السؤال عن انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسًا جديدًا لإيران خلال الصيف الماضي، اعتبر ثلاثة أرباع شيعة لبنان أنه سيكون لهذه الخطوة أثر "إيجابي بعض الشيء" على الأقل على المنطقة. ولكن في أوساط الطوائف الأخرى في لبنان، بالكاد تخطت النسبة العشرة في المائة.
وعلى نحو متساوٍ، ينبثق انقسام طائفي ومثير للاهتمام في المواقف إزاء سؤال ذي صلة، ولكن أكثر استفزازًا. فقد سُئل المستطلعون عن رأيهم بهذا الاقتراح: "حيث تتدخل إيران، تلحق الضرر بالعرب المحليين ولا تساعد الفلسطينيين". وأيّدت أغلبية كبيرة من السنّة والمسيحيين والدروز في لبنان (57-64 في المائة) هذا البيان. في المقابل، لم يوافق على هذا الاقتراح سوى 20 في المائة من الشيعة.
وفي ما يتعلق بالتقارب الإقليمي من إيران أو حلفائها، يتبيّن أنّ هذا الانقسام الطائفي أقلّ وضوحًا. فعند سؤالهم عن "الخطوات التي تقوم بها بعض الدول العربية لإحياء العلاقات مع [الرئيس السوري] بشار الأسد"، استحسن 81 في المائة من الشيعة هذه الخطوات، وأيدها ثلث المسيحيين – كما فعل نصف الأقلية الدرزية تقريبًا (46 في المائة)، علمًا بأنّ مجتمعهم كبير في الجانب السوري. غير أنه في أوساط السنّة، بالكاد وجد ربع المستطلعين (23 في المائة) أي آثار إيجابية من التقارب مع نظام الأسد.
في المقابل، يبرز إجماع طائفي أعلى في ما يتعلق بتقارب محتمل بين إيران والسعودية. فنصف سنّة ومسحيي لبنان تقريبًا (43 في المائة و48 في المائة على التوالي) يرون أن هذه الخطوة ستترك أثرًا إيجابيًا على المنطقة. وتوافق نسبة 79 في المائة من الشيعة على هذا الرأي، في حين تبلغ هذه النسبة 64 في المائة في أوساط الطائفة الدرزية.
ملاحظة حول المنهجية
استُخلصت هذه النتائج من مقابلات أجرتها وجهًا لوجه في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 شركة خدمات مهنية محلية غير سياسية بالكامل تتمتع بخبرة واسعة متخصصة في مثل هذه الأبحاث، مع عيّنة تمثيلية وطنية شملت ألف مواطن لبناني. فقد تمّ اختيار المستطلعين بحسب أساليب الأرجحية الجغرافية المعيارية الصارمة، بحيث يناهز هامش الخطأ الإحصائي للعيّنة الإجمالية ثلاثة في المائة تقريبًا لإجمالي العيّنة، ونحو 5 في المائة للعينات الشيعية والسنّية والمسيحية. (إنّ العيّنة الثانوية الأصغر بكثير من الدروز، التي تمّ اختيارها بما يتناسب مع أقليّتهم الصغيرة من إجمالي عدد السكان، محدودة لدرجة لا تسمح بعمليات تعميم صالحة إحصائيًا؛ لذا لا بدّ من اعتبار هذه النتائج دلالية وغير حاسمة).
وقد تمّ توفير ضوابط صارمة تتعلق بالجودة، وبروتوكولات السلامة الشاملة الخاصة بجائحة كوفيد-19، وضمانات السرية. وستكون التفاصيل الإضافية عن المنهجية، بما فيها تفاصيل الاستبيان الكامل والمعلومات الديمغرافية، وغيرها من المعلومات، متاحة عند الطلب.