- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
استطلاع رأى يشير إلى وجود حالة إحباط واسعة النطاق في لبنان واختلاف طائفي حول القوى العالمية
For the most recent polling data from Lebanon, see our November 2022 data here.
ينقسم الشيعة والسنة والمسيحيون اللبنانيون بشكل متزايد حول الولايات المتحدة، وروسيا تفضل روسيا الحفاظ على علاقتها مع الطوائف المختلفة، كما تحظى العلاقات مع إيران بأهمية كبيرة بين السنة.
في 15 أيار/مايو، وجّه الناخبون اللبنانيون رسالةً واضحة إلى "حزب الله" وحلفائه، أسفرت عن خسارة "حزب الله" أكثريته النيابية مقابل فوز حزب "القوات اللبنانية" المسيحي القومي بزعامة سمير جعجع بـ 17 مقعدًا. وحتى الآن، ليس واضحًا ما إذا كانت هذه النتيجة ستُترجم إلى تغيير جوهري في لبنان، لكنّ التصويت أكّد أن اللبنانيين سئموا من الوضع الراهن وأن الدعم الذي كان يحظى به "حزب الله" من حلفائه المسيحيين والدروز والناخبين السُّنة يتراجع. وانعكست نتائجٌ مماثلة في استطلاع للرأي أجرته شركة أبحاث استقصائية محلية مستقلة في شهر آذار/مارس 2022 بتكليف من معهد واشنطن. فقد كشف الاستطلاع عن انقسامات واضحة بين السُنة والشيعة، بالإضافة إلى إجماع ناشئ بين الطوائف على رداءة الوضع الداخلي في لبنان. وفيما تعاني البلاد من أزمات اقتصادية وسياسية تواصل التسبب بمعاناة إنسانية على نطاق واسع، ليس من المستغرب أن يتداخل الصراع الطائفي والآراء حول أهمية القوى الخارجية مع نتائج الانتخابات لتدل على رغبة الشعب في التغيير.
انقسام واضح بين السُنة والشيعة بشأن العلاقات مع روسيا والولايات المتحدة
لا تزال روسيا تخطف الأضواء العالمية منذ غزو أوكرانيا في 24 شباط/فبراير 2022. ولكن وفقًا لاستطلاع آذار/مارس 2022، لا يتوافق المواطنون اللبنانيون فعلاً حول دور روسيا في العالم وعلاقاتها ببلادهم.
فالتأييد الشيعي للعلاقات مع روسيا ارتفع بشكل كبير في غضون أربعة أشهر فقط، حيث قفزت نسبة الشيعة اللبنانيين الذين وصفوا هذه العلاقات بالمهمة من 69% في تشرين الثاني/نوفمبر 2021 إلى 91% في آذار/مارس 2022. وخلال الفترة نفسها، كشف اللبنانيون السُنة المستطلَعون عن انخفاض بسيط في هذا المقياس، حيث وصف 38% منهم العلاقات مع روسيا بالمهمة في آذار/مارس 2022، مقارنةً بـ 43% في تشرين الثاني/نوفمبر 2021. وعلى النحو نفسه، اعتبر 43% من اللبنانيين المسيحيين العلاقات مع روسيا مهمة في آذار/مارس 2022 مقارنة بـ 47% في تشرين الثاني/نوفمبر 2021.
عندما سأل استطلاع آذار/مارس الأخير عن أهمية القوى العالمية الأخرى ودورها، تجلّى الانقسام الطائفي على نطاق واسع. وبالنظر إلى الأرقام، يتبيّن الانقسام السني الشيعي بوضوح بشأن الأدوار التي يجب أن تلعبها روسيا والولايات المتحدة على الساحة العالمية، من جملة أمور أخرى.
وعند السؤال عن أكثر دولة مؤهلة لحمايتنا من الأعداء الخارجيين، أجاب 51% من السُنة أن هذه الدولة هي الولايات المتحدة وقال 14% إنها روسيا، في حين وقع خيار 58% من الشيعة على روسيا واختار 4% منهم فقط الولايات المتحدة. وكذلك، عند السؤال عن أكثر بلد يرغبون في زيارته أو الدراسة أو العمل فيه، اختار 65% من السنة الولايات المتحدة بينما اختار 10% فقط روسيا، واختار 51% من الشيعة روسيا وقال 11% فقط الولايات المتحدة. وعند السؤال عن الدولة التي يمكنها تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية في بلادنا أفضل من سواها، أجاب 49% من السنة إنها الولايات المتحدة مقابل 13% لروسيا، في حين قال 53% من الشيعة إنها روسيا مقابل 3% للولايات المتحدة.
وقد أبدى العديد من المسيحيين في هذه المسائل تفضيلات مشابهة لتفضيلات السُنة، حيث قالت نسبة 45% إن الولايات المتحدة هي أفضل دولة قادرة على حماية لبنان من الأعداء الخارجيين، في حين اعتبر 52% إن الولايات المتحدة ستكون الدولة الأكثر نفوذًا بعد عشر سنوات، وقال 53% إنهم يرغبون في زيارة الولايات المتحدة أو الدراسة والعمل فيها، فيما قال 39% إن الولايات المتحدة قادرة على تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية أفضل من سواها.
والجدير بالذكر هو أن النقطة الوحيدة التي لم يختر فيها غالبية الشيعة اللبنانيين روسيا باعتبارها الدولة الأنسب للعب أحد هذه الأدوار كانت ردًا على السؤال: "ما هي الدولة التي ستكون الأكثر نفوذًا في منطقتنا بعد عشر سنوات؟" فمن بين المستطلَعين الشيعة، أجاب 44% منهم بأنها الصين، وقال 37% روسيا، وقال 5% الولايات المتحدة. أما بين السنة، فكان الجواب هو الولايات المتحدة لدى 57%، في حين قال 28% بأنها ستكون الصين وقال 7% إنها روسيا.
فضلاً عن ذلك، انعكس الاختلاف الطائفي حول روسيا أيضًا في الإجابات على الأسئلة المتعلقة بالحرب في أوكرانيا. فقد قال 61% من الشيعة إن الأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا كانت إيجابية إلى حد ما أو إيجابية جدًا، مقارنة بـ 8% فقط من السنة و12% من المسيحيين. وعندما طُلب من المستطلَعين الرد على الطرح القائل إن "الأعمال العسكرية الروسية في أوكرانيا هي المسؤولة عن الارتفاع الأخير في أسعار المواد الغذائية هنا"، وافق 88% من السنة إلى حد ما أو بشدة، مقارنة بـ 57% من الشيعة. وفي هذا المقياس، كان رأي المسيحيين أقرب إلى رأي الشيعة، حيث وافق 62% منهم إلى حد ما أو بشدة على هذا الطرح.
ولربما يمكن تفسير هذه النتائج بناءً على الآراء المختلفة بشأن تحالفات روسيا ودورها في العالم. إذ يُنظر إلى روسيا على أنها شريك لمحور الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط التي تعارض الولايات المتحدة والغرب. ويتكون هذا المحور بالدرجة الكبرى من إيران ونظام الأسد و"حزب الله" اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية، على الرغم من أن العلاقات الفعلية التي تربط روسيا بكل واحدة من هذه الأطراف تختلف اختلافًا كبيرًا. وتردد تلك الأطراف موقف الكرملين حيث تصف الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه مناورة دفاعية ضد مطامع نظام عالمي مهيمن بقيادة الغرب. وقد تبنى "حزب الله" اللبناني هذا الخطاب كجانب جوهري من هويته. والأرجح أن هذه الديناميكيات تفسّر دعم الشيعة لروسيا والانقسام السني الشيعي بشأن أدوار الولايات المتحدة وروسيا.
العلاقات مع الولايات المتحدة تسجل نسبة تأييد متدنية، لكن شعبيتها تشهد زيادة طفيفة بين السُنة
أشارت أيضًا نتائج استطلاع آذار/مارس 2022 إلى وجود تباين طائفي بين المستطلَعين اللبنانيين بشأن دور الولايات المتحدة وعلاقاتها بلبنان. فقد كان مجموع اللبنانيين الذين يصنفون العلاقات مع الولايات المتحدة على أنها "مهمة" يناهز الـ 35% على مدى السنوات العديدة الماضية – وهي نسبة تقل كثيرًا عن رأي جميع المستطلَعين اللبنانيين بالصين وروسيا اللتين حافظتا على نسبة 65% و 55% على التوالي في هذا المقياس.
مع ذلك، يشير الاستطلاع الأخير إلى أن اللبنانيين الشيعة يصنفون العلاقات مع الولايات المتحدة على أنها غير مهمة أكثر فأكثر بينما يرى السنة أن العلاقات مع الولايات المتحدة ذات أهمية متزايدة. ففي استطلاع الرأي الذي أجري في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، احتلت الولايات المتحدة المرتبة الدنيا بين الطوائف الثلاث الرئيسية في لبنان من حيث أهمية العلاقات مع لبنان. ولكن في الاستطلاع الأخير، صنّف 55% من السُنة العلاقات مع الولايات المتحدة على أنها مهمة إلى حد ما أو مهمة جدًا – وهذه قفزة كبيرة من نسبة 42% المسجلة عام 2021 ونسبة 43% المسجلة عام 2019. وفي الاستطلاع الأخير أيضًا، جاءت روسيا في المرتبة الأخيرة (43%) بين السنة من حيث أهمية العلاقات معها مقارنةً بالولايات المتحدة والصين. لكن هذا المنحى كان معاكسًا بين الشيعة: ففي استطلاع آذار/مارس الأخير، صنّف 4% فقط من الشيعة العلاقات مع الولايات المتحدة على أنها مهمة إلى حد ما أو مهمة جدًا – ما يعكس انخفاضًا كبيرًا عن نسبة 15% عام 2021 و14% عام 2019. وكما سبق وذكرنا أعلاه، شهدت آراء الشيعة بشأن العلاقات مع روسيا ارتفاعًا ملحوظًا في الاستطلاع الأخير. أما رأي المسيحيين بالعلاقات مع الولايات المتحدة فبقي ثابتًا حيث اعتبرت نسبة 40% من هؤلاء المستطلَعين أن هذه العلاقات مهمة.
قد يكون الارتفاع في نسبة اللبنانيين السُنة الذين يعتبرون الولايات المتحدة شريكًا مهمًا، ناتجًا عن تراجع شعبية "حزب الله" وإيران بين هذه الفئة السكانية. فالعديد من السُنة يدركون أن إيران مكّنت "حزب الله" من التحلي بنفوذ كبير في لبنان، كما أنهم يعتبرون "حزب الله" جزءًا من النخبة السياسية التي تدير لبنان على الأرض وتحكم بقبضة من حديد وتعزز أجندة "المقاومة" لكنها لا تبذل جهدًا يُذكر لمساعدة الشعب اللبناني في معاناته المستمرة. والأرجح أن السُنة يعتبرون الولايات المتحدة بديلاً أكثر موثوقية عن إيران ووكيلها "حزب الله" نتيجةً لذلك. وبما أن الجيش اللبناني يعاني من نقص هائل في الإمدادات، لعل احتمال التمويل الأمريكي الرامي إلى تفعيل المؤسسة العسكرية يعدّ جاذبًا لدى شعب يشهد على الفشل المتواصل في مؤسساته الداخلية.
توافق بشأن بكين مع بعض التفاوت بين الطوائف
في ما يتعلق بالصين، يبدو التفاوت بين آراء السنة والشيعة أوضح. فقد اعتبر 68% من اللبنانيين الذين شملهم الاستطلاع عام 2022 بأن العلاقات مع الصين مهمة، وهي نسبة مشابهة لتلك المسجلة عام 2021. ولكن عند معاينة التقسيم بين الطوائف عن كثب، نرى أن شعبية الصين بين الشيعة آخذة في الارتفاع في حين أن شعبيتها بين السنة قوية ولكنها ثابتة. فقد بلغت نسبة الشيعة الذين اعتبروا العلاقات مع الصين مهمة 74% في تشرين الأول/أكتوبر 2017، و82% في تشرين الثاني/نوفمبر 2021، و91% في آذار/مارس 2022. وعام 2017، وصف 37% فقط من الشيعة هذه العلاقات بأنها "مهمة جدًا"، لكن هذه النسبة قفزت في الاستطلاع الأخير إلى 67%. وبالمقارنة، وصف 72% من السنة العلاقات مع الصين بأنها مهمة إلى حد ما أو مهمة جدًا، وهو رقم يساوي النسبة السنية المسجلة عام 2021.
من المرجح أن يكون هذا الاتجاه نابعًا من مكانة الصين المتعاظمة كطرف رئيسي في الشرق الأوسط، خصوصًا على صعيد الاستثمار والتجارة. ولعل النظرة بشأن علاقات الصين الوثيقة مع روسيا وإيران تبرر شعبية الصين الكبيرة بين الشيعة اللبنانيين، لا سيما في ضوء النتائج التي تظهر أيضًا ميل الشيعة إلى روسيا ونفورهم من الولايات المتحدة.
لا تزال الغالبية العظمى من اللبنانيين السنة والشيعة تعتبر أن العلاقات مع الصين مهمة، ولكن النسبة المؤيدة لهذا الطرح انخفضت بين المسيحيين في الاستطلاع الأخير، حيث وصف 49% منهم العلاقات مع الصين بالمهمة في آذار/مارس 2022، في حين كانت هذه النسبة تبلغ 60% قبل أربعة أشهر فقط. وعلى النحو نفسه، عند السؤال عن الألعاب الأولمبية في بكين، أعرب 38% من السنة والشيعة على حدٍ سواء عن موقف إيجابي منها، مقارنة بـ 30% فقط من المسيحيين.
الأولويات في سياسات القوى العظمى
كان التوافق ضئيلاً داخل الطوائف وفي ما بينها بشأن أولويات السياسة الخارجية لروسيا والصين والولايات المتحدة تجاه لبنان. فحين طُلب من المستطلَعين اختيار الجانب الأهم في سياسات روسيا تجاه لبنان، اختار عدد كبير من الشيعة إجابة "تزويد الجيش اللبناني بالأسلحة المتطورة"، واختار عدد كبير من السُنة وعدد أقل من المسيحيين "إظهار الاحترام لديننا وثقافتنا". وعند طرح السؤال نفسه عن الصين، اختار عدد كبير من الشيعة أيضًا توفير الأسلحة المتطورة لقواتنا المسلحة، بينما اختارت أكثرية أقل من السنة والمسيحيين مشاريع الاستثمار والتجارة والبناء. أما من ناحية الولايات المتحدة، فكان توافق الآراء بشأن هذه المسألة أوضح، حيث اختار نصف الشيعة إظهار الاحترام لديننا وثقافتنا كأهم أولوية في السياسات، واختارت غالبية السنة وأكثرية واضحة من المسيحيين تقديم الأسلحة المتطورة لقواتنا المسلحة.
العلاقات مع إيران
شهدت آراء اللبنانيين من كل الأطياف حول "أهمية" العلاقات مع القوى الخارجية نسبة ارتفاع مطرد، بغض النظر عن الديناميكيات الطائفية. وقد طال هذا الاتجاه أيضًا موضوع العلاقات مع إيران المسبّب للانقسام. والمفاجئ في استطلاع 2022 هو الارتفاع الكبير في نسبة التأييد السني للعلاقات مع إيران. فقد وصف 27% من السنُة العلاقات مع إيران بـأنها مهمة إلى حد ما أو مهمة جدًا – وهذه زيادة واضحة من نسبة 17% المسجلة عام 2021، و21% عام 2019، و15% عام 2018، و16% عام 2017. أما في صفوف الشيعة، فبقيت نسبة تأييد العلاقات مع إيران عالية، حيث قال 89% من الشيعة إن العلاقات مع إيران مهمة إلى حد ما أو مهمة جدًا. في الوقت نفسه، أعرب المسيحيون عن مواقف أكثر سلبيةً تجاه إيران، حيث اعتبر 21% منهم فقط في الاستطلاع الأخير أن العلاقات مهمة، ما يعكس انخفاضًا واضحًا من نسبة 26% المسجلة عام 2021، و33% عام 2019، و38% عام 2018.
غير أن الطرح الاستفزازي المتعمد "أينما تتدخل إيران، تضرّ السكان العرب ولا تساعد الفلسطينيين" لقي تأييد 67% من السنة و56% من المسيحيين، مقارنةً بـ 14% من الشيعة. وجدير بالذكر أن هذه النسبة ارتفعت عن نسبة 57% من السنة الذين وافقوا على هذا الطرح عام 2021. وتشير على الأرجح هذه النتيجة، مقرونةً بازدياد عدد السنة الذين اعتبروا العلاقات مع إيران مهمة، إلى أن إيران باتت تُعتبر أكثر فأكثر قوةً عظمى، بغض النظر عن الآراء اللبنانية حول أسلوب الحكم فيها وسياستها الخارجية ومساعدتها للفلسطينيين. ومن الممكن أنّ مكانة إيران كقوة إقليمية مهمة ترسخت بسبب هجماتها الأخيرة على أهداف في الإمارات والعراق وقدرتها على المماطلة في مفاوضات "خطة العمل الشاملة المشتركة" في فيينا. وربما تأتّت أيضًا هذه النتائج المتناقضة بظاهرها عن تدهور الوضع الداخلي في لبنان، بحيث أصبحت العلاقات مع القوى الخارجية تعتبر ذات أهمية متزايدة لتحسين الأزمة الجارية.