- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
اتحاد مغاربي متجدد قادر على مواجهة التهديدات المحدقة بشمال إفريقيا
بمناسبة ذكرى تأسيس اتحاد المغرب العربي، تعيد فكرة الاندماج المغاربي إلى الأذهان مجددا التساؤل عن حقيقة فشل هذا المشروع الاندماجي باعتباره تكتلا إقليميا وجغرافيا مكتمل الأركان ومنسجم الأبعاد، تتجاوز قاعدته البشرية 100 مليون نسمة من سكان الدول المغاربية. وبالتالي، كان لفشل مشروع الاندماج بعض الآثار التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المهمة على منطقة شمال إفريقيا.
وقد كان الهدف من تأسيس الاتحاد، هو تقوية وتعزيز أسس الاندماج الاقتصادي والتعاون العسكري والأمني وتنمية المجتمعات المغاربية، وحفظ السلم و تحقيق العدالة والمساواة وتحرير المبادلات وفتح الحدود في وجه مواطني هذه البلدان وتحرير الخدمات والسلع والمنتجات. ويذكر أن الاتحاد قد تبنى خطة خمسية تحتوي على عدة أهداف كان من بينها الوصول في مرحلة متقدمة إلى تطبيق اتفاقية الإعفاء الضريبي سنة 1995 وخلق سوق مغاربية مشتركة سنة 2000 وتطبيق نظام مشترك للأمن ومراقبة الحدود.
وعلى الرغم من هذه النوايا، تظل منطقة شمال إفريقيا من بين أكثر المناطق تمزقا في إفريقيا اليوم، في حين استطاعت بعض المنظمات والتجمعات الإفريقية أن تتوسع أفقيا وعموديا، بل وجذبت دول المغرب العربي للانضمام إليها كمنظمة الكوميسا (السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا) والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إكواس).
وقد أدى فشل وتجميد التعاون المغاربي المشترك في مختلف القطاعات المنتجة إلى خسارة دول المغرب العربي ما يزيد عن 7.5 بليون دولار سنويا، وخصوصا أن حجم المبادلات البينية بين الدول المغاربية لا يتجاوز 0.5 % من الحجم الإجمالي للصادرات والواردات لهذه البلدان.
كما واجه مشروع اتحاد دول المغرب العربي عدة تحديات أدت إلى فشله و تجميده وأصبح حبر على ورق، منها غياب الإرادة السياسية، والنزاعات السياسية الداخلية بين دول المغرب العربي، و ارتفاع مستوى الهاجس الأمني لدى دول المغرب العربي بعد تصاعد موجات الإرهاب والتطرف عقب ثورات الربيع العربي.
أضافة إلى ذلك، باتت الدول المغاربية تفضل التحالفات الخارجية مع دول إقليمية كبرى واشتغال هذه الأنظمة وفق أجندات متناقضة باعدت حلم الوحدة وكرست مفهوم السياسات المتعددة للدول المغاربية بطموحات متناقضة ومتصارعة في العديد من الملفات. وفى ظل تلك الظروف، استثمرت بعض القوى الإقليمية هذا الانقسام لصالحها، حيث وقع الاتحاد الأوربي العديد من اتفاقيات الشراكة مع دول المغرب العربي بشكل انفرادي سواء مع المغرب، والجزائر وتونس وموريتانيا، مستغلا البنية الانقسامية العميقة للمنطقة المغاربية واختلالاتها البنيوية لفرض مشروطتيه السياسية والاقتصادية وشروطه التفضيلية التي غالبا ما تتناقض مع مصالح هذه الدول في غياب مؤسسات موحدة بين دول المنطقة بإمكانها أن تحصل على اتفاقيات متوازنة ومتكافئة.
بالنسبة إلى غياب الإرادة السياسية، ساهم الخلاف السياسي المغربي-الجزائري حول قضية الصحراء بشكل مباشر في إضعاف فرص اندماج دول المغرب العربي، و وضع أخر مسمار في نعش الاتحاد المغاربي، حيث لم تتغلب الجزائر والمغرب على كل الخلافات السياسية بينهما وظلت التصريحات والاتهامات المتبادلة تشير إلى دور كل منهما في عرقلة مشروع الوحدة المغاربية، كتصريح وزير الخارجية الجزائري عبد القادر المساهل عام 2018 الذي وجه سهام النقد للمغرب باعتباره المسؤول عن عرقلة المشروع. في حين أشار العاهل المغربي في إحدى خطبه ضمن إحدى فعاليات منظمة الاتحاد الإفريقي عن وفاة اتحاد المغرب العربي، ليعود فيما بعد لتوجيه دعوة للجزائر لإنشاء ألية مشتركة للحوار يتم عبرها مناقشة الملفات والقضايا العالقة بين البلدين بهدف استئناف التعاون من داخل منظومة الاتحاد المغاربي، لكن هذه المبادرة لم تقابل بأي رد فعل من قبل المسؤولين في الجزائر.
إن ارتفاع المخاوف الأمنية وضعف التنسيق الأمني بين دول المغرب العربي، يعد أحد اهم الأسباب وراء إخفاق مشروع الاتحاد، فبعد أزيد من ست سنوات على ثورات الربيع العربي، تصاعدت دينامية الجماعات المسلحة ونشاطها المتنامي في منطقة شمال إفريقيا مستغلة هشاشة الحدود الليبية التي أصبحت بمثابة القاعدة الحاضنة للإرهاب والجماعات المتطرفة كتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي، وانتقال العمليات الإرهابية إلى الجزائر ومالي وتونس.
في هذا الصدد، دفع التخوف من عدوى الفوضى والإرهاب وانتقاله عبر الحدود، الدول الخمس الأعضاء في اتحاد المغرب العربي إلى تعزيز المراقبة الأمنية والعسكرية على الحدود المشتركة، مما ضاعف من عزلة هذه الدول إزاء بعضها البعض. كما أعلنت تونس قبل هذا التاريخ وبالتحديد في سنة 2016 عن مشروع لبناء سور على طول الحدود مع ليبيا لتمكينها من السيطرة ومراقبة تسلل المقاتلين والمهاجريين غير الشرعيين، والأسلحة والمخدرات إلى تونس. وفى عام 2017، خصصت الجزائر والمغرب إمكانيات ضخمة لمراقبة الحدود، أهمها تجهيز الحدود بالأسلاك الشائكة والأسيجة وكاميرات المراقبة. كما أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية في 2018 عن نيتها تمويل تجهيز الحدود التونسية ب 20 مليون دولار من نظام المراقبة بالكاميرات المتطورة تضاف إلى أنظمة المراقبة الألمانية. وأعلنت الجزائر بعدها بوقت قصير عن نيتها لبناء حدود من الرمال بينها وبين ليبيا وتونس.
وفى هذا الصدد ساهمت الاحتجاجات السياسية والاجتماعية التي تعرفها الجزائر والتي اندلعت في 22 شباط/فبراير من السنة الجارية، في مضاعفة عدم اليقين الأمني في المنطقة، حيث تخشى دول الجوار من ضعف استجابة النظام السياسي للاحتجاجات الشعبية، مما قد يسهم في تقويض الركائز الخاصة بالاستقرار الإقليمي الناجم عن وجود خلل حقيقي لدى النخبة الحاكمة التي كان أمامها فرصة كبيرة منذ وقت طويل للتخطيط لخلافة بوتفليقة بدل الزج به في عهدة خامسة تلقى رفضا كبيرا من قبل كلا من الجيش و المعارضة الجزائرية نتيجة مرض الرئيس. وتشير العديد من التقارير أن النظام الجزائري يجتاز مأزقا صعبا هو الأخطر منذ نهاية العشرية السوداء، وهو ما لا يبشر بالخير في إطار الجهود المبذولة لتحقيق الاندماج في المستقبل.
وفي غياب أي شكل من أشكال الاندماج المغاربي مع كل الهواجس والاحتياجات المتنامية لشعوب المنطقة للأمن والاستقرار وفرص العيش الكريم، يظل السؤال يطرح دائما عن إحياء اتحاد المغربي العربي كمسألة حتمية تفرض على الأنظمة السياسية التعاون لتحقيق الاستقرار والأمن أولا وعن مواكبة التحولات القيمية والمجتمعية التي تطالب بالتغيير والإصلاح وترفض السياسات الفوقية الجاهزة ثانيا. إن الاندماج المغاربي يبدأ بضرورة تجسير الهوة بين المغرب والجزائر واستغلال الفرص السانحة لتعزيز التعاون عوضا عن صيغة الصراع. كما ينبغي على المنطقة ككل أن تعمل على إدارة الحراك السياسي في الجزائر بكثير من الاتزان والتعقل. كما يجب العمل أيضا على إيجاد تسوية سياسية في ليبيا، بعدما أنهكتها الحرب الأهلية لعدة سنوات.
وهذا بالطبع يستدعي تظافر جهود حكومات هذه الدول لتبنى استراتيجية موحدة ومنسقة لمواجهة ظاهرة الإرهاب والتطرف، وتفادى سياسة الانغلاق والتقوقع التي لا تخدم بشكل فعال نظام الأمن الجماعي الذي كان الاتحاد المغاربي يستهدف تقويته. وإذا ما توافرت الإرادة السياسية، يمكن للاتحاد المغاربي أن يعمل على توفير الأمن الشمولي والمجتمعي بدل الاقتصار على المفهوم الضيق للأمن والانتقال إلى دعم السياسات الاقتصادية والاجتماعية من خلال توفير فرص عمل للشباب وفتح أفاق للاستثمار وإنعاش المبادلات التجارية البينية داخل منظومة السوق المغاربية المشتركة. ومن ثم، يجب معالجة تلك القضايا في جميع أنحاء المنطقة المغاربية، ويمكن لنموذج الاتحاد، إذا ما تم دعمه، أن يوفر حلولًا أكثر فعالية من أي حكومة بمفردها.