- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
أزمة إقليمية وتعاون إقليمي: الاستجابة الإسرائيلية لزلزال سوريا وتركيا
بعد وقوع الزلزال، ورغم الظروف السياسية الصعبة، كانت جهود الإغاثة الاسرائيلية الموجهة نحو كل من تركيا وسوريا متعددة الأوجه.
أدى الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا في السادس من شباط/فبراير إلى تدفق المساعدات الدولية إلى المناطق المنكوبة. لقد جاءت هذه الأزمة بالتزامن مع وضع سياسي معقد في إسرائيل اشتمل على احتجاجات داخلية مستمرة وتصاعد التوترات مع الفلسطينيين وحكومة مشكلة حديثًا تسعى إلى تحديد موقعها، ومع ذلك كانت منظمات المساعدة الإسرائيلية في طليعة الدول الأجنبية التي قدمت المساعدة في الميدان. وكما هو الحال أحيانًا في الشرق الأوسط، تشكل الأزمات فرصة للدول لإظهار جانب مختلف أو ربما لإظهار الوحدة.
وفي حين تؤدي إسرائيل منذ فترة طويلة دورًا نشطًا في أعمال الإغاثة الطارئة في حالات الكوارث في دول مختلفة حول العالم، تجدر الإشارة بشكل خاص إلى أربعة جوانب من الجهود التي تقوم بها حاليًا. أولاً، تتولى أعمال الإغاثة فرق رسمية من الجيش الإسرائيلي ومجموعة من المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية ذات الصلة التي تعمل بالتوازي. ثانيًا، تقيم بعض هذه المنظمات غير الحكومية شراكات فعالة مع منظمات تركية وعربية غير حكومية من دول إقليمية أخرى. ثالثًا، يلتزم الكثير من هذه المنظمات غير الحكومية بالاستمرار بتقديم المساعدة بعد فترة الإنقاذ والإغاثة الفورية لتيسير إعادة الإعمار على المدى الطويل. ورابعًا، عبّر إعلان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو العلني عن نية إسرائيل تسليم جزء من المساعدات الإنسانية الإسرائيلية داخل سوريا، منا أشار إلى حدوث تطور جديد في علاقتها مع جارتها الشمالية، على الرغم من رفض نظام الأسد لهذه المساعدة التي يتم بالتالي تقديمها من دون إعلان.
الاستجابة الإنسانية في تركيا
بناء على تجارب سابقة في بلدان مثل تركيا وهايتي والولايات المتحدة وقبرص ومؤخراً أوكرانيا، تم بسرعة نشر فرق البحث والإنقاذ الرسمية التابعة للجيش الإسرائيلي في مدينة كهرمان مرعش التركية لبدء العمليات بعد الزلزال بوقت قصير. وبذلك تمكن الجيش الإسرائيلي، من خلال العمل في ثلاثين موقعًا مدمرًا، من إنقاذ تسعة عشر شخصًا من تحت الأنقاض، بينهم طفل في عامه الثاني، ويرجع بعض الفضل في ذلك إلى استخدام كاميرا رادار متطورة يمكنها اكتشاف وجود الأشخاص وراء الجدران. تمثل هذه المهمة، المعروفة باسم "عملية غصن الزيتون"، عملية الإنقاذ والانتشال الثلاثين للجيش الإسرائيلي منذ العام 1982. ومن الجدير بالذكر أن الجيش الإسرائيلي كان قد نشر أيضًا في الأسبوع الذي أعقب الزلزال خمس عشرة طائرة شحن تابعة للقوات الجوية تحمل مئات الأطنان من المعدات و200 فرد إضافي لإنشاء مستشفى ميداني في تركيا.
إلا أن أكثر ما يلفت في الاستجابة الإسرائيلية هو جهود المجتمع المدني الإسرائيلي الذي نظم نفسه بسرعة وتعاون لأول مرة مع شركاء جدد في المنطقة. ويشير حشد هذه المجموعات إلى إطار محتمل للتعاون في المستقبل، لا سيمّا وأن أعمال إعادة البناء ستمتد إلى الأشهر المقبلة.
لقد استجابت المنظمات الإنسانية الإسرائيلية بسرعة للأزمة، سواء عن بُعد أو على الأرض، إذ تعمل ثلاث عشرة منظمة غير حكومية في مواقع مختلفة في جميع أنحاء تركيا، بما في ذلك غازي عنتاب وأنطاكيا وكيليس وأديامان وكهرمان مرعش. هذا وقد انضمت الفرق الإسرائيلية إلى الفرق التركية في أعمال إنقاذ الأرواح، وذلك بمساعدة الخطوط الجوية التركية التي قدمت شحنًا مجانيًا للمساعدات والتبرعات القادمة من إسرائيل.
وتنضم إلى هذه الجهود منظمة "يونايتد هاتسالا" التي أرسلت طائرة تحمل على متنها 25 فردًا من العاملين في الاستجابة لحالات الطوارئ وأكثر من عشرة أطنان من المعدات الإنسانية والطبية إلى تركيا. كما أرسلت منظمة "إسرائيد" فريقًا من المتخصصين في الصدمات إلى غازي عنتاب على متن رحلة "يونايتد هاتسالا" لتقديم أنظمة تنقية المياه. وتم إرسال الفريق الطبي والإغاثة من منظمة ناتان العالمية للإغاثة من الكوارث إلى منطقة أديامان. بالإضافة إلى ذلك، عملت منظمة "زاكا" الإسرائيلية المتخصصة في تعقب الأشلاء، جنبًا إلى جنب مع الجيش الإسرائيلي وأدت دورًا رئيسيًا في إنقاذ تسعة عشر شخصًا من تحت الأنقاض. كما يستعد الصليب الأحمر الإسرائيلي، أو نجمة داوود الحمراء، لإنشاء مستشفى ميداني مخصص لتقديم المساعدة الإنسانية والطبية الضرورية. وفي الإطار عينه، ساهمت منظمتا "لاتيت" و"سيد إسرائيل"، بقيادة نمرود أراد من مجلس الأعمال الإسرائيلي-التركي، بأكثر من 200 طن من المعدات التي نقلتها الخطوط الجوية التركية ووزعتها المنظمة الوطنية التركية للإغاثة في حالات الطوارئ.
ولا بدّ من ذكر أن فريق الاستجابة للكوارث التابع للجنة التوزيع المشتركة ومنظمة الإغاثة اليهودية العالمية يقدمان مساعدة فورية من خلال توفير خيم دافئة وملابس حرارية وحساء ساخن ووجبات طعام جاهزة، فضلاً عن الدعم الطبي للمحتاجين في تركيا وسوريا. كما أرسلت منظمة "سمارت إيد" في البداية وبالتعاون مع منظمة "لاتيت"، فريقًا من خمسة وعشرين خبيرًا في البحث والإنقاذ إلى غازي عنتاب مجهزين بمعدات متخصصة لإنقاذ المحاصرين تحت المباني المنهارة. لقد دخلت جهود الإغاثة الآن في المرحلة الثانية، حيث تخطط اسرائيل لإرسال فريق إغاثة آخر مع خمسين منصة من مواد النظافة والبطانيات والملابس الدافئة وغيرها من الضروريات. هذا بالإضافة إلى المبادرات التي يقوم بها المواطنون، مثل مبادرة "كيدار غروسمان، التي جمعت وأرسلت أكثر من 750 صندوقًا من الإمدادات لدعم المتضررين في تركيا وسوريا.
الاستجابة الإنسانية في سوريا
لا تزال سوريا، على خلاف تركيا، مصنفة كدولة معادية لإسرائيل. وفي السنوات الأخيرة، تمثل التفاعل الرسمي الرئيسي بين إسرائيل وسوريا بقصف أهداف إيرانية. ولكن سرعان ما أعلن رئيس الوزراء نتنياهو، على الرغم من ذلك، عن نية إسرائيل تقديم مساعدات إنسانية لسوريا في أعقاب الزلزال استجابة لطلب قدم عبر قناة رسمية نُسبت لاحقًا إلى روسيا. وعلى الرغم من رفض روسيا التعليق على الأمر، وعلى الرغم من رفض الرئيس السوري بشار الأسد للعرض، استمرت فرق الاستجابة الإسرائيلية في التحرك في سوريا.
اكتسبت المنظمات الإنسانية الإسرائيلية خبرة كبيرة في العمل في سوريا في السنوات الأخيرة من خلال برنامج "حسن الجوار" الإسرائيلي، الذي وجد طرقًا مبتكرة لتقديم المساعدة على الأرض في السورية. ولا بد من ذكر هذا النهج نظرًا لغياب العلاقات الدبلوماسية والحاجة إلى العمل في الخفاء، غالبًا من خلال المنظمات غير الحكومية ذات التوجه المماثل التي لا تعمل تحت راية إسرائيلية. وبالنتيجة تمكنت الفرق الإسرائيلية من تقديم المساعدة للمحتاجين، مع مراعاة الحقائق الصعبة في سوريا والحفاظ على اتصال وثيق مع السوريين على الأرض.
نموذج جديد للعمل التعاوني
يُعتبر الزلازل المدمر التي ضرب سوريا وتركيا بمثابة تذكير بأنه لا يمكن دائمًا فصل منطقتنا عن طريق الحدود، أو الإثنية، أو العرق، أو أي ترسيم آخر. لقد أتاحت ضخامة هذه الكارثة لمجموعة من الشركاء من جميع أنحاء المنطقة توحيد صفوفهم لدعم شعبي سوريا وتركيا، ما أدى إلى إنشاء منظمة جديدة، هي "الشراكة لمساعدة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" (Partnership for MENA Aid)، بقيادة فريق مشترك من الإسرائيليين والأردنيين والفلسطينيين والسوريين وآخرين من دول الخليج، تهدف إلى تقديم الدعم الميداني في كلا البلدين.
تركز منظمة "الشراكة لمساعدة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا" حاليًا جهودها على دعم المبادرة المشتركة لمنظمة "هاتسالا" الإسرائيلية وجمعية العون الصحي الأردنية الدولية، مع فريق من الإسرائيليين والفلسطينيين والسوريين والأتراك والإماراتيين الذين يعملون معًا لجمع الأموال وجلب المعدات إلى سوريا وتركيا. ولا تركز الحملة على جمع التبرعات فحسب، بل أيضًا على جمع المعدات المستعملة المهمة. وفي هذا الإطار، قالت سارة عويدا، منسقة هذا العمل: "هذا هو الوقت بالتحديد الذي يجب أن نعمل فيه معًا، وأنا فخورة بالمساعدة وقيادة فريق من الشركاء والأصدقاء من جميع أنحاء المنطقة الذين يساندون بعضهم بعضًا".
على الرغم مما سمعناه من روايات مدهشة عن إنقاذ أشخاص بعد عشرة أيام من الزلزال، إلا أن جزءًا كبيرًا من أعمال البحث والإنقاذ قد توقف. ولكن بدأت للتو عملية التعافي وإعادة البناء في كلا البلدين، مع الإشارة إلى أن مئات الآلاف من الأشخاص لا يزالون حتى الآن بلا مأوى، ومن بينهم الكثير من اللاجئين الذين يعانون أصلًا وباتوا الآن يواجهون كارثة أخرى.
وفي حين تتلقى تركيا وسوريا مساعدات كبيرة بعد الزلزال مباشرة، فمن المحتمل أن يتحول انتباه العالم إلى مكان آخر قريبًا. ومع ذلك، فقد التزمت بعض المنظمات الإسرائيلية بمهام طويلة الأجل وتدرك أن المساعدة لا تزال مطلوبة، فهي تبقى في الميدان وتواصل أعمال التبرع. وهي تأمل الآن، بعد العلاقات الجديدة التي نشأت على أساس أعمال المساعدة هذه، ليس في تقديم المساعدة فحسب، ولكن أيضًا في إظهار نموذج نادر من الوحدة التي يمكن تكرارها في أوقات السلم كما في الأزمات.