- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
بعد استيلاء البرهان على السلطة: أين يسير التحول الديمقراطي في السودان؟
بعد ردود الفعل الدولية والشعبية العنيفة التي أثارها انقلاب البرهان، قد تتطلع المؤسسة العسكرية مرة أخرى إلى التعاون مع حمدوك لاستئناف التفاوض على اتفاقية لتقاسم السلطة.
في الخامس عشر من تشرين الأول/أكتوبر قام الجيش السوداني بالاستيلاء على السلطة، وقام بحل الحكومة الانتقالية بعد ساعات من اعتقال القوات لرئيس الوزراء عبدالله حمدوك. يأتي هذا الانقلاب الذي قوبل بإدانة شديدة من قبل الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ومؤخراً السعودية والإمارات، بعد أكثر من عامين من قيام المتظاهرين بالإطاحة بالرئيس عمر البشير، وقبل أسابيع فقط من موعد تسليم البرهان قيادة مجلس السيادة إلى أحد المدنيين. وردا على عملية الانقلاب تدفق الآلاف من السودانيين إلى الشوارع للاحتجاج، وفتحت القوات الأمنية النار على بعضهم، وقُتل ثلاثة محتجين، بحسب لجنة أطباء السودان ، التي قالت أيضا إن 80 شخصا أصيبوا. لم تقتصر حملات الاعتقال رئيس الوزراء وعدد من الوزراء فقط، بل تم امتدت لتشمل أيضا أعضاء من مجلس السيادة وقيادات حزبية وسياسية.
يمثل الانقلاب العسكري انتهاكا صارخا للوثيقة الدستورية التي تم الاتفاق عليها في 5 يوليو/تموز 2019 بعد الوساطة الأفريقية – الإثيوبية بين المجلس العسكري الانتقالي و"قوى إعلان الحرية والتغيير". ومع ذلك، يرى قائد الانقلاب الفريق أول عبد الفتاح البرهان أنه يقوم بتصحيح المسار الديموقراطي في السودان وأنه يحمل تفويضا ضمنيا لحماية مصالح الشعب والذي يقتضي أن يقوم بإنشاء حكومة شاملة تستوعب جميع فئات المجتمع السوداني كبديل لحكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك التي أصبحت حكومة أحزاب حسب رأيه.
مبررات البرهان
ارجع البرهان الانقلاب لفشل حكومة حمدوك في تكوين مجلس تشريعي ثوري حقيقي، وإلغاء مجلس شركاء الفترة الانتقالية، وإعادة هيكلة القوات النظامية، وإصلاح القضاء، وتشكيل المحكمة الدستورية". كما ادعى أن المطالب الثورية التي تهم المواطنين ضاعت وسط صراع السياسيين على السلطة، وأن هناك أن من يسعى للجلوس على الكراسي، وقال أيضا "لم نرى قوى سياسية تتحدث عن الانتخابات أو هموم المواطنين وحلّ مشاكلهم."
بالطبع لم يكن الانقلاب بمثابة مفاجأة للشارع السوداني وعدد من السياسيين والمتابعين للشأن السياسي، الذين كانوا يتوقعون هذه الخطوة وينتظرون حدوثها فكل الأيام التي سبقت انقلاب البرهان على حكومة حمدوك وقوى الحرية والتغيير الحاضنة الرئيسية للحكومة كانت مشتعلة، وعصفت التوترات بكل أقاليم السودان. ففي الغرب، لم يتحقق السلام المنشود، ودارفور مازالت ترزح تحت الأزمات الطائفية التي ما تلبث أن تشعل الإقليم بين الفينة والأخرى. أما شرق السودان فهو ليس أفضل حالا، فقد طالب عدد من قياداته بالانفصال عن السودان وتكوين حكومة البجة المستقلة وقد كان جاري التفاوض مع الحكومة للوصول لاتفاق. وكانت أيضا تصطدم بجدار مغلق. إضافة لمشاكل في منطقة الفشقة الحدودية مع أثيوبيا.
والخرطوم أصبحت ملتقى للحركات المسلحة لحين الانتهاء من الترتيبات الأمنية والتي لم يتم التوصل لاتفاق واضح حولها. وتتواجد هذه القوات بأسلحتها داخل العاصمة، وصارت العاصمة قنبلة موقوتة قد تنحدر لحرب أهلية في أقرب خلاف سياسي.. إضافة لذلك زاد تبادل الاتهامات بين السياسيين الوضع حدة، فمثلا أعلن نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو في يوم 22أيلول/سبتمبر إن أحد أسباب الانقلاب" هم السياسيون الذين أهملوا خدمة المواطنين ومشاكلهم". وفي نفس اليوم صرح البرهان قائلا "لم نرى قوى سياسية تتحدث عن الانتخابات، وهناك من يسعى للجلوس على الكراسي". وبعد مرور يومين على تلك التصريحات، قام عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان (المعتقل حاليا) باتهام البرهان والمكون العسكري، بمحاولة السيطرة على الأوضاع السياسية في البلاد. ومن الجدير بالذكر أن التاريخ السياسي السوداني مليء بانقلابات الجيش على الحكومات الانتقالية ولا يوجد نموذج مطمئن لصدق المؤسسة العسكرية السودانية.
دوافع الانقلاب
عملية الانقلاب الآن هي واقع ترفضه القوى السياسية والمجتمع الدولي، فالفريق البرهان الذي قام بهذا الانقلاب كان منطلقا من عدد من المحركات، أولها قرب انتهاء فترة رئاسة مجلس السيادة، فحسب الوثيقة الدستورية ستنتهي فترة الحكم في عام 2022 وبعد اتفاق السلام تم إضافة 14 شهر إضافي لتصبح الفترة حتى 2024. ومن الجدير بالذكر أن الفترة الانتقالية بتمديدها تم تمديد فترة رئاسة مجلس السيادة تلقائيا لتصبح فترة البرهان حتى شهر ديسمبر للبلاد وبموجب ذلك يجب نقلها للمكون المدني في مجلس السيادة.
أما العامل الثاني يتلخص في مصالح الدول الإقليمية التي يهمها وجود المكون العسكري "الأقوى والغير ديموقراطي" في السلطة والذي قد يكون مغذيا لهم ومساندا في الصراعات الإقليمية كما كان في حرب اليمن وليبيا وكما يتوقع منه في حال احتدام الوضع مع أثيوبيا. وبغض النظر عن الدعم الخارجي، فإن الاحتجاجات الواسعة التي انطلقت منذ انقلاب البرهان تشير إلى أنه يفتقر إلى الحاضنة السياسية الداخلية التي المطلوبة لدعم تحركاته.
سيناريوهات محتملة
في ظل هذا الوضع السياسي المتردي والغامض الذي يمثل تهديدا حقيقيا على الانتقال الديمقراطي في السودان، هناك سيناريوهات محتملة:
أولا: قد تمضي مآلات الأوضاع الحالية إلى ما يسعى إليه البرهان ومجموعته بإقامة انتخابات كما يريدها، وهو في سيناريو مشابه لسيناريو الانقلاب المصري في عام 2013، الذي مهد الطريق للسيسي للسيطرة على البلاد. ولكن هذا الأمر مستبعد وذلك بسبب رفض الشارع السوداني للانقلاب والرفض الأولى له من قبل المجتمع الدولي. وعلى خلاف السيناريو المصري، قد تقوم الولايات المتحدة، بفرض عقوبات تعيد البلاد إلى سنوات من المعاناة مع العقوبات الأمريكية لنحو 17 عاما.
ومن ناحية أخرى، قد يستغل حمدوك حالة الزخم الشعبي والغضب من تصرف البرهان لصالحه ويحول نفسه لقائد سياسي مستقل ويرجع للحكم بامتيازات أكبر وبقوة أكبر من الحرية والتغيير ومن المؤسسة العسكرية وهذا احتمال ممكن، ولكنه غير مرجح في هذه الفترة المليئة بالتحديات الداخلية والخارجية فالشارع السوداني على الرغم من وقوفه مع حمدوك إلا أنه يحتاج لحكومة مستقرة لتجاوز الأزمة الاقتصادية وقوية لينعم بعلاقات إقليمية صحية مع شركائه الإقليميين.
ثالثا: أن يرجع حمدوك للحكم بالاتفاق مع البرهان وهذا هو الاحتمال الأكبر، وهذا أيضا ما ذكره البرهان في تصريح أدلى به مساء الخميس ونقله التلفزيون السوداني، حيث قال "حمدوك هو أول المرشحين لمنصب رئيس الوزراء رغم تحفظه". فالبرهان خسر الرهان الأول وخسر فرصة أن يقنع الشارع السوداني والمجتمع الدولي بنواياه وليس من مصلحته أن يستمر في هذا الوضع الذي قد يحول السودان لساحة حرب أهلية. وبالنسبة لحمدوك فعودته متحدا مع الجيش بالطبع ستكون عن طريق تقديم تنازلات، ولكنها ستكون مسوغة لإعطائه سلطات أقوى في المستقبل فالعسكريين لديهم امتيازات كبيرة في السودان.
وفى ظل الامتيازات الاقتصادية والاستخباراتية والقوة التي يتمتع بها العسكريين دون السياسيين المدنيين، فمن المتوقع أن يستمر الجيش في ممارسة الضغوط للسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد حتى وان تعارض ذلك مع رغبة الشارع السوداني. ومن غير المرجح أن يتخلى الجيش السلطة وأن يضع زمام أمر مؤسساته تحت يد مكون مدني دون وجود ضمانات. وفى واقع الأمر، سيستمر الجيش في فرض هيمنته على البلاد، ما لم يتحول السودان الى نظام ديمقراطي قوي مبني على نظام اقتصادي متماسك.