- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
فرصة القاهرة لتغيير سياستها بشأن الحرب في أوكرانيا
تشكل الحرب الروسية على أوكرانيا تحديات كبيرة للمصالح الاقتصادية لمصر – لكن ينبغي على القاهرة أن تلجأ إلى شركائها الغربيين لتخفيف وطاءة هذه الآثار.
في الأول من مارس/ أذار الجاري، نشر موقع السفارة الأمريكية بالقاهرة، بيان صادر عن سفراء مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى بالقاهرة؛ بخصوص العدوان الروسي علي أوكرانيا بعنوان "سفراء مجموعة الدول السبع الصناعية: يتعين علينا أن نقف بجوار أوكرانيا"، يطالب القاهرة بالانحياز إلي الشرعية الدولية؛ القائمة علي مبادئ الأمم المتحدة، وتقديم إدانة [واضحة] للعدوان الروسي علي أوكرانيا، وذكر البيان القاهرة، بأنها ليست بعيدة عن الضرر الناجم عن ذلك الاعتداء الروسي علي أوكرانيا، لأن أثار ذلك العدوان ستتخطى أوروبا وستصل إلي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بما في ذلك مصر.
في اليوم التالي، صوتت مصر في الجلسة الطارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي عقدت لأول مرة منذ ٤٠ عام، لصالح القرار الأممي الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا. ومن الواضح أن التصويت المصري على البيان جاء كإشارة واضحة من مصر أنها فهمت الرسالة التي يحتويها البيان.
الآن، ينبغي على القاهرة أن تقرر ما إذا كانت ستستمر في إظهار رفضها للعدوان الروسي على أوكرانيا، ففي البداية، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بيانًا باهتًا يناقش أهمية الدبلوماسية ولغة الحوار. ومن الجدير بالذكر أن مصر حظيت باهتمام خاص من قبل مجموعة الدول السبع الكبرى لما لها من خصوصية كدولة مؤثرة في منطقة الشرق الأوسط، وبسبب محاولة روسيا التأثير عليها وتصوريها كداعمة لعدوانها على أوكرانيا، حيث يقوم المسؤولون والمصادر الإعلامية الروسية بنشر أخبار كاذبة حول سياسة روسيا، مستخدمين لغة تزعم أن مصر حليف روسي سابق وحاضر في المنطقة.
شهدت العلاقات الروسية-المصرية تطورا كبيرا منذ وصول السيسي للحكم عقب الإطاحة بجماعة الإخوان المسلمين في ٢٠١٣، حيث حصل السيسي على دعم سياسي قاطع من بوتين، في وقت كانت فيه العلاقات بين مصر والغرب بقيادة واشنطن مضطربة. فروسيا دولة لا تهتم بقضايا الحريات وحقوق الإنسان؛ في تعاملاتها مع مصر، وهذا يعد أمر مريح بالنسبة لنظام السيسي. وهو الأمر الذي حاول بوتين بكافة السبل استغلاله لتأسيس نفوذ روسي في مصر، وجعل مصر دول تدور في فلك روسيا مرة أخري، على غرار الوضع الذي كان موجود أيام الاتحاد السوفيتي.
وفى هذا السياق، ساعدت تلك العلاقات في تفسير موقف القاهرة الرسمي الضعيف تجاه الهجوم الروسي على أوكرانيا، حيث يجب الأخذ في الاعتبار أن الموقف المصري الملتبس من الحملة العسكرية الروسية الوحشية على أوكرانيا قد تشكل نتيجة حزمة من المخاوف تتعلق بالتأثير المتوقع الذي يمكن أن تحدثه روسيا على الاستقرار الاقتصادي للبلاد. وفي حين كانت تلك المخاوف لهما ما يبررها، فإن توفر المزيد من التطمينات من قبل مجموعة الدول السبع مقابل تعديل السياسة المصرية، يمكن بدوره أن يخفف من الضغط الذي يمكن أن تمارسه روسيا على الاقتصاد المصري. ومن ثم، يمكن أن يسمح ذلك للقاهرة بالانحياز علنا إلى حلفائها الاستراتيجيين في هذا الصراع الذي تقف فيه روسيا موقف المعتدي.
معالجة مخاوف القاهرة
تعد مصر واحدة من أكبر الدول المستهلكة والمستوردة للقمح في العالم، وهو أهم سلعة استراتيجية في البلاد. لذلك، تقوم الدولة بإدارة قضية القمح بحساسية مفرطة لما له من تأثير مباشر على استقرار النظام. فمن إجمالي 13 مليون طن من القمح استوردتها مصر خلال عام السوق 2020-2021، كانت روسيا أكبر مورد للبلاد حيث وردت 7.56 مليون طن، تليها أوكرانيا بـ 1.9 مليون طن، في حين كانت واردات القمح من الاتحاد الأوروبي أقل من 400000 طن. ومن المتوقع أن يستمر استهلاك القمح في مصر في الارتفاع نتيجة النمو السكاني. وطبقا لتصريحات رئيس الوزراء المصري مصطفي مدبولي، أن الاحتياطي الاستراتيجي المصري من القمح حاليا يكفي 4 شهور ونصف الشهر، والكميات التي سيوردها المزارعون المحليون خلال هذه المدة ستجعل المخزون كافيا حتى نهاية العام الجاري.
وبالفعل بدأت مصر البحث عن البدائل لاستيراد القمح، فطبقاً ل نادر نور الدين المستشار السابق لوزير التموين، بدأت الحكومة المصرية التوجيه باستيراد القمح بكميات متساوية من الولايات المتحدة وفرنسا وكندا وأستراليا، وكازاخستان، والبرازيل، ورومانيا. لذلك، فإن معالجة فجوة واردات القمح في مصر يعد أمرًا حيويًا لضمان شعور النظام بالأمان الكافي وهو ما يمكنه من اتخاذ موقف أكثر جرأة.
تعتمد مصر أيضًا بشكل كبير على السياحية الوافدة من روسيا وأوكرانيا لتعزيز اقتصادها، حيث يشكل السياح من البلدين حوالي ثلث إجمالي الزوار السنويين، ولطالما كانت السياحة الروسية لمصر، أحد أوراق الضغط التي تستخدمها روسيا ضد مصر، فبعد حادث تفجير الطائرة الروسية فوق شبه جزيرة سيناء في ٢٠١٥، قامت روسيا بكثير من الإجراءات العقابية ضد مصر في مجال السياحة، مما سبب ضرر وخسائر بالغة لهذا القطاع والعاملين فيه، وهو ما يشير إلى أن روسيا مستعدة لوضع قيود على السياحة الروسية في مصر مقابل تغيير في السياسات والمواقف.
من ناحية أخرى، أكدت فترة حظر السياحة الروسية إلى مصر على أهمية السياحة الأوكرانية أيضا، فمع بداية جائحة كورنا في عام 2020 أعلنت السفارة الأوكرانية لدى القاهرة أن أكثر من 727 ألف أوكراني زاروا مصر بهدف السياحة، مما يشكل 21 %من مجموع السياح الأجانب الذين توافدوا على البلاد خلال العام. وفقا لنائب وزير السياحة والآثار غادة شلبي، تجاوزت عائدات السياحة 13 مليار دولار أمريكي عام 2021، لتعود إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، حيث تراجعت إيرادات السياحة بنحو 70% في العام السابق.
يقول وكيل وزارة السياحة السابق مجدي سليم، إن "السياحة الأوكرانية كان لها دور كبير في استمرار حركة السياحة في مصر في السنوات التي تلت توقف السياحة الروسية في عام 2015، وكانت الوجهة المفضلة للأوكرانيين". وهو ما أكده عاطف عبد اللطيف، عضو جمعيتي مستثمري مرسى علم وجنوب سيناء، بقوله "أن أوكرانيا تمثل سوقا مهما للسياحة الوافدة لمصر، خاصة لمدن البحر الأحمر ومرسى علم وجنوب سيناء، وكان لها دور كبير في إحداث حركة سياحية بمصر خلال السنوات الـ5 الماضية".
إن العدوان الروسي ضد أوكرانيا سيحرم مصر من كل هذه العائدات التي تساهم في الاقتصاد المصري بشكل فعال. وهو الأمر الذي يمكن التغلب بالعمل علي زيادة حصة مصر من السياح في الأسواق الأوروبية القريبة مثل ألمانيا، بريطانيا، إيطاليا، فرنسا و إسبانيا، وكذلك العمل على جذب المزيد من السياح؛ الباحثين عن سياحة بأسعار اقتصادية من دول شرق أوروبا، كبديل عملي للسائح الروسي المعروف عنه عدم إنفاقه للكثير من الأموال في مصر.
الأرقام لا تكذب أبداً
على الرغم من أن روسيا يمكن أن تهدد بالتأثير على هذه القطاعات الاقتصادية الرئيسية، فإن نظرة واسعة إلى الاقتصاد المصري تؤكد على الأهمية الأكبر للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كشركاء تجاريين بشكل عام. فطبقاً لصحيفة الأهرام الحكومية، بلغ حجم الاستثمارات الروسية في مصر حتى عام 2021، 8 مليار دولار، بينما وصلت التجارة الثنائية بين البلدين إلى 3.3 مليار دولار، من بينها 2.8 مليار دولار صادرات روسية لمصر و490 مليون دولار صادرات مصرية لروسيا.
وفى المقابل، قال الوزير المفوض ناصر حامد مدير إدارة الاتحاد الأوروبي بجهاز التمثيل التجاري "أن الاتحاد الأوروبي يعد الشريك الاقتصادي الأول لمصر حيث يستحوذ على 30% من حجم تجارة مصر الخارجية، وأن دول الاتحاد الأوروبي تستقبل نحو 26% من صادرات مصر، فيما يستحوذ على نحو 34% من إجمالي واردات مصر من العالم الخارجي، "ويضيف " أن قيمة التبادل التجاري بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي شاملة بريطانيا خلال العام الماضي سجلت نحو 26.4 مليار يورو، منها 7.2 مليار يورو صادرات مصرية بتراجع 21%، نتيجة تداعيات كورونا"، كما أن استثمارات الاتحاد الأوروبي في مصر تبلغ 16 مليار دولار، ويزيد هذا الرقم إذا تم إضافة الاستثمارات الأوروبية في مجالات الغاز والبترول.
وفى ما يتعلق بإسهامات الولايات المتجددة في الاقتصاد المصري، صرح السفير المصري في واشنطن معتز زهران، في حوار له بأن "العلاقات التجارية والاستثمارية مكون أصيل في العلاقات المصرية الأمريكية"، وقد وصل حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة ومصر في 2021 مبلغ 9.1 مليار دولار، بينما تصل حجم الاستثمارات الامريكية في مصر 21.8 مليار دولار، تغطي مختلف القطاعات الصناعية والخدمية والإنشائية والتمويلية والزراعية والسياحية والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، ناهيك عن المعونة العسكرية والاقتصادية التي تقدمها الولايات المتحدة سنوياً لمصر والبالغة 2.1 مليار دولار.
هذا بجانب أن غالبية القروض والمساعدات التي تحصل عليه مصر، مصدرها المؤسسات المالية الغربية، على رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي، وغيرها. حيث تمثل تلك المؤسسات بالإضافة للدول الغربية مثل ألمانيا وفرنسا، أبرز المقرضين/الدائنين لمصر. لذلك، ففي حين تعتبر قضية القمح والسياحة من القضايا الحساسة بشكل خاص، فمن الضروري أن تتمسك القاهرة بمصالحها الاقتصادية الأوسع.
التداعيات والتوصيات
بررت مصر موقفها المتخاذل من الغزو الروسي لأوكرانيا بسبب مخاوفها المتمثلة في القمح والسياحة والتجارة، وفى حال قيام القاهرة باتخاذ موقف متشدد تجاه روسيا، ستكون خلال الأسابيع المقبلة بحاجة ماسة إلى الدعم الغربي بشأن هذه القضايا. ومع ذلك، يمكن لمجموعة الدول السبع أن تخفف من وطاءة المخاوف المصرية إذا اختارت ذلك، خاصة وأن مصالح مصر في تلك القضايا لا تزال تميل نحو دول مجموعة السبع.
إضافة إلى ذلك، يجب على مصر أيضًا حين تتخذ خطواتها التالية أن تتذكر أنها بحاجة إلى دعم سياسي غربي في عدد من القضايا الحساسة، منها قضية المياه وسد النهضة. ففي مطلع هذا الشهر صرحت أنيت وايبر الممثل الخاص للاتحاد الأوروبي للقرن الأفريقي والبحر الأحمر، أثناء زيارتها لمصر بأن "الاتحاد الأوروبي سيزيد الاهتمام بـسد النهضة، بعد الحرب الروسية بسبب احتياجنا للطاقة" وأن الاتحاد الأوروبي سيبذل جهود كبيرة من أجل تسوية تلك الأزمة بشكل مرضي بين مصر و السودان وإثيوبيا، كما أنه سيقوم باستثمارات كبيرة في مجال الموانئ ومشاريع إدارة المياه. علاوة على ذلك، يمكن لمصر أن تلعب دورًا نشطًا في تلبية احتياجات أوروبا للطاقة وذلك بالشراكة مع إسرائيل، من خلال التعاون الثنائي القائم في مجال الطاقة.
وأخيرا، قد تؤدى إدانة مصر للعدوان الروسي على أوكرانيا إلى خلق تحديات قصيرة المدى لمصر، ومع ذلك، يجب التعامل مع البيان الصادر من الدول السبع كونه مبادرة وفرصة لمصر لتصحيح مسارها في ما يخص روسيا وعلاقاته بالغرب. كما يجب أن تكف مصر عن انتهاج المواقف الضبابية المتخاذلة تجاه العدوان الروسي على أوكرانيا، وإلا ستُفهم أنها تخاطر بفقدان الدعم الغربي في قضايا اقتصادية وسياسية أكثر حيوية.