- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
هاكان فيدان والدبلوماسية التركية الجديدة حيال العراق
أثناء صياغة السياسة التركية تجاه العراق، سيتعين على هاكان فيدان بصفته وزيرا للخارجية التعامل مع التغييرات العاجلة والتحديات الجديدة.
بعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الانتخابات العامة التي أجريت في البلاد في أيار / مايو الماضي، وفي ظل تعيين هاكان فيدان على رأس وزارة الخارجية، أصبحت السياسة الخارجية التركية في العراق لديها القدرة على التطور في اتجاه مختلف، فرغم التحولات المستمرة التي مر بها الدور التركي في العراق بعد عام 2003، أصبح الرئيس أردوغان هي المتحكم الرئيسي في عملية صنع القرار منذ عام 2017. علاوة على ذلك، يُشير تعيين اردوغان الأخير لفيدان - مدير مخابرات سابق وحليف مخلص لأردوغان - إلى استمرار هذا الوضع، لا سيما في ما يتعلق بالعراق.
خلال السنوات التي قاد فيها فيدان جهاز الاستخبارات، كان يشرف على قنوات التواصل الخلفية (الأكثر حساسية) مع مختلف الفاعلين الإقليميين والدوليين، كما لعب دوراً بارزاً في صياغة الجوانب الأمنية والاستخباراتية. وترتيب المصالحات مع الخصوم، بما في ذلك مصر والمملكة العربية السعودية. علاوة على ذلك، كان له دور بارز في الصراع التركي مع "حزب العمال الكردستاني، إذ تمكن من ملاحقة واستهداف العديد من قيادات الحزب في شمال العراق، وتحديداً في مناطق سنجار ومخمور والكوير.
وفي هذا السياق، يتمتع فيدان بصلات قوية مع الدوائر البيروقراطية في العراق حيث نجح في مد جسور التواصل مع الفعاليات والهياكل العراقية المتنوعة. وعلى وجه الخصوص، نجح فيدان في توثيق علاقاته مع القيادات السياسية "السُنية والكردية"، كما إنه يرتبط بعلاقات جيدة مع رئيس هيئة الحشد الشعبي فالح الفياض، والتقى به في إحدى زيارته السرية للعراق في أيلول / سبتمبر 2022، وهذا ما برز واضحاً في الدور الذي لعبه فيدان في بناء جسور التواصل خلال فترة تشكيل حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.
إن الخلفية الاستخبارية التي يتمتع بها فيدان، ومعرفته الجيدة بالشأن العراقي، ستجعل منه ورقة مهمة يتمكن من خلالها الرئيس أردوغان من إعادة التفكير في تدخل تركيا في عدد من القضايا المختلفة في العراق. ورغم أن تعيين فيدان قد شكل تحولا ملحوظا نحو سياسات أكثر تركيزًا على البعد الأمني بالنسبة لتركيا، إلا أنه سيتعين على الوزير الجديد أيضًا أن يوازن العلاقات السياسية لتركيا، والمصالح الاقتصادية، وإعادة تطبيع العلاقات الطاقوية، والمخاوف البيئية، والعمليات العسكرية في العراق. في الواقع، يأمل أردوغان على الأرجح أن يتمكن فيدان من تنويع شبكات العلاقات التركية في العراق واستئناف مفاوضات الطاقة مع الشركاء الرئيسيين مع العمل على كبح التهديد الذي يشكله حزب العمال الكردستاني والميليشيات الموالية لإيران التي تنشط في المناطق التي تمثل نقاط تدخل لتركيا.
وبلا شك، ستكون تلك المهمة شاقة بالنسبة لفيدان، إلا أن مشاركته في ملف العراق تتلخص أساسًا في هذه القضايا الرئيسية:
توسيع الانخراط السياسي / الأمني في شمال العراق
مقارنة بعلاقاتها مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في أربيل، كانت علاقة تركيا مع "الاتحاد الوطني الكردستاني" في السليمانية في شمال شرق العراق متوترة منذ فترة طويلة. وقد برز هذا الواقع في اعقاب هجوم الطائرات بدون طيار التركية في نيسان/ أبريل 2023 بالقرب من مطار السليمانية في معقل الاتحاد الوطني الكردستاني، والذي استهدف قافلة من القادة العسكريين تضمنت شخصيات بارزة في قوات سوريا الديمقراطية.
بعد الهجمات التي شهدها مطار السليمانية الدولي، قام نائب رئيس الاستخبارات الوطنية التركية، موتلو توكا، بزيارة السليمانية في محاولة واضحة لتهدئة الأوضاع مع الاتحاد الوطني الكردستاني. وقد شكلت تلك الزيارة تحولا رئيسيا في سياسة تركيا في شمال العراق، حيث بدأت تركيا على ما يبدو بادراك ضرورة عدم حصر علاقاتها مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني، حيث أدى الفتور بالعلاقة التي تربط تركيا بـ"الإتحاد الوطني الكردستاني” إلى نتائج عكسية على أنقرة، أبرزها توجه الأول، الذي أصبح أكثر جراءة في مناوراته، لتوثيق علاقاته مع إيران.
تأمل تركيا بأن توازن العلاقات بين " الحزب الديمقراطي الكردستاني " و" الاتحاد الوطني الكردستاني "وهو ما يمكن أن يكون بمثابة ثقلٍ موازنٍ لأنقرة حيال بغداد. ونتيجة لذلك، سيكون هدف فيدان على المدى الطويل هو منع تدهور الوضع في إقليم كردستان العراق، ومواجهة تهديدات حزب العمال الكردستاني في شمال العراق من خلال دعم التنسيق والتعاون مع "الإتحاد الوطني الكردستاني. ومع تعرض الحزب الديمقراطي الكردستاني لضغوطات متزايدة من جميع الجهات، خاصة بعد قرارات المحكمة الإتحادية، بعدم دستورية تمديد عمل برلمان إقليم كردستان العراق، سيكون دور تركيا كوسيط وعامل استقرار في المنطقة الكردية في العراق أكثر أهمية من أي وقت مضى.
مواجهة تحدي الفصائل الموالية لإيران
إن اعتماد الاتحاد الوطني الكردستاني المتزايد على إيران ليس وحده ما يثير قلق تركيا، فهناك أيضا الفصائل والمليشيات الرئيسية التي تسيطر عليها ايران، وتحديداً "كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق وكتائب سيد الشهداء وحشد الشبك وحركة بابليون" في مناطق سنجار وربيعة وسهل نينوى والحدود مع سوريا، والتي عرضت الوجود التركي لاستنزافات كبيرة، سواءً على مستوى الهجمات التي تتعرض لها القواعد التركية، وتحديداً قاعدة زليكان شمال شرق مدينة الموصل، أو القنصلية التركية في مركز مدينة الموصل، كماعرقلت العلاقات الوثيقة بين ايران وبين "وحدات مقاومة سنجار، الجهود التركية لإنهاء تهديدات حزب العمال الكردستاني عبر جبل قنديل.
ونتيجة لهذه المخاوف، وفي ضوء عجز الحكومة العراقية الواضح عن مواجهة هذه التهديدات، عملت تركيا على توسيع عملياتها العسكرية في شمال العراق في مطلع عام 2020. وفي هذا الإطار، يمكن القول بأنه مع وصول فيدان على رأس الخارجية التركية قد نشهد مقاربة تركية جديدة للتعامل مع هذه المعضلة، وذلك عبر استمرار العمليات العسكرية والاستخبارية ضد حزب العمال الكردستاني، وتنشيط الدبلوماسية الأمنية عبر مزيد من الانخراط مع بعض اللاعبين العراقيين الذين يعرفهم فيدان جيدًا، علاوة على دخوله في تفاهمات أمنية موسعة مع هيئة الحشد الشعبي، وبالشكل الذي يستهدف محاولة تفكيك العلاقة بين الفصائل الموالية لإيران وحزب العمال الكردستاني.
ضبط المعادلة السياسية في الوسط "السُني"
نجحت تركيا خلال الفترة الماضية في الحفاظ على التوازنات "السُنية – السُنية"، ودفع القوى "السُنية" للدخول في تحالف واحد في مرحلة ما بعد الانتخابات المبكرة في تشرين الأول / أكتوبر 2021، إذ نجحت تركيا وعبر لقاءات عدة برعاية فيدان عندما كان رئيساً للاستخبارات في إقناع كلا من زعيم "تحالف عزم" خميس الخنجر، و"حركة تقدم" برئاسة محمد الحلبوسي، إلى الاندماج ضمن "تحالف السيادة" أحد أطراف "ائتلاف إدارة الدولة".
تخشى تركيا الآن من إن أي انشطار في الخارطة "السُنية" سيُضعف دورها في العراق مستقبلاً، لذلك، فهي تنظر بترقب كبير للتحولات السياسية التي تمر بها الخارطة "السُنية" في الوقت الحاضر، لا سيما محاولات إقالة الحلبوسي من رئاسة مجلس النواب، وبروز شخصيان خطرة مدعوم من قبل الإطار التنسيقي تسعى لان تحل محل الحلبوسى في محاولة لاختراق الساحة السنية.
على الرغم من أن الحلبوسي لا يعتبر حليفا مقربا لأنقرة، إلا أن استقالته ستؤدي إلى إرباك السياسة التركية في العراق، وبالتالي ستكون الجهود المبذولة للحفاظ على جبهة سنية موحدة محور تركيز فيدان الرئيسي في الفترة المقبلة. بالإضافة إلى ذلك، سيسعى فيدان أيضا قبل الانتخابات المحلية المزمع إجراؤها في ديسمبر / كانون الأول 2023 إلى دعم هذه القوى السنية وتمكينها، إذ تنظر تركيا باهتمام كبير للاستثمار السياسي والاقتصادي في المحافظات "السُنية"، وهي رغبة لن تتمكن تركيا من تحقيقها بسهولة، دون وجود طرف سياسي عراقي يوفر لها هامش الدخول المريح لهذه المحافظات.
تأمين الزخم الاقتصادي
في ضوء الظروف الاقتصادية الداخلية الصعبة التي تمر بها تركيا، ستكون مناورة فيدان الاقتصادية في العراق أحد المكونات الأساسية في سياسته الخارجية. علاوة على ذلك، سيشكل أيضا " مشروع " طريق التنمية " الذي اقترحه رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، وهو مشروع ضخم لبناء بنية تحتية للنقل تربط جنوب العراق بالحدود التركية وأوروبا، محور العلاقات الاقتصادية العراقية التركية.
يعتمد المشروع الذي تقدر تكلفته بنحو 17 مليون دولار، بشكل أساسي على التعاون العراقي مع تركيا، وهو ما يستدعي مستوىً عالي من التنسيق بين البلدين، بما يشمل ربط شبكتي الطرق والسكك الحديدية بينهما والاشراف على العمليات المشتركة. وعلى الرغم من اعلان اردوغان عن دعم تركيا للمشروع خلال لقائه بالسوداني في اذار/مارس 2023، إلا أن فيدان سيكون لديه بعض النفوذ حين يتعلق الأمر بالمفاوضات المتعلقة بالمشروع، حيث من المتوقع أن تفرض تركيا اشتراطات أخرى تتعلق بالتهديد الأمني الذي يمثله حزب العمال الكردستاني، خاصة ان المشروع سيمتد عبر شمال العراق. ومن ثم، ومن خلال تحويل مناطق الصراع مع حزب العمال الكردستاني والفصائل الموالية مع إيران إلى مناطق تعاون اقتصادي، ستنجح تركيا في تحقيق عدة اهداف استراتيجية في أن واحد.
ستتوفر لدى فيدان أيضًا فرصة لتعزيز المصالح الاقتصادية لتركيا من خلال ربط أي جهود لتنفيذ مشروع طريق التنمية بزيادة الصادرات التركية إلى العراق، وهو ما سيساعد تركيا على توسيع شبكة علاقاتها الاقتصادية في العراق وخارجه، إلى جانب سهولة الوصول إلى الأسواق في دول الخليج.
وفي ما يتعلق بموضوع الطاقة، سيحاول فيدان الحصول على تنازلات واضحة من أربيل من أجل إعادة فتح خط الأنابيب "كركوك – جيهان" لتصدير النفط، الذي أغلقته منذ آذار / مارس 2023، بعد النزاع النفطي على التصدير بين أربيل وبغداد، وقرار محكمة باريس التجارية الذي طالب تركيا بتقديم تعويضات للعراق، بلغت قيمتها 1.4 مليار دولار، بسبب تصديرها لنفط الإقليم دون إذن وزارة النفط العراقية. تسبب إغلاق خط الأنابيب أيضا في انخفاض كبير في الصادرات النفطية العراقية، وهو ما سيدفع فيدان إلى محاولة استغلال هذا الواقع لاستئناف المفاوضات بشأن الشراكة الطاقوية بين العراق وتركيا.
على الرغم من أنه سيتعين على فيدان أن يوازن بين مجموعة متنوعة من العلاقات خلال صياغته للسياسة الخارجية التركية في العراق، فإن تعيينه يشير إلى أن أردوغان يعتزم وضع المصالح الوطنية الأمنية والاقتصادية لتركيا في أولويات اهتمامه. بالطبع، ستواجه خريطة الطريق في العراق تحديات كبيرة لا سيما بالنظر إلى الطبيعة غير المتوقعة للمجال السياسي العراقي. لكن يبقى السؤال، هل ستتمكن سياسة فيدان في العراق من موازنة التطورات السياسية والاقتصادية والأمنية المتغيرة باستمرار، أم أنها ستتخلف عن الركب؟