- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
هجوم البوليساريو على مدينة السمارة: تصعيد مثير للقلق بالنسبة إلى المغرب
يشير الهجوم الأخير على مدينة السمارة إلى انحراف مثير للقلق عن معايير الصراع المحددة، إذ أن تبني جبهة "البوليساريو" استهداف المدنيين يثير مخاوف جمة من حدوث تحول نمطي في الصراع، كما أنه يشير إلى تصعيد الوضع الهش أساسًا في المنطقة.
تعرّضت مدينة السمارة في الأقاليم الجنوبية للمغرب في 29 تشرين الأول/أكتوبر لأربعة انفجارات أسفرت عن مقتل شاب وجرح ثلاثة آخرين، اثنان منهم في حالة حرجة. وطال التفجير ثلاثة أحياء سكنية في المدينة ولم يستهدف الهجوم أي قواعد أو مواقع عسكرية في المنطقة. وقد أعلنت جبهة "البوليساريو" عبر مكتبها الإعلامي مسؤوليتها عن الهجوم الذي برره ممثل الجبهة لدى الاتحاد الأوروبي بعد ذلك بالقول إن "المغرب أيضًا يستهدف المواطنين الصحراويين بالمسيّرات".
خلفية
يمتد الصراع بين المغرب وجبهة "البوليساريو" المدعومة من الجزائر في المنطقة المتنازع عليها المعروفة سابقًا بالصحراء الغربية على مراحل عدة. شهدت المرحلة الأولى من العام 1975 إلى العام 1991 حربًا مفتوحة ذهب ضحيتها أكثر من 3000 مدني، وأدت فيها إسبانيا دورًا عن طريق إثارة التوترات من خلال إيواء عدد من القادة السياسيين المرتبطين بجبهة "البوليساريو" في مدريد. وبعد ذلك، تم إبرام اتفاق وقف إطلاق نار بوساطة الأمم المتحدة في العام 1991 وأفضى إلى المرحلة الثانية التي امتدت من العام 1991 إلى العام 2020 و التي شهدت مفاوضات غير مثمرة وأزمة سياسية طويلة الأمد وتصاعدًا في التوترات، و على الرغم من ذلك لم تقع خلالها أعمال عدائية مهمة. أما المرحلة الثالثة الممتدة من العام 2020 إلى العام 2023، فشهدت اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية و شهدت ايضا خرقًا لوقف إطلاق النار من جانب جبهة "البوليساريو" إذ عرقلت حركة المرور التجارية في معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا. فشنّ المغرب عملية عسكرية في المنطقة العازلة، وهي قطاع يفصل بين المغرب وجبهة "البوليساريو" تم إنشاؤه في إطار اتفاق وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة في العام 1991 كمنطقة منزوعة السلاح للحد من مخاطر الأعمال العدائية المسلحة.
مغزى الهجمات
وقعت الهجمات على مدينة السمارة في ظل الحرب الحالية بين إسرائيل و"حماس" في غزة، ولذلك لم تحظَ باهتمام دولي كبير. إلا أن هذه الهجمات أحدثت هزّة في جميع أنحاء المغرب العربي، وأثارت مخاوف من اندلاع حرب أوسع نطاقًا، لا سيّما وأن انحراف جبهة "البوليساريو" عن قواعد الاشتباك السابقة، التي لم يتم بموجبها التعرض للمدنيين بأذى مباشر، قد غيّر الوضع الراهن. و لم يتضح السبب الذي دفع جبهة "البوليساريو" إلى استهداف المدنيين الذين تزعم أنها تمثلهم وتدافع عنهم. و قد يبدو أن الهجوم مرتبط بجلسات مجلس الأمن التي عقدت في 30 تشرين الأول/أكتوبر لمناقشة تجديد المهمة السنوية لبعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، لا سيما بعد أن أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خطة الحكم الذاتي المغربية ومساهماتها في حل النزاع. وتجدر الإشارة إلى أن جبهة "البوليساريو" ورعاتها الجزائريون تعرضوا لمجموعة من الانتكسات الدبلوماسية التي قد تكون قد دفعتها إلى التصعيد.
رد المغرب
من المرجح أن يرد المغرب بسرعة وحزم على الهجوم. ومن شبه المؤكد أن المملكة ستصب تركيزها أولًا على تعزيز المناطق المدنية المتاخمة لـ"المنطقة العازلة" مثل السمارة والمحبس، ربما من خلال إزالة المنطقة العازلة وتعزيز الوجود العسكري في المنطقة لمنع استهداف المناطق السكنية، فالصواريخ التي تم إطلاقها على السمارة أتت على الأرجح من داخل المنطقة العازلة نظرًا إلى مدى الصواريخ التي تمتلكها "البوليساريو"، وبالتالي فإن تمشيط المنطقة إلى جانب ترسيخ التواجد الفعلي سيؤديان في نهاية المطاف إلى ردع أي هجمات أخرى تستهدف المناطق السكنية القريبة من المنطقة.
ومن المرجح أيضًا أن يواصل المغرب اتباع سياسته المتمثلة في استهداف مقاتلي جبهة "البوليساريو" الذين يحاولون التسلل من موريتانيا والجزائر. وسيتمكن إذًا الجيش المغربي من احتواء هذه التهديدات إذا تعزز وجوده في المنطقة العازلة، مع العلم أن هذا النهج الاستباقي لن يشكل رادعًا للاعتداءات المحتملة فحسب، بل سيحسّن أيضًا قدرة المغرب على الرد بسرعة على الخروقات الأمنية والحدّ من المخاطر والتحديات المرتبطة بالتوغلات العابرة للحدود. ويجب أن تترافق هذه التدابير مع جهود من الجانب الموريتاني لإرساء الأمن في أراضيه وحماية الحدود التي يسهل اختراقها لمنع هذه الميليشيات من شنّ هجمات إرهابية على المغرب.
توصيات للمغرب
يشير الهجوم الأخير على مدينة السمارة إلى انحراف مثير للقلق عن معايير الصراع المحددة، إذ أن تبني جبهة "البوليساريو" استهداف المدنيين يثير مخاوف جمة من حدوث تحول نمطي في الصراع، كما أنه يشير إلى تصعيد الوضع الهش أساسًا في المنطقة. ولذلك تتطلب الاستجابة لهذه الأزمة اعتماد نهج متعدد الأوجه.
على الصعيد الدولي، يجب أن يستفيد المغرب من هذا التغيير الطارئ في قواعد الاشتباك الجديدة للحصول على إدانة دولية لاستهداف جبهة "البوليساريو" للمدنيين الأبرياء وكذلك الحفاظ على حقه في الرد على التهديدات الخارجية. ومن الجدير بالذكر أن القانون الدولي يفرض على الأطراف المتحاربة حماية المدنيين والامتناع عن استهدافهم بشكل مباشر، وهذا مبدأ تم انتهاكه بشكل صارخ في الهجوم على مدينة السمارة.
و تنص أيضًا المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة على أن الدول تتمتع بالحق الطبيعي في الدفاع عن نفسها إذا اعتدت عليها قوة مسلحة. وفي هذا السياق، للمغرب كل الحق في الرد على هذه التهديدات باستخدام جميع الوسائل الضرورية والمناسبة، بما في ذلك قواته المسلحة، لحماية سيادته وأمن مواطنيه. ويتعين على المغرب الاستمرار في الالتزام بالقانون الدولي في صراعه مع جبهة "البوليساريو" ويمكنه الاعتماد على قواته المسلحة المحترفة والمدربة تدريبًا جيدًا.
أما داخليًا فعلى المغرب إعطاء الأولوية للتدابير الأمنية لحماية مواطنيه وسلامة أراضيه، بما في ذلك إزالة المنطقة العازلة وترسيخ الوجود العسكري لمنع حدوث المزيد من الهجمات.
لا يخلو الأمر أيضًا من حدوث تداعيات إقليمية. فمن المحتمل أن تؤدي الهجمات الأخيرة ومعها اعتراف قادة "البوليساريو" إلى زيادة التوترات بين المغرب والجزائر، ما يثير بدوره مخاوف من حدوث مواجهة عسكرية حقيقية، لا سيّما في ظل العلاقات المتوترة بين البلدين. وقد تشهد الجزائر التي تأوي جبهة "البوليساريو" وتدعم مقاتليها المزيد من التوتر في علاقتها المتدهورة بشدة مع المغرب بسبب هذه التطورات الأخيرة.
تؤكد الأحداث الأخيرة الحاجة الملحة إلى قيام المجتمع الدولي بإدانة استهداف المدنيين والعمل على التوصل إلى حل سلمي. ويجب أن يشكل الهجوم تذكيرًا صارخًا بضرورة بذل جهود جماعية لمنع المزيد من التصعيد وضمان سلامة المنطقة واستقرارها.