- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
هل تستطيع سياسات اللاجئين التي تتبناها المعارضة التركية أن تُحسّن فعليًا أوضاع السوريين؟
قد يكون لدى المعارضة التركية فرصة لإعادة التفكير في سياسات اللاجئين السوريين مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية.
لم يتبقَّ سوى أقل من خمسة أسابيع لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية، التي يعتبرها الكثيرون الأكثر أهمية في تاريخ تركيا. ويقول المواطنون والمهاجرون على حدٍ سواء إن النتائج ستحدد كل شيء، ابتداءً من حل الأزمة الاقتصادية ووصولًا إلى تحديد استجابة لمرحلة ما بعد الزلزال. إلا أن الخروج الكلي من الوضع الراهن قد يتطلب التخلي عن سياسات الرئيس رجب طيب أردوغان التي حولت تركيا إلى أكبر بلد مضيف للّاجئين في العالم.
قد تشرف ربما مسيرة أردوغان كزعيم للبلاد منذ عشرين عامًا على نهايتها في شهر أيار/مايو القادم. فعلى الرغم من المواجهات الداخلية التي تشبه المسلسل التركي، رشّحت المعارضة السياسية من جهتها كمال قلجدار أوغلي من "حزب الشعب الجمهوري"، وتُظهر استطلاعات الرأي الرئاسية منذ نهاية شهر آذار/مارس أنه يتقدّم على أردوغان بنسبة 2.6 نقطة مئوية. كما أعلن "حزب الشعوب الديمقراطي" المؤيد للأكراد في البلاد أنه لن يطرح مرشحًا رئاسيًا، ما يوحّد أكثر فأكثر الجبهة المعارِضة لحُكم أردوغان الحالي.
شملت أهم أسباب تراجُع شعبية أردوغان قراراته المتعلقة بالهجرة التي كانت إنسانية في البداية، وأصبحت الآن استبدادية بشكل متزايد. فقد رحّب أردوغان أولًا بالسوريين الفارين من الحرب الأهلية في أوائل العقد الثاني من القرن الحالي، لكنه استخدم لاحقًا اللاجئين كوسيلة ضغط من أجل إبرام صفقة بقيمة 6.6 مليارات دولار مع الحكومات الأوروبية في عام 2016. وباختصار، سمحت الصفقة لتركيا بالحصول على تعويض مقابل استضافة المهاجرين الذين كانوا يحاولون الوصول إلى اليونان وحماية "الاتحاد الأوروبي". ومقابل كل سوري يُعاد إلى تركيا، كان من المفترض أن يُعيد "الاتحاد الأوروبي" توطين سوري آخر من تركيا. وكنتيجة لذلك، تستضيف تركيا الآن أكثر من أربعة ملايين لاجئ وطالب لجوء، أي أكثر من أي دولة أخرى في العالم.
لكن منذ بدء تدفق اللاجئين، تلاشى تدريجيًا موقف الجمهور التركي المرحّب بهم. فاليوم، تعاني تركيا من أزمة اقتصادية ومن فورة المشاعر المعادية للمهاجرين واشتداد العنف، ما يحوّل استضافة ملايين المهاجرين إلى قضية سياسية رئيسية في الانتخابات. وكان البعض يأمل أن يؤدي التدمير الهائل الذي تسبب به الزلزال الكارثي في 6 شباط/فبراير إلى توحيد المجتمعات المنقسمة في جنوب تركيا، لكن الجماعات اليمينية المتطرفة انتهزت على الفور الفرصة لنشر مزاعم ملفقة عن سوريين ينهبون المتاجر. وأفاد نازحون سوريون بأنهم طُردوا من الملاجئ المؤقتة بعد الزلزال من أجل إفساح المجال للأتراك النازحين.
في منتصف شهر آذار/مارس، تَوجّهَ قلجدار أوغلي إلى الحدود التركية السورية حيث أكد مجددًا على تَعَهُّده بإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم في غضون عامين بعد الانتخابات. كما قال إنه سيرسل الأفغان إلى إيران. وتتماشى هذه الوعود مع خطته السابقة، التي تضمنت تطبيع العلاقات مع الرئيس السوري بشار الأسد من أجل التعاون لعودة اللاجئين السوريين، ثم استخدام أموال "الاتحاد الأوروبي" غير الواعدة من أجل الدفع للمقاولين الأتراك مقابل بناء المنازل والمدارس والطرق في سوريا.
مع أن سياسات قلجدار أوغلي بشأن اللاجئين قد تستجيب للمطالب الشعبوية، لا يمكن اعتبارها سوى إهانة لسلامة السوريين وكرامتهم. ما زالت "الأمم المتحدة" تعتبر سوريا غير آمنة للعودة إليها، ويبدو أن أي سياسة منافية لذلك تتماشى مع المصلحة السياسية أكثر من القيم الإنسانية. ويجب أن تُثير وعود حملة قلجدار أوغلي العدوانية القلق لدى الحكومات الأوروبية التي تبدو في الوقت الحالي أكثر انشغالًا بمصالحها الضيقة، أي الاستعداد لموجات جديدة محتملة من الهجرة على حدودها. وعلى الرغم من أن الأوروبيين حاولوا الحفاظ على هدوء الوضع، ازداد بشكل مطّرد عدد المهاجرين الذين حاولوا الوصول إلى الحدود الأوروبية، وتَعيّنَ على الحكومات الرد بالمثل. ومع اقتراب الانتخابات، يزداد قلق السوريين والأفغان الذين يخشون في الأساس أن تتم إعادتهم عند هذه الحدود.
لكن على الرغم من بيئة من الخوف هذه، تدل بعض المؤشرات على اتباع نهج مختلف إزاء مشكلة اللاجئين في تركيا. فقد قالت جنان كفطانجي أوغلو، وهي الرئيسة الإقليمية لـ"حزب الشعب الجمهوري" في اسطنبول، ردًا على رئيس حزبها قلجدار أوغلي، إنه "مهما فعلتَ في بلدٍ دخل إليه عشرة ملايين أجنبي في القرن الحادي والعشرين... لا تشكل إعادة كل هؤلاء الأشخاص أمرًا واقعيًا ضمن إطار القانون العالمي". ومنذ ذلك الحين، نشر تحالُف المعارضة بيانًا سياسيًا يفيد بأنه سيحترم القوانين الدولية والوطنية في سياسته المتعلقة بالهجرة، كإشارة ضمنية إلى مبدأ عدم الإعادة القسرية. أما "حزب الشعوب الديمقراطي"، الذي يشكل عاملًا مهمًا في النجاح المحتمل للمعارضة في الانتخابات، فقد ابتعد إلى حدٍ كبيرٍ عن خيار استخدام قضية اللاجئين كسلاح، ودعا بدلًا من ذلك إلى مراعاة حقوق المهاجرين.
فيما لا تزال سوريا غير آمنة لعودة اللاجئين، يمكن ربما اعتبار حملة المعارضة بمثابة محاولة لإعادة التفاوض مع الشركاء الأوروبيين من أجل استئناف المناقشات المشحونة بشأن الهجرة وانتزاع تنازلات إضافية. فقد قال قلجدار أوغلي مثلًا هذا الأسبوع إنه سيُتيح للمواطنين الأتراك زيارة أوروبا بدون تأشيرة عندما يتولى منصبه.
على مدى العقد الماضي، شعر الأتراك في كثيرٍ من الأحيان بأنه جرى التخلي عنهم، إذا كان يُتوقَّع منهم أن يتعاملوا مع أزمة اللاجئين بمفردهم. وأوضح لي مستشار سياسي سابق كان يقدّم المشورة سابقًا لقلجدار أوغلي أن الاتفاقية السابقة مع "الاتحاد الأوروبي" حولت تركيا إلى "مخزن للّاجئين". وبين عامي 2014 و2022، أعيد توطين 57 ألف سوري فقط من تركيا في بلدان أخرى.
منذ إبرام الصفقة، هدد في البداية أردوغان أيضًا بترك الاتفاق وفتح الأبواب أمام السوريين من أجل التوجه إلى الغرب، وهي وسيلة ضغط أصبحت قائمة منذ زمن طويل وأدت إلى حدوث سلسلة من الممارسات غير الإنسانية على جانبَيْ الحدود. ولكن إذا فازت المعارضة، قد تعمل مع الأوروبيين لتبديل نهج المجموع الصفري المتّبَع حاليًا إزاء الهجرة. وبدلًا من ذلك، يمكن أن يحسّن الحوار العلاقات التركية الأوروبية عبر زيادة الحوافز المالية المقدَّمة إلى تركيا لاستضافة مجتمعات المهاجرين، ولكن أيضًا عبر الاستثمار في عوامل الجذب من أجل تعزيز الأمن في سوريا في نهاية المطاف من أجل عودة السوريين إليها.
علاوةً على ذلك، قد يدفع الحوار الدول الغربية إلى إعادة التأكيد على جهودها الرامية إلى إعادة توطين طالبي اللجوء، وأن يشجع تركيا على تبديل سياسة "الحماية المؤقتة" التي تركت مصير الملايين معلَّقًا، واختيار اعتماد أشكال بديلة طويلة الأمد من الإقامة والعمل الرسمي والاندماج. وسيكون ذلك بمثابة نعمة فورية بالنسبة إلى تركيا التي أصبحت بحاجة إلى مؤازرة الجميع في جهود إعادة الإعمار منذ وقوع الزلزال. كما أن ذلك سيهدّئ إلى حدٍ ما المواقف العامة التي تعتبر أن السوريين يسرقون الوظائف ولا يدفعون الضرائب.
في حين تفصل بضعة أسابيع فقط الأتراك عن موعد الانتخابات، يتبع الجميع نهج الانتظار والترقب، بما في ذلك عندما يتعلق الأمر بتسييس مجتمعات المهاجرين. إلا أن الانتخابات القادمة هي في الواقع الوقت المناسب للابتعاد عن اعتماد التدابير المؤقتة فحسب، والبدء بمناقشة سياسات يمكن أن تقدّم للّاجئين خيارات الاندماج المحلي أو إعادة التوطين أو العودة الطوعية. وبِغَضّ النظر عن نتيجة التصويت، لم يَعُد الوضع الراهن يشكل خيارًا.