- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
حرب المسيرات التركية تدمر البنية التحتية لـ"قسد" في شمال شرق سوريا وتحد من جهود مكافحة الإرهاب
إن من واجب المجتمع الدولي وحلفائنا في التحالف الدولي لمحاربة داعش، وقف العدوان التركي ومسيراته ومساعدتنا في معالجة ملف ما تم تدميره من منشآت وبنى تحتية خدمية ومرافق عامة.
في الفترة من 5 إلى 10 تشرين الأول/أكتوبر دمرت المسيّرات التركية مرافق خدمية ومنشآت حيوية تخص الشعب السوري في شمال شرقي سوريا، طاول قصفها مخازن وقود وآبار بترول وآخر للغاز ومجمعات غلال ومحطات مياه وكهرباء. وعلى مدار الشهر، استمرت الغارات المتقطعة بالمسيرات، في حين أعلنت أنقرة أنها تعتبر البنية التحتية أهدافًا مشروعة لعملياتها.
اعتبرت قوات سوريا الديمقراطية "قسد" أن ما قامت به تركيا يعد هجومًا على الإدارة التي طالما كافحت للقضاء على الإرهاب واسترداد الحكم في الأراضي التي دمرها تنظيم "داعش". إن حالة عدم الاستقرار التي شهدتها المنطقة نتيجة هجمات المسيرات هذه جعلت مهمة التحالف الدولي في سوريا أكثر صعوبة. وتذكرنا تلك الهجمات أيضًا بالتوغلات التركية السابقة التي أدت إلى تصاعد التوتر على الحدود.
إن من واجب المجتمع الدولي أن يعمل على وقف العمليات العسكرية التي تشنها تركيا ضد قسد أو الميليشيات السورية المتحالفة معها، حيث يشكل ذلك انتهاكا للاتفاقيات التي وقعتها أنقرة مع واشنطن وموسكو.
فور سماعنا أخبار استهداف وزارة الداخلية وتفجيرها من قبل أنقرة، والذي زعم حزب العمال الكردستاني مسؤوليته عنه، شعرنا بالقلق من أن تركيا قد تهاجم قسد في سوريا. ورغم رفضنا القاطع لاتهامات الحكومة التركية بأن منفذي الهجوم مروا من مناطقنا، إلّا أن سرعة قرار الحرب التركية يشير إلى أن أنقرة كانت تضمر نوايا مسبقة لمهاجمة مناطقنا.
بالنسبة لقسد، يأتي اختيار الأتراك لبنك الأهداف تبعاً لرغبتها في تحطيم تجربة الاستقرار في مناطقنا واعتمادنا على مواردنا لتسيير حياة السكان، والاهم من ذلك، تقويض تضحياتنا الكبيرة في محاربة إرهاب "داعش" رفقة شركائنا في التحالف الدولي.
من المعلوم أن تركيا تعاني مشكلة مزمنة مع مواطنيها الكرد، وهو شأن يخص مواطني الجمهورية التركية لإيجاد حل لهذه القضية. ومع ذلك، فإننا لا نقبل الإصرار التركي على أننا جزء من مشكلات دول الجوار أو أننا منخرطون في نزاعات خارج حدودنا.
بل على العكس من ذلك، سبق وأكدت قسد أنها تطمح في إقامة علاقات مع تركيا قائمة على مبدأ حسن الجوار، وأنها تنشد السلام والتعاون واحترام سيادة الأراضي السورية. ومع ذلك، استهدفت المسيرات التركية أكثر من 150 موقعًا وقتلت 47 شخصًا على الأقل حتى الآن.
شكل قصف محيط مخيم واشوكاني الذي يأوي آلاف النازحين عن مدينة رأس العين التي احتلتها تركيا في أكتوبر 2019 وشرّدت سكانها، أحد الهجمات التركية التي أثارت القلق بشكل خاص، حيث أدت إلى توقفت العديد من محطات المياه الحيوية عن الخدمة، بما في ذلك محطة مياه علوك، ومحطات تحويل عامودا والقامشلي الشمالية، والتي تزود مئات الآلاف من الأشخاص بالمياه.
لكن الفعل الأشد بربرية وقع يوم الإثنين الماضي حيث قامت مسيّرة تركية باستهداف أكاديمية قوى الأمن الداخلي (الأسايش) وأدت إلى استشهاد 29 فرداً من هذه القوات المدنية التي تسعى للحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها.
علاوة على ذلك، كانت الضربات التركية -الحالية والسابقة على حد سواء- قريبة من القواعد الأمريكية. وعلى أثر ذلك، قامت مقاتلة أمريكية من نوع إف-16 في الخامس من تشرين الأول/ أكتوبر، بإسقاط مسيرة تركية مسلحة أثناء تحليقها بالقرب من قاعدة للقوات الأمريكية العاملة في شمال شرق سوريا.
على الرغم من أن تحليق المسيرات بالقرب من القواعد الأمريكية لا يُشكل هجوماً متعمداً، إلا أنه يُعتبر سلوكاً استفزازياً. وفي محاولة أكثر استهدافًا في نيسان/أبريل الماضي، تعرّضنا لهجوم من مسيرات تركية بمطار السليمانية في كردستان العراق، آنذاك كنا في جولة عمل برفقة جنود أميركيين ننسق جهودنا في مجال مكافحة الإرهاب. وقد حدث هذا الهجوم رغم إبلاغ القيادة الأميركية الجانب التركي مخاطر تعرّض جنودها للخطر.
أدت حرب المسيّرات التركية إلى تعطيل الحياة في مناطقنا وتدمير بنيتها التحتية وتتسبب في قتل المدنيين. ومما يثير القلق بنفس القدر، أن تلك الهجمات أجبرت قسد على التركيز على معالجة تداعياتها، وهو ما صرف الانتباه بالضرورة بعيدًا عن التدابير المستمرة التي تتخذها قسد في حربها ضد تنظيم "داعش". كما ستوفر تلك الهجمات مساحة أكبر للتنظيم لإحياء نشاطه في المناطق التي تسيطر عليها قسد في المستقبل. ورغم تراجع الاهتمام الدولي الذي كان سمة من سمات المعارك السابقة ضد تنظيم "داعش"، إلا أن جهود مكافحته لا تزال مستمرة.
على سبيل المثال، باتت مدينة سريه كانيه المحتلة مخبأ لخلايا داعش الذين فروا من الحسكة عقب الهجوم على سجن الصناعة ولجأوا إلى المدينة. كما أننا نفّذنا بالاشتراك مع قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش العديد من العمليات التي استهدفت إلقاء القبض على عناصر داعش النشطة في المنطقة التي تحرسها المسيرات التركية.
إن من واجب المجتمع الدولي وحلفائنا في التحالف الدولي لمحاربة داعش، وقف العدوان التركي ومسيراته ومساعدتنا في معالجة ملف ما تم تدميره من منشآت وبنى تحتية خدمية ومرافق عامة، كما أن من واجبنا جميعاً التحوّط لحماية السجون والمخيمات التي تأوي عناصر وعوائل داعش، ومتابعة الجهود للقضاء على تصنيع وتجارة المخدرات والاتجار بالبشر وغيرها من المشاكل العابرة للحدود الوطنية في المنطقة. ومع توافر الدعم، سيكون، هناك فرصة دائمة لإحلال السلام.