منذ وفاة أول طاغية في تاريخ الكويت، مبارك، في 1915، حكم اثنان من أبنائه البلاد وهما جابر وسالم وذريتهما. واستمر هذا الانسجام في تبادل الأدوار بين فرعي جابر وسالم من العائلة الحاكمة لغاية 2006 عندما حكم سعد العبدالله، من آل سالم، الكويت لتسعة أيام وصوّت البرلمان على عزله عازيًا السبب إلى مشاكل صحية، ما أدى إلى تتويج الأمير الحالي، وهو من آل جابر. وشكل هذا على ما يبدو نهاية التناغم بين فرعي الجابر والسالم، وحصر الحكم بشكل أكبر ضمن فرع الجابر بسلاسة أحمد بن جابر، الطاغية الأكثر بطشًا بتاريخ الكويت. أما الحاكم الحالي للكويت صباح الأحمد (88 عامًا) الذي يعتبره كثيرون الحاكم القوي الأخير من آل صباح، قد عين أخاه غير الشقيق الشيخ نواف (80 عامًا) وليًا للعهد. ونواف ضعيف الشخصية وقد تدهورت حالته الصحية، وكما يتردد أنه غير راغب في الحكم. وقد أجج وجود عرش فارغ وشيك نزاعات محلية وإقليمية.
فالجبهة المحلية مرت بعدة مراحل ولا تزال متقلبة للغاية بحيث يصعب تحليلها بشكل مهني. لكنني سأحاول نقل لقطة عن الوضع الراهن، متجاهلًا، قدر المستطاع، المراحل السابقة. فالمرشح الأوفر حظًا ليكون ولي العهد القادم، سواء عندما يصبح نواف أميرًا أو عندما يتخلى عن منصبه كولي عهد "لأسباب صحية"، هو أخوه غير الشقيق الآخر مشعل (78 عامًا)، الابن الأصغر للطاغية أحمد. مشعل هو الخيار التقليدي للأسرة الحاكمة، التي لطالما فضلت انتخاب الخلفاء استنادًا إلى تسلسل السن والقرابة. وحاليًا، يبدو أن مشعل قد ضمن توافق معظم فروع الأسرة. وهو يتولى في الوقت الراهن منصب نائب رئيس الحرس الوطني. ومشعل صاحب إطلالات علنية قليلة جدًا، وهو لا يتمتع بدعم شعبي كبير. ويتصدر مشعل قائمة المرشحين استنادًا إلى توازن القوى الذي لا ناقة له فيه ولا جمل. وكان خضع قبل سنتين لعملية زرع كلية ويمكن تنحيته عن المركز الأول في أي وقت.
أما الشيخ الثاني الذي تكثر حظوظه فهو ناصر الصباح (70 عامًا)، نجل الأمير الحالي. ولا يبدو ناصر في عجلة من أمره، وهو يعتمد نهج من خطوتين لتولي الحكم بعد عمه مشعل. ويُعتبر ناصر جديدًا نسبيًا على الساحة العامة، الأمر الذي يصب في مصلحته، كما أنه لم يدخل في أي صراع سياسي سابق ويبدو أنه يتفق مع جميع الأطراف في الساحة السياسية. وقد استقبلته عامة الشعب بإيجابية عند ظهوره الأول كنائب لرئيس الحكومة ووزيرًا للدفاع في 11 كانون الأول/ديسمبر 2017، وهو أول منصب يتولاه في الحكومة. ويبدو أن غياب البدائل ورغبة الناس في زعامة "قائد" قد يبدل مصير البلاد إلى الأحسن ويكون محرضًا على التغيير يصبان في مصلحة ناصر.
ناصر المحمد (77 عامًا) هو رئيس وزراء سابق. وكان في ما مضى ثالثًا ضمن ترتيب ولاية العرش إنما تمّ استبعاده بسبب احتجاجات عامة على الفساد المستشري وعدم كفاءته. ورغم أنه ترك منصبه متضررًا بعدما شوهت سمعته، إلا أنه غادر أيضًا متمتعًا بقوة متجذرة وبثروة جمعها ويمكنه استخدامها لتحقيق عودة شبه مستحيلة إلى السلطة. ولا يزال المحمد يتحكم بالدوائر المقربة من الأمير، وأعلى المناصب القضائية، والكتل المهمة في البرلمان بما فيها رئيسه القوي، والعديد من وسائل الإعلام، وموارد مالية تكاد تكون غير منتهية. كما يحظى بدعم كبير في أوساط المواطنين الشيعة.
أما الشيخ الأخير الذي أود التحدث عنه فهو أحمد الفهد (54 عامًا). فهذا الرجل الذي كان "شابًا" قويًا أصبح الآن مجرد أطلال. فقد راهن بكل ما يملك على نزاع مع خصمه، الوحيد آنذاك، المحمد، لكن بدا أنه لم يملك الشجاعة الكافية لضغط الزناد باللحظة الحاسمة فخسر كل شيء. غير أنني لن أستبعده كليًا، بسبب ضعف خصومه على وجه خاص. فأحمد لا يزال يحظى ببعض التأييد في أوساط جماعات المعارضة القبلية والجماعات الإسلامية، رغم أن هذا الدعم ينحسر مع مرور الوقت.
من ناحية أخرى، فإن قراءة الجبهة الإقليمية أبسط بكثير. لا يبدو أن أحدًا يحب مشعل. فإيران تلتزم بدعم حليفها منذ زمن طويل ناصر المحمد. أما قطر، فستؤيد أحمد في الوقت الراهن، كما أن التحالف الجديد الخارج عن السيطرة والخطر بين السعودية/الإمارات يبدو أنه وضع رهانه على ناصر الصباح.
وقد شهدت هذه القصة مفارقة مثيرة أكثر للاهتمام ألا وهي استخدام ناصر المحمد نفوذه الكبير في القضاء لإحالة قضية بارزة لسبعين ناشطًا شاركوا في إزالته من منصبه عام 2011، إلى قاضٍ فاسد محدّد في محكمة الاستئناف. فهذا القاضي، علي الدريع الشيعي، تحرش جنسيًا بمحامية في مبنى المحكمة، لكن رئيس محكمة الاستئناف، محمد بن ناجي، طمس شكواها. وقام بن ناجي باستخدام نفوذه على الدريع ليرغمه على إصدار حكم قاسٍ للغاية بحق الناشطين، الأمر الذي يحقق غايتين. أولًا، سيستخدم الحكم كورقة مساومة للحصول على عفو لخلية "حزب الله" التي تمّت إدانتها مؤخرًا. وفي الواقع، طلب بعض النواب الشيعة الموالين لإيران عفو الأمير للجانبين بحجة تعزيز الجبهة الداخلية.
أما الهدف الثاني لهذا الحكم القضائي القاسي، فهو أنه من بين الناشطين السبعين، هناك 11 نائباً معارضاً سواء حالي أو سابق والعديد من أبرز قادة المعارضة الشبابية، ومن شأن سجن هذا العدد الكبير من قادة الرأي العام بهذه الطريقة المفاجئة أن يدخل البلاد في دوامة من الفوضى السياسية التي قد تعرقل السباق على الخلافة الذي يبدو أنه شبه محسوم، ما يمنح فريق المحمد مجالًا أوسع للخروج من الموقف البائس الذي يغرق فيه.
في الختام، إن هذه الحرب الباردة بين الشيوخ لن تنتهي قريبًا، وقد تختلف مشاهدها إلى حد كبير إن تم رصدها بفارق بضعة أشهر. وسيبقى الوضع في الكويت فوضويًا وربما عنيفًا إلى حين وفاة الأمير الحالي وتتويج الأمير القادم وتعيينه لولي عهده.