- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
حزب العمال الكردستاني في سنجار بؤرة صراع متعدد
تعمل إيران على تعزيز وخلق تواجد لمراكز قوى حليفة لها تنفذ سياساتها على امتداد الرقعة الجغرافية بين حدودها الغربية مع العراق وشواطئ البحر الأبيض المتوسط، كما تعمل على خلق بؤر شيعية طارئة في مناطق الغالبية العربية السُنّية عبر توظيف المجموعات الشيعية شبه العسكرية وقوى أخرى، من بينها حزب العمال الكردستاني، تلتقي على التخادم مع المصالح الإيرانية.
وفى عام 2014 سيطر تنظيم الدولة على مدينة سنجار التي كانت تحت سيطرة قوات البيشمركة قبل انسحابها في 3 أغسطس/آب 2014. ومع اقتراب تنظيم الدولة من مدينة سنجار، انسحبت قوات البيشمركة من المدينة وتركت سكانها عرضة للكثير من الانتهاكات الجسيمة على يد تنظيم الدولة، كما وثّقتها منظماتٌ دولية.
بادر مقاتلو حزب العمال الكردستاني لاستنقاذ الأيزيديين بنقل بعضهم إلى مخيمات في مناطق سيطرته داخل سوريا أو إلى المناطق الجبلية شمال سنجار.
لقد ترك انسحاب قوات البيشمركة من سنجار آثاراً واضحةً على ثقة الأيزيديين بقدرة قوات البيشمركة الكردية على حمايتهم؛ واستغل حزب العمال الكردستاني الفراغ الأمني ليُشكل قوة من متطوعي الأيزيدية، وهي قوة حماية شنكال (سنجار). كما استثمر حزب العمال الكردستاني واقع الانقسامات الداخلية في المجتمع الأيزيدي والفجوة بين قطاع واسع من الأيزيديين وكلٍّ من القسم العربي من العراق وإقليم كردستان. وبينما كان مقر حزب العمال الكردستاني يقع في جبال قنديل، وجد الحزب فرصة للسيطرة على سنجار، واستغل عدم رضا اليزيديين عن قوات البيشمركة.
أبرم الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني قبيل معركة استعادة الموصل في 17 أكتوبر/تشرين الأول 2016 إتفاقاً يقضي بتزويد مقاتلي الحزب بالأسلحة وتوزيعهم على فصائل الحشد الشعبي لقتال تنظيم الدولة. وتنسق قيادات الحشد الشعبي لقاءات شبه مستمرة بين قيادات في الحرس الثوري الإيراني وحزب العمال الكردستاني لبحث تقديم المساعدات العسكرية لتعزيز قوة مقاتلي الحزب بالتنسيق مع مقاتلي الحشد الشعبي لتأمين الطريق البري الرابط بين الحدود الغربية لإيران وسوريا عبر مدينة سنجار التابعة لمحافظة نينوى. ويتبنى حزب العمال الكردستاني المواقف الإيرانية والعراقية الرسمية وقيادات الحشد الشعبي في معارضة استقلال إقليم كردستان وضمّ قضاء سنجار إلى الإقليم ورفض إجراء استفتاء حول تقرير مصير إقليم كردستان.
يشكل موقف حزب العمال الكردستاني من استقلال الإقليم عاملا مضافا إلى عوامل أخرى من الخلافات بينهما واحتمالات دخوله كطرف من أطراف الصراع إلى جانب الحشد الشعبي في أيّ صراع مستقبلا بين البيشمركة الكردية والحشد الشعبي على الأراضي المُتنازع عليها. وفى منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2014، قامت قوات البيشمركة بالاستيلاء على قضاء سنجار وذلك بالتعاون مع حزب العمال الكردستاني. ومنذ ذلك الحين يرفض حزب العمال الكردستاني الانسحاب من المدينة استجابة لطلبات حكومة إقليم كردستان التي هي الأخرى ترفض تسليم سنجار لأية جهة وجعلها مستقبلا محافظة تابعة للإقليم. وتتهم قوات حماية شنكال (سنجار) المرتبطة بحزب العمال الكردستاني وحكومة إقليم كردستان بمحاولة "احتلال سنجار بالاتفاق مع الحكومة التركية"، فيما يرى الحزب الديمقراطي الكردستاني أن حزب العمال الكردستاني قوة دخيلة على منطقة سنجار.
ومع كل الخلافات بين حزب العمال الكردستاني والبيشمركة الكردية إلاّ أنّ حكومة إقليم كردستان تتجنب الدخول في مواجهات مباشرة مع حزب العمال الكردستاني الذي يتمتع مقاتليه بخبرة قتالية عالية، إضافة إلى القاعدة الجماهيرية للحزب لدى عموم الأكراد في بلدان الانتشار الأربعة (العراق وسوريا وتركيا وإيران). وللخروج من أزمة الثقة بين الأيزيديين وإقليم كردستان، أعلنت حكومة الإقليم تعهدها بحماية الأيزيديين وإعمار مناطقهم التي تضررت جراء سيطرة تنظيم الدولة على مدينة سنجار في 3 أغسطس/آب 2014 وحتى استعادتها في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2015؛ وتميزت لغة الخطاب الكردي بإطلاق تسمية "الأكراد الأيزيديين" على الأيزيديين واعتبارهم جزءاً من شعب كردستان.
لكن حزب العمال الكردستاني قد لا يفكر في الانسحاب من مناطق سنجار بأهميتها كمنطلق لتنفيذ عملياته داخل المدن التركية أو كامتداد جغرافي للتواصل مع مناطق سيطرته في شمال سوريا التي تخضع منذ أربع سنوات لنظام الإدارة الذاتية الديمقراطية الخاص به؛ كما أن منطقة سنجار تشكل نقطة ربط برية بين مقاتلي الحزب في سنجار وامتداتها إلى جبال قنديل المعقل الرئيسي للحزب والأجزاء التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب المرتبطة بالحزب في سوريا.
ولفك ارتباط الايزيديين عن حزب العمال الكردستاني سيكون من المهم إعطاء الأيزيديين شكلاً من أشكال الإدارة الذاتية لمناطقهم وتوفير الحماية لهم من هجمات محتملة قد يشنها تنظيم الدولة مستقبلاً انطلاقاً من مواقع صحراوية في شمال غربي الأنبار قريبة من سنجار من المرجح أنْ ينتقل إليها بعد الانتهاء من معركة استعادة الموصل. ومن أجل ضمان مستقبلهم في مرحلة ما بعد معركة استعادة الموصل، يرى قادة في المجتمع الأيزيدي ضرورة أنْ يتم استحداث محافظتين جديدتين تقتطع من محافظة نينوى الأولى في سهل نينوى للمسيحيين والأيزيديين والشبك وغيرهم، والثانية في سنجار خاصة بالأيزيديين.
كما سيكون من المفيد لطمأنه حزب العمال الكردستاني ضمان تدفق البضائع والسلع إلى مناطق سيطرته عن طريق فتح ممرات برية آمنة بين مناطق سيطرته في جبل قنديل ومدن إقليم كردستان وبغداد ومحافظة نينوى مقابل الانسحاب من سنجار التي يرى حزب العمال الكردستاني أن موقعها الجغرافي يؤمن لها طرق التجارة لتخفيف الضغوط التي تتعرض لها مناطق سيطرته في جبل قنديل حيث يقيم نظام حكم خاص به يفرضه على 658 قرية في إقليم كردستان العراق.
أما تركيا فهي تواجه تهديدا مزدوجا من حزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة في محافظة نينوى، ومع احتمالات انتهاء أي تواجد لمقاتلي التنظيم في مدن المحافظة فان تهديد حزب العمال الكردستاني سيظل قائما بشكل أكثر خطورة بعد توسع رقعة سيطرته من جبال قنديل إلى سنجار والمناطق المحيطة بها وصولا إلى مناطق سيطرته في شمال وشمال شرقي سوريا بمحاذاة الحدود التركية. كما يشكل الوجود الإيراني المتزايد من خلال التحالف المشترك مع الحشد الشعبي وحزب العمال الكردستاني تهديداً ثالثاً أكثر خطورةً على الأمن القومي والمصالح التركية في شمال العراق على المدى البعيد يضاف إلى التهديدين الأساسيين المتمثلان بحزب العمال الكردستاني وتنظيم الدولة.