- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
جذور الخلاف بين تركيا و"الاتحاد الوطني الكردستاني" في كردستان العراق
إن التوترات بين تركيا والاتحاد الوطني الكردستاني ليست جديدة، فقد أدت الإجراءات الأخيرة التي اتخذها كلا الجانبين إلى تفاقم الوضع، وذلك على الرغم من وجود مصالح اقتصادية مشتركة بينهما.
أغلقت تركيا مجالها الجوي أمام الطائرات التي تقلع من محافظة السليمانية في إقليم كردستان العراق وتهبط فيها، متذرّعةً بـ"تكثيف نشاط "حزب العمال الكردستاني"" في المدينة والمطار كسببٍ للإغلاق الذي من المتوقع أن يستمر حتى 3 تموز/يوليو. وبعد يومين من إغلاق مجالها الجوي، استهدفت غارة بطائرة بدون طيار نُفّذت في محيط مطار السليمانية موكبًا ضمّ قائد "قوات سوريا الديمقراطية" مظلوم كوباني وثلاثة عسكريين أمريكيين. على الرغم من أن تركيا التزمت الصمت في أعقاب هذه الغارة، تشير كل الدلائل إلى أن أنقرة هي المسؤولة.
تشير التحليلات في هذا الشأن إلى أن قرار إغلاق المجال الجوي والهجوم جاءا ردًّا من تركيا على الاتصالات المتزايدة مؤخرًا بين "الاتحاد الوطني الكردستاني"، الذي يتخذ السليمانية مقرًا له، و"قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة والتي يتكوّن جزءٌ كبيرٌ منها من "حزب الاتحاد الديمقراطي"، وهو الفرع السوري لـ"حزب العمال الكردستاني". فقد أدّت تفاعلات زعيم "الاتحاد الوطني الكردستاني" بافل طالباني مؤخرًا مع "قوات سوريا الديمقراطية" والتعليقات حول الأكراد في تركيا إلى توتّر العلاقات مع أنقرة التي تعتبرها كلها إشارات إلى أن "الاتحاد الوطني الكردستاني" يتقرّب من "حزب العمال الكردستاني". لذلك، يتعرّض "الاتحاد الوطني الكردستاني" الآن لضغوطٍ كبيرةٍ من جانب أنقرة، في ظلّ غياب أي أملٍ في التطبيع على المدى القريب.
هذا وتوتّرت العلاقات بين الطرفين منذ وفاة زعيم "الاتحاد الوطني الكردستاني" السابق جلال طالباني عام 2017. فعندما اختطف "حزب العمال الكردستاني" وكيلين للمخابرات التركية في السليمانية في آب/أغسطس 2017، أغلقت تركيا مكتب "الاتحاد الوطني الكردستاني" في أنقرة وطردت ممثل الحزب منذ 17 عامًا في تركيا بهروز جلالي. كما أن تعليق الرحلات لا يشكّل استجابةً جديدةً، إذ دفع الاستفتاء حول استقلال إقليم كردستان العراق لعام 2017 أنقرة إلى تعليق الرحلات الجوية من أربيل والسليمانية. واستؤنفت رحلات أربيل مجددًا في آذار/مارس 2018، ولكن تم تمديد الحظر على رحلات السليمانية لغاية تشرين الأول/أكتوبر 2019 بسبب مزاعم أنقرة بأن "الاتحاد الوطني الكردستاني" كان يدعم نشاط "حزب العمال الكردستاني" في إقليم كردستان العراق. بالإضافة إلى ذلك، لم تُستأنف الرحلات الجوية إلا بعد تدخُّل رئيس العراق آنذاك وعضو "الاتحاد الوطني الكردستاني" السابق برهم صالح.
وفي تشرين الأول/أكتوبر 2018، أعيد أخيرًا فتح طريق أنقرة-السليمانية بعد أن أغلق قوباد طالباني، وهو نائب رئيس حكومة إقليم كردستان وشقيق بافل، المكتب السياسي لـ"حزب العمال الكردستاني" في السليمانية. وظهرت علاماتٌ أخرى على محاولة التطبيع بعد عدة سنوات. فعلى سبيل المثال، في آذار/مارس 2021، ورد أن رئيس المخابرات التركية هاكان فيدان استضاف وفدًا من "الاتحاد الوطني الكردستاني" في أنقرة. كما زعم لاهور شيخ جنكي، وهو الرئيس المشارك لـ"الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي أزيح من الحزب عام 2020 على خلفية تنافسه مع ابن عمه بافل، أن تركيا كان لها يدٌ في إقصائه عن الحزب.
ولكن الإجراءات التركية في إقليم كردستان العراق لا تزال تشكل ضغطًا كبيرًا على العلاقات. فتسعى تركيا في إطار تنفيذها عملياتٍ عسكريةٍ مناهضةٍ لـ"حزب العمال الكردستاني" في شمال العراق إلى زيادة الضغط على الحزب ومنعه من شن هجماتٍ على الأراضي التركية. ولكن النهج الذي يتبناه "الاتحاد الوطني الكردستاني"، الذي عادةً ما يكون أكثر تسامحًا تجاه "حزب العمال الكردستاني" من "الحزب الديمقراطي الكردستاني" الذي يتخذ أربيل مقرًا له والذي يُعد أكبر حزب في إقليم كردستان العراق، تسبّب باحتكاكٍ مع أنقرة. وأعرب "الاتحاد الوطني الكردستاني" من جهته عن استيائه من تكرار عمليات الطائرات المسيرة والاغتيالات التي يُزعم أن تركيا قد نفذتها في السليمانية.
تكثيف الاتصال مع "حزب العمال الكردستاني"
خلال عمليات تركيا في العراق وسوريا الرامية إلى إنشاء منطقةٍ آمنةٍ في كانون الأول/ديسمبر 2022، التقى بافل بمسؤولي "قوات سوريا الديمقراطية" و"حزب الاتحاد الديمقراطي" في شمال سوريا إلى جانب الجنرال الأمريكي ماثيو ماكفرلين، وهو قائد قوات التحالف في العراق وسوريا. ولم تؤدِ رحلة بافل إلى تعزيز الروابط فحسب، بل أيضًا إلى عزل منافسه والرئيس المشارك السابق لـ"الاتحاد الوطني الكردستاني" لاهور جنكي الذي كان على اتصال متكرر مع "قوات سوريا الديمقراطية" و"حزب الاتحاد الديمقراطي" والذي كانَ شخصًا أساسيًا بالنسبة للأكراد السوريين.
اتَضح توطيد العلاقات بين "الاتحاد الوطني الكردستاني" و"قوات سوريا الديمقراطية" بشكلٍ أكبر في نهاية آذار/مارس مع تحطُّم مروحية في دهوك. أسفر الحادث عن مقتل تسعة عناصر على الأقل من "قوات سوريا الديمقراطية"، بمن فيهم قائد رفيع المستوى في وحدة مكافحة الإرهاب التابعة لـ"قوات سوريا الديمقراطية"، كانوا في طريقهم إلى السليمانية. ويُقال إن "الاتحاد الوطني الكردستاني" اشترى المروحية بمساعدة واشنطن خلال حرب العراق. وفي رسالة تعزيةٍ لـ"قوات سوريا الديمقراطية" بعد الحادث، قال بافل: "يفتخر الاتحاد الوطني الكردستاني بالتاريخ المجيد الذي كافح فيه جهاز مكافحة الإرهاب (مجموعة مكافحة الإرهاب التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني) جنبًا إلى جنب مع وحدات مكافحة الإرهاب في روج آفا لحماية كردستان". هذا التاريخ الطويل، جنبًا إلى جنب مع الاصطفاف الأيديولوجي، والتوترات المشتركة مع الحزب الديمقراطي الكردستاني، والرغبة في أن يصبح رقما مهما في السياسة الكردية العابرة للحدود، كل ذلك ساهم في زيادة اهتمام الاتحاد الوطني الكردستاني بهذه العلاقة. في ظل تخوّف أنقرة على الأرجح من رحلة المروحية هذه باعتبارها إشارةً إلى توطيد العلاقات في المستقبل، يشكّل قرارها بإغلاق مجالها الجوي، بالإضافة إلى الهجوم المزعوم، جُهدًا يرمي إلى قطع الاتصال بين روج آفا والسليمانية، على الأقل بصورةٍ مؤقتة.
جاء مثالٌ آخر على ترسُّخ العلاقات على شكل رسالةٍ من جميل بايك، وهو عضو مؤسس لـ"حزب العمال الكردستاني"، إلى اجتماعٍ للأحزاب السياسية في منطقة دوكان في السليمانية في كانون الثاني/يناير. أشارت الرسالة الموجهة إلى بافل إلى "الحاجة إلى المزيد من الوحدة الوطنية في هذه العملية". على الرغم من أن "الاتحاد الوطني الكردستاني" يوحي بالتعامل مع "قوات سوريا الديمقراطية" بدلًا من "حزب العمال الكردستاني"، بحيث أن الأول حليف رسمي لقوات التحالف الأمريكية، في حين تم تصنيف الأخير كمجموعة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ترى أنقرة هذه الإجراءات كإشاراتٍ واضحةٍ إلى تطلُّع "الاتحاد الوطني الكردستاني" إلى تعميق العلاقات مع "حزب العمال الكردستاني" عبر سوريا. بعد وقتٍ قصيرٍ من هجوم الطائرة بدون طيار، ورد أن فيدان استضاف قوباد طالباني من "الاتحاد الوطني الكردستاني" ووفد الحزب في أنقرة، حيث أعرب فيدان عن استياء تركيا من "علاقات الاتحاد الوطني الكردستاني بقوات سوريا الديمقراطية وحزب العمال الكردستاني".
بافل "خادم السياسة الكردية"
سعيًا منه لفرض "الاتحاد الوطني الكردستاني" كبديلٍ عن هيمنة "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في المجال السياسي لإقليم كردستان العراق، يطمح بافل بشدة إلى أن يُنظر إليه على أنه مؤثر في الشؤون الجيوسياسية الكردية الإقليمية. ومن هنا يأتي ترسيخ علاقات الحزب مع "قوات سوريا الديمقراطية". فقد شدّد خلال زيارته لشمال سوريا على "المسألة الكردية" ووصف "الاتحاد الوطني الكردستاني" على أنه "خادم للسياسة الكردية". وهو يريد أن يُنظر إليه على أنه زعيم كردي يشارك في العديد من العمليات والمفاوضات الإقليمية.
انطلاقًا من هنا، غالبًا ما يشير بافل إلى صنع السلام بين تركيا و"حزب العمال الكردستاني" بعد 40 عامًا من الحرب بينهما. كما وجّه رسالة عبر الفيديو بمناسبة الاحتفال بعيد النوروز في مدينة ديار بكر التركية ذات الغالبية الكردية، حث فيها جميع الأكراد على الوحدة ودعا إلى إطلاق سراح القادة الأكراد المعتقلين في الدول المجاورة.
هذا ويُذكَر جلال طالباني، والد بافل، في أنقرة كزعيمٍ حافظ على علاقاتٍ بناءة ولعب دور الوسيط بالنسبة للأكراد في تركيا. ومن الواضح أن بافل، الذي يشير باستمرار إلى دور والده الراحل، يرغب بأن يكون لـ"الاتحاد الوطني الكردستاني" التأثير ذاته تحت إدارته. حتى أنه التقى، بعد زيارته شمال سوريا، بزعيم "الجبهة التركمانية العراقية" المدعومة من تركيا حسن توران كبادرة حسن نية تجاه أنقرة. ولكن أنقرة تعتبر إلى حد كبير أنّ تصريحات بافل بشأن السلام والأكراد المسجونين هي تدخل وليس وساطة.
لا مصالحة في الأفق
تعتقد تركيا أن توازن العلاقات بين "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني" يمكن أن يكون بمثابة ثقلٍ موازنٍ لبغداد. وبنتيجة ذلك، لا ترغب أنقرة في تدهور الوضع في إقليم كردستان العراق بحيث يفوز أحد الطرفين بشكلٍ حاسمٍ على الآخر. فضلًا عن ذلك، لن يفيد الإقصاء الكامل لـ"الاتحاد الوطني الكردستاني" إلا بغداد وطهران، ما يجعل فسخ العلاقات بين "الاتحاد الوطني الكردستاني" وأنقرة بالكامل أمرًا مستبعدًا. وفي مكالمةٍ مع رئيس "إقليم كردستان العراق" نيجيرفان بارزاني في شباط/فبراير، يُزعم أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نصح بارزاني بحل الخلافات القائمة مع "الاتحاد الوطني الكردستاني". وفي وقتٍ لاحقٍ، شارك الرسالة ذاتها مع كل من "الحزب الديمقراطي الكردستاني" و"الاتحاد الوطني الكردستاني".
ولكن أنقرة تتوقع من "الاتحاد الوطني الكردستاني" أن ينأى بنفسه تمامًا عن "حزب العمال الكردستاني" ليحصل أي تطبيعٍ إضافي للعلاقات. فهي تريد أن يتم تسليم أعضاء "حزب العمال الكردستاني" في السليمانية وإيقاف نشاطه في المدينة. علاوةً على ذلك، قد تضغط أنقرة أيضًا على "الاتحاد الوطني الكردستاني" ليعيد النظر في علاقاته الوثيقة بشكلٍ متزايدٍ مع إيران.
بالطبع، تبرز عدة عقبات. أولًا، يأمل "الاتحاد الوطني الكردستاني" على الأرجح باستغلال تنافسه مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" والتوترات مع تركيا لصالحه في سياسة إقليم كردستان العراق، وهو جهدٌ تعزّز بفعل ترسُّخ علاقات "الاتحاد الوطني الكردستاني" مع بغداد. من ناحيةٍ أخرى، بينما تتمتع تركيا بنفوذٍ كبيرٍ على "الحزب الديمقراطي الكردستاني"، تحديدًا في ما يتعلق ببوابة الخابور الحدودية وصادرات النفط، لا ينبغي بها أن تتوقع ممارسة مثل هذا النفوذ الكبير مع "الاتحاد الوطني الكردستاني".
بدلًا من ذلك، يجب أن تركّز علاقة تركيا مع "الاتحاد الوطني الكردستاني" على مسألة الغاز الطبيعي، بما أن كميةً كبيرةً من الغاز الذي تأمل أنقرة بشرائه من إقليم كردستان العراق تقع في المناطق الخاضعة لسيطرة "الاتحاد الوطني الكردستاني". ولدى الجانبين مصلحة اقتصادية مشتركة في تحسين العلاقات، لا سيما بعد أن أغلقت تركيا خط أنابيب النفط بين كركوك وجيهان، وهو المنفذ الوحيد لنفط إقليم كردستان العراق. وبالتالي، إذا كانت أنقرة ترغب بتوسيع نفوذها على "الاتحاد الوطني الكردستاني"، فلا بد لها أولًا من أن تطوّر علاقةً اقتصاديةً مع الحزب على خلفية الغاز الطبيعي، مع احترام قواعد الحزب التي تميّز "الاتحاد الوطني الكردستاني" عن "الحزب الديمقراطي الكردستاني".
بالإضافة إلى ذلك، يجب على تركيا أن تبقي نصب عينيها احتمال توسّط "الاتحاد الوطني الكردستاني" الضروري إذا كانت أنقرة تأمل يومًا بالسعي وراء عمليات سلام مستقبلية مع الأكراد، وخصوصًا الأكراد السوريين. على غرار العديد من المنظمات السياسية الكردية، يحرّك "الاتحاد الوطني الكردستاني" حسُّ القومية الكردية الذي يربطه حتمًا بجماعات مثل "قوات سوريا الديمقراطية". فيجب على أنقرة فهم هذه الديناميات وتكييف توقعاتها وقراراتها معها. فالتصرف بدون استيعاب موقف "الاتحاد الوطني الكردستاني" يعني قراءةً خاطئةً وخطيرةً للسياسة الكردية الإقليمية.