- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
خلفية أزمة لبنان المتواصلة معاداة السنّة بشدّة لـ"حزب الله" وموالاة غالبية الشيعة له وانقسام المسيحيين حوله
9 تشرين الثاني/نوفمبر 2017
أضاءت الاستقالة المفاجئة يوم الجمعة الماضي لرئيس وزراء لبنان السنّي سعد الحريري بشدّة على الاستقطاب الداخلي في البلاد والعلاقات الخارجية مع إيران. متحدّثًا من المملكة العربية السعودية حيث يبقى في المنفى، ألقى الحريري اللوم على طرفين فاعلين ذات الغالبية الشيعية لمشاكل لبنان المتزايدة وعلى خوفه من التعرّض للاغتيال. واليوم يلقي استطلاع رأي شعبي جديد الضوء على عمق هذه الانشقاقات الطائفية الكامنة وراء الأزمة الحالية.
يُقسم سكّان لبنان البالغ عددهم أربعة ملايين إلى العديد من الفئات الدينية المتنوّعة، أو "طوائف" كما يشار إليها محلّيًا. ويُعدّ هذا الانقسام مشحونًا سياسيًا لدرجة أنّه لم يتمّ إجراء إحصاء سكاني رسمي منذ العام 1932، لذا يصعب الحصول على أرقام دقيقة. إلّا أنّ التقدير المعقول هو التالي: حوالي 40 بالمئة هم من المسلمين الشيعة و30 بالمئة من المسلمين السنّة و25 بالمئة من المسيحيين (موارنة وروم أرثوذكس وروم كاتوليك وأرمن وبروتستانت وغيرها)، أمّا الـ5 بالمئة المتبقية فهم بغالبيتهم دروز، بالإضافة إلى القليل من الأقليّات الأخرى.
بالسؤال عن موقفهم تجاه "حزب الله"، ينجلي مدى الاستقطاب الطائفي اللبناني. فوسط السنّة، أعرب 85 بالمئة عن رأي سلبي و14 بالمئة فقط عن رأي إيجابي. لكن وسط الشيعة، كانت النسب العكس تمامًا تقريبًا، فـ88 بالمئة قد أعربوا عن رأي إيجابي تجاه "حزب الله" (بمن فيهم نسبة 83 بالمئة بارزة أجابت بـ"إيجابي جدًّا")، في حين يؤكّد بالكاد 11 بالمئة منهم أنّهم يتمتّعون برأي سلبي.
في حين أنّ الأرقام الأخيرة لا تزال مائلة بشدّة نحو "حزب الله"، إلّا أنّها تمثّل تراجعًا طفيفًا منذ الاستطلاع السابق الذي أجري قبل سنتَين عندما أعربت نسبة 94 بالمئة بارزة من الشيعة عن دعمها له. وهناك بعض الأدلّة الحديثة التي تشير إلى أنّه سرًّا قد يكون الدعم الشيعي لـ"حزب الله" قد تراجع أكثر. فعلى سبيل المثال، في الانتخابات المحلّية في العام 2016، صوّت 45 بالمئة ضدّ مرشّحي "حزب الله" وأولئك المرتبطين بـ"حركة أمل"، وذلك حتّى في معقلهم المفترض في بعلبك.
والأمر المفاجئ أكثر هو أنّ أقليّة لبنان المسيحية الأساسية تبقى منقسمة إلى النصف تقريبًا حول "حزب الله": فـ45 بالمئة هم مؤيّدون له و55 هم ضدّه. وتمثّل هذه الأرقام أيضًا انحدارًا طفيفًا في شعبية الحزب. لكن بالرغم من ذلك يبقى حوالي نصف المسيحيين اللبنانيين مؤيّدين لوجهة نظر رئيس البلاد الماروني ميشال عون بأنّ "حزب الله" يمثّل طرفًا فاعلًا إيجابيًا على الساحة اللبنانية.
أمّا بالنسبة إلى إيران، راعية "حزب الله"، فتبقى وجهات النظر حولها منقسمة أيضًا. فاللبنانيون السنّة يعارضون بنسبة كبيرة (88 بالمئة) سياسة إيران الإقليمية، لكنّ الشيعة هم مؤيّدون لها بنسبة موازية تقريبًا (82 بالمئة). أمّا المسيحيون فهم مجدّدًا في الوسط، لكنّهم يتمتعون هذه المرّة بنظرة سلبية أكثر تجاه طهران بهامش اثنان مقابل واحد تقريبًا: 63 بالمئة مقابل 37 بالمئة. وقد انقسمت وجهات النظر بشكل حادّ حول أهميّة تمتّع لبنان بعلاقات جيّدة مع إيران "بغض النظر عن رأيكم الخاص حول سياساتها" وسط هذه الفئات الدينية الثلاثة الأساسية بنسب متوازية تقريبًا.
وبالمقارنة، كان موقف اللبنانيين من السياسات الأمريكية مختلطًا جدًّا أيضًا عاكسًا انقسامًا طائفيًا. إذ يتمتّع الشيعة بوجهة نظر سلبية بشكل موحّد (87 بالمئة). لكن وسط السنّة كما المسيحيين في لبنان، يتمتّع النصف برأي إيجابي تجاه السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، ما يُعدّ أكثر بكثير من أي مجتمع عربي آخر تمّ استطلاعه مؤخّرًا. وبالرغم من ذلك، يعتقد حوالي ثلث كل من هاتَين الفئتَين الدينيتَين أنّه من المهم لبلدهم التمتّع بعلاقات جيّدة مع واشنطن.
وبالنظر إلى الناحية الإيجابية، وسط هذه الانشقاقات العميقة، تعبّر غالبية كل من هذه الفئات الدينية الأساسية عن رغبة بالتسامح الديني. إذ يجمع الكل من كل فئة دينية تقريبًا على أنّه "على العرب العمل بجهد أكبر لأجل التعايش والتعاون بين السنّة والشيعة". كما يجمع ثلثَي كل من هذه المجموعات على "أنّ الإصلاح الداخلي السياسي والاقتصادي هو أهمّ بالنسبة لبلدنا من أي مسألة سياسة خارجية". كما هناك غالبية أصغر من السنّة والشيعة والمسيحيين التي تدعم "أولئك الذين يحاولون بيننا ترجمة الإسلام بشكل أكثر اعتدالًا وتسامحًا وحداثة". وخلافًا لذلك، يظهر استطلاع حديث لمجتمعات عربية أخرى أنّ الدعم لهكذا اقتراح هو أقلّ بكثير ويقارب الـ30 بالمئة تقريبًا.
في الوقت عينه، تظهر فئات لبنان المتنوّعة إجماعًا غير اعتادي حول مسألة أخرى بارزة، إلّا أنّ الإجماع حولها هو سلبي. والمسألة هنا هي إسرائيل. فوحدها أقليّة من اللبنانيين من أيّ من الطوائف الأساسية تريد "أن تضطلع الدول العربية بدور جديد في محادثات السلام الفلسطينية الإسرائيلية، مانحةً الطرفَين محفّزات لاتخاذ مواقف أكثر اعتدالًا". وهنا يختلف اللبنانيون أيضًا عن المجتمعات العربية السبعة الأخرى التي تمّ استطلاعها في هذا السياق (مصر والمملكة العربية السعودية والأردن والإمارات العربية المتحدة والكويت والبحرين وقطر) حيث تدعم الغالبية هذا المبدأ. وفي لبنان ومجدّدًا خلافًا للآخرين، صفر بالمئة بالتحديد من السنّة أو الشيعة أو المسيحيين يقولون إنّهم يوافقون على الاقتراح التالي: "بالرغم من الاختلاف على بعض المسائل، على الدول العربية التعاون مع إسرائيل على مسائل أخرى كالتكنولوجيا ومكافحة الإرهاب واحتواء إيران".
إنّ هذه الاكتشافات هي نتيجة استطلاع موثوق محترف تمّ إجراؤه في أواخر شهر آب/ أغسطس من قِبَل شركة تجارية محلّية وقد شمل مقابلات وجهًا لوجه في المنازل مع عيّنة تمثيلية بأرجحية جغرافية مؤلّفة من 1000 مواطن لبناني. إنّ هامش الخطأ الإحصائي لكل عيّنة طائفية فرعية هو حوالي 5.5 بالمئة. تتوفّر تفاصيل المنهجية وملف البيانات الخام كاملة لدى الكاتب عند الطلب.