- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كيف سيتعامل الأردن مع ملف المقاتلين من تنظيم "داعش"؟
عاد ملف المقاتلين في تنظيم "داعش" مرة أخرى إلى واجهة التغطية الإعلامية في الأسابيع الماضية خاصة بعد قيام العراق بمحاكمة وإعدام أحد عشر جهاديا فرنسيا ينتمون لتنظيم "داعش". وهو ما أدى إلى اندلاع حملة من ردود الفعل الرسمية والشعبية الغاضبة في فرنسا. كما أصبحت التحديات القانونية المتمثلة في إعادة المقاتلين الأجانب الذين قاتلوا في صفوف تنظيم "داعش" ومحاكماتهم تحظى بالاهتمام الدولي. ومع ذلك، ما زالت تلك الأزمة تؤثر أيضًا على البلدان المحيطة بالأراضي التي كان يسيطر عليها التنظيم سابقا، بما في ذلك الأردن.
بالنسبة للأردن، يتلخص الموقف الرسمي المعلن اليوم حسب تصريحات المسؤولين الرسميين ومؤسسات المجتمع المدني في وسائل الإعلام المحلية بالقول بأن ملف التعامل مع هؤلاء "الإرهابيين" وعائلاتهم أمني عسكري بحت وليس إنسانياً. وهناك شبه أجماع في الأردن سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي على "عدم الترحيب" بعودة أي من المقاتلين الإرهابيين من سوريا، بناء على قناعات راسخة - بحكم التجارب السابقة للأردن مع الجماعات الإرهابية، بأن هؤلاء المقاتلين سيصبحون بمثابة قنابل موقوتة بسبب تأثرهم بالأفكار والإيديولوجية التكفيرية، وخبراتهم القتالية والتنظيمية التي اكتسبوها عبر السنين في ساحات القتال، مما جعلهم عنصرًا خطيرًا بشكل خاص.
وبناءً على هذه المقاربة، يعارض الأردن عودة أي من الإرهابيين أو عائلاتهم الذين غادروا المملكة للمشاركة مع الجماعات الإرهابية من داعش وجبهة النصرة وغيرها. وفى هذا الصدد، أشار تصريح وزيرة الدولة لشؤون الإعلام / جمانة غنيمات في شهر يوليو 2018، إلى أن الحدود الأردنية السورية مغلقة، ولا يستطيع أحد العبور منها لأراضي الأردن، مشيرة إلى أن الأردن يستقبل كافة الأردنيين لكن عبر المطارات والمنافذ الحدودية الرسمية. وأن من عبر من الأردنيين لسوريا خلال السنوات الماضية عن طريق التهريب، لا يمكنهم العودة إلا بالطرق الشرعية وحينها يتم تسليمهم إلى دائرة المخابرات ثم إحالتهم للقضاء للتعامل مع الجرائم التي ارتكبوها. كما سيتم محاكمة العائدون أمام محكمة امن الدولة التي تتعامل مع قضايا الأمن القومي الداخلي والخارجي، ثم مراكز الإصلاح والتأهيل وفقا لقانون مكافحة الإرهاب رقم 18 لسنة 2014.
ومع ذلك، لا يحتوي هذا النهج على إطار واضح للتعامل مع العائلات المرتبطة بالمقاتلين الإرهابيين، حيث يفرض تنفيذه عددًا من التحديات. لذلك فإن الخطوة الأولى لتأطير المشكلة وتحديدها حتى نستطيع دراستها وفهمها وتحليلها هو معرفة حجمها وملامحها العامة من خلال معرفة الأعداد الحقيقية لهؤلاء الإرهابيين: عدد الذكور، النساء، الأطفال، الأيتام، عدد المعتقلين في العراق وسوريا، وأماكن اعتقالهم وطبيعة مشاركتهم، والتهم الموجة لهم.
ومع ذلك، هناك فوضى واضحة في الأرقام الرسمية المعلنة حول عدد الإرهابيين الأردنيين في سوريا وعوائلهم. فالرقم (شبه الرسمي) للمجموع الكلي لعدد الإرهابيين الأردنيين في سوريا الذي تتمسك به تصريحات المسؤولين الأردنيين حتى اليوم هو 1250 إرهابياً .هذا على الرغم من أنّ قائد المنطقة العسكرية الشمالية، في القوات المسلحة الأردنية / العميد الركن خالد المساعيد أشار في تصريح صحفي أصدره في منتصف شهر تموز 2018 ونشر في وسائل الإعلام إلى أنّ" أعداد المقاتلين من أصول أردنية المنتشرين بالجنوب السوري يبلغ نحو 3000 عنصر. وتشير بعض المصادر غير الرسمية أن هناك نحو 300 إرهابي عادوا إلى الأردن منذ بداية الأزمة في سوريا في عام 2011، معظمهم يقضي اليوم عقوبات بالسجن مع الأشغال الشاقة المؤقتة في مركز إصلاح وتأهيل "الموقر" 1 و2 الخاص بسجناء التنظيمات الإرهابية.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن التوثيق الرسمي الوحيد لعدد المعتقلين موجود فقط لدى دائرة المخابرات العامة، ومحكمة أمن الدولة بحكم أنها هي التي تنظر في قضايا الإرهاب، وإدارة مراكز الإصلاح والتأهيل وتحديداً إلى مركز الإصلاح والتأهيل في "الموقر"- شرق العاصمة عمان. ماعدا ذلك فليس هناك أي توثيق رسمي لهذه الأعداد، وليس هناك شفافية لدى مؤسسات الدولة المختلفة بالإفصاح أو الإعلان عن الأرقام المتوفرة لديها أو توفيرها للباحثين والدارسين أو وسائل الإعلام بحجة سرية المعلومات.
بالإضافة إلى الالتباس السائد حول عدد الإرهابيين الأردنيين، لا توجد أية مقاربة عامة -مُعلنة- لدى الأردن لكيفية التعامل مع ملف المقاتلين الإرهابيين الأردنيين الذين ما زالوا يقاتلون حتى الآن في صفوف تنظيم داعش والنصرة في سوريا في حال عودتهم مع نسائهم وأطفالهم. وتلك المشكلة لا تخص الأردن وحده، بل هناك العديد من الدول التي تكافح للخروج بمقاربة واضحة مع الدول التي لديها مقاتلين مع منظمات إرهابية في سوريا، وخاصة مع داعش، وهناك انقسامات واسعة حول كيفية التعامل مع هذه القضية الشائكة.
وعلى الرغم من أن مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه قد حضّت الدولَ على استعادة مواطنيها من أفرادِ عائلاتِ مقاتلي تنظيم "داعش" الذين قتلوا أو اعتقلوا في سوريا والعراق، لم يتعرض الأردن على المستوى الرسمي لضغوط دولية أو أممية حقيقية لمعالجة هذا الملف. كما انه ليس واردا أن يمارس النظام السوري ضغوطًا على الأردن، نظرًا لاستمرار حالة عدم الاستقرار و"فشل الدولة "في سوريا حتى الآن.
أضف إلى ذلك، ما زال النقاش حول هذا الملف يدار بشكل بطيء وعلى نطاق ضيق جداً، ولم يصبح قضية جماهيرية واسعة تهم الجمهور العام المنشغل حالياً بقضايا كثيرة ومتعددة على رأسها الأوضاع الاقتصادية الصعبة وقضايا مُلحّة أخرى تستهوي اهتمام الأردنيين كالمشاكل الاقتصادية، والسياسية كصفقة القرن المطروحة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
أن ملف الإرهاب بشكلٍ عام، ومكافحة الإرهاب تاريخياً هو من ضمن أهم اختصاصات دائرة "المخابرات العامة الأردنية. الأمر الذي يعني بأن ملف المقاتلين الإرهابين في سوريا سيبقى أسير دائرة السرية والحساسية امنياً.
ولا توجد هناك معلومات وبيانات إحصائية رسمية، ولا إحصائية دقيقيه حول عدد المقاتلين الإرهابيين الأردنيين في سوريا والعراق، ولا عدد النساء أو الأطفال أو عدد المعتقلين في سوريا أو العراق أو هؤلاء المحتجزين حاليا لدى قوات سوريا الديمقراطية "قسد". ولذلك فأن المتابع لهذا الملف في الأردن والخارج يتعامل مع "صندوق مغلق" من المحرمات.
السيناريوهات المقترحة للحل
هناك ثلاثة سيناريوهات أمام الأردن في كيفية التعاطي مع هذا الملف المعقد. السيناريو الأول سيرفض ويتغاضى عن الجانب الإنساني المتعلق بشكل خاص بعائلات مقاتلي "داعش"، لكنه الأسهل في التنفيذ، وهو السيناريو السائد حاليا، ويتمثل تطبيقه في حالة عدم الاكتراث وعدم الاهتمام أو متابعته سواء داخليا أو خارجياً. وحصر الاهتمام به ضمن دوائر ضيقة جداً. مستغلاً النظرة الشعبية السلبية تجاه الإرهاب والإرهابيين وشيطنتهم والتي بلغت ذروتها مع حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة عام 2015 ،ثم العمليات الإرهابية الأخيرة في الفحيص والسلط أواخر عام 2018.
السيناريو الثاني هو السماح بإعادة هؤلاء المقاتلين مع كل ما يتبع ذلك من إجراءات أمنية ولوجستية مهما كانت طويلة وصعبة ومعقدة ومكلفة مالياً، كما يعتمد هذا السيناريو على محكمة امن الدولة للبت في شأن هؤلاء المقاتلون ومصيرهم. وهنا يحتاج الأردن إلى مساعدة المجتمع الدولي والأمم المتحدة تحديداً للمساعدة في التكاليف المالية والخبرات التي قد يحتاجها الأردن خاصة في مجال الرعاية الاجتماعية والصحية والإرشاد النفسي للتعامل مع الفئات الأكثر ضعفاً من النساء والأطفال والأيتام.
أما بالنسبة للسيناريو الثالث، يمكن للأردن رسمياً أن يتبنى - كبديل لعدم استقبال الإرهابيين الأردنيين- مقاربة المطالبة والدفع باتجاه المحاكمة الجنائية لجميع الإرهابيين في أماكن اعتقالهم. وبناء عليه يمكن محاكمة الأردنيين المعتقلين في سوريا والمعتقلين لدى "قوات سوريا الديمقراطية" - الذين لا يعرف عددهم حتى الآن- كما جرى ويجري في العراق حالياً، خاصة وأن هناك دعوات في أوروبا حالياً لاعتماد هذه المقاربة، رغم الخلافات الشديدة حاليا بين السلطات العراقية وهذه الدول خاصة فرنسا وألمانيا وبريطانيا.
وبغض النظر عن السيناريوهات المطروحة، فإن مشكلة عودة الإرهابين الأردنيين ستطفو الى السطح في الأردن سواء عاجلاً أم أجلاً. ومن نافل القول الادعاء بأنه من الأفضل للأردن أن يُجهز ويرتب أوراقه في هذا الملف قبل أن يفرض عليه التعامل معه بطريقة تعرض امنه الوطني وسلمه الأهلي وعلاقاته الدولية للخطر.