- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كيف تسيطر الجماعات المدعومة من إيران على مجال اللغة العربية على منصة "إكس"
إلى أن يتم تطبيق سياسات إدارة المحتوى المرتبطة بمنصة "إكس"/"تويتر" بشكل صارم والعمل على معالجة ثغرات إدارة المحتوى، ستستمر هذه الجهود المنسقة في استهداف الأصوات المستقلة المناهضة لـ"حزب الله" و"حماس" على المنصة مع مشاركة الرسائل الخاصة بهم بشكل فعال، ما يضمن تحكم الجماعات الإرهابية الإيرانية المدعومة من الدولة في الشرق الأوسط بمنصة "إكس"!
تتصف كل منطقة حرب بعنف ووحشية لا يمكن وصفهما. أضف إلى ذلك هناك ضباب الحرب والتقارير شبه الفورية من مناطق النزاع عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمهمة الشاقة المتمثلة بمحاولة فهم الأمور من قبل القارئ أو الناشط عبر الإنترنت. إلا أن المعلومات المضللة تجعل هذه العملية أصعب بكثير.
لكن محاولات مكافحة المعلومات المضللة على "إكس"/"تويتر" أو مشاركة المعلومات أو الآراء التي تنتقد الجماعات الوكيلة لإيران مثل "حزب الله"، يواجهها "جيش إلكتروني" موالٍ لإيران لا يتردد في التلاعب بضوابط الإدارة المحدودة للمنصة في الإنكليزية وخاصة العربية بهدف قمع النقد وتضخيم السردية الخاصة به. هذه الجهود مستمرة منذ سنوات، كناشطة لبنانية حاولت انتقاد "حزب الله" علنًا عبر الإنترنت خلال الأزمة المالية في لبنان في عام 2019، أجد أن هذا التلاعب بإدارة محتوى وسائل التواصل الاجتماعي مألوف جدًا. كما يسلط نجاح هذه الأنشطة السيبرانية المنسقة الضوء على فشل موقع "تويتر"، الذي أصبح الآن "إكس"، في إدارة منصة بشكل فعال وفقًا لإرشادات المحتوى الخاصة به.
حظر الظل والرقابة الذاتية
اعتبر العديد من خبراء المعلومات الرقمية المضللة أن محتوى وسائل التواصل الاجتماعي المتعلق بالحرب يشوبه مستوى "غير مسبوق" من المعلومات المضللة. فقد نشرت حسابات مثل @jacksonhinklle، الذي لديه 2.4 مليون متابع والعدد إلى ازدياد، منشورات على نطاق واسع على الرغم من انتقاد خبراء المعلومات المضللة الحساب بشكل متكرر على خلفية مقاطع الفيديو المنسوبة بشكل خاطئ والمعلومات الكاذبة.
كناشطة على الإنترنت، فإن ردي عندما أرى صورة لمقطع فيديو منسوب بشكل خاطئ إلى غزة، ولكنه في الواقع يعود للحرب السورية أو اليمنية، يتمثل في الإبلاغ عنها. لكن هنا يتداعى النظام أكثر. فمن خلال تحديد المصدر الصحيح لهذه الصور أو مقاطع الفيديو، لا سيما عند الإشارة إلى معلومات مضللة على "إكس"/"تويتر" باللغة العربية، يمكن تفعيل جيش إلكتروني فعلي تابع لـ "محور المقاومة"، بما في ذلك "حزب الله" و"حماس" و"الحشد الشعبي"، التي غالبًا ما تستهدف هذه الجهود وتستفيد من الموارد النقدية الوفيرة لمؤيديها الإيرانيين.
نظرًا لعدد هذه الحسابات والطبيعة الفعالة للتنسيق، من المرجح أن يتم الإبلاغ عن حسابات المستخدمين الذين يعبرون عن وجهة نظر لا تتماشى مع السردية المفضلة لهذا الجيش الإلكتروني على خلفية "معلومات كاذبة" أو مسألة أخرى تنتهك المبادئ التوجيهية للنشر الخاصة بـ "إكس"/"تويتر". وغالبًا ما تؤدي هذه التقارير إلى حظر الظل، ما يتسبب باختناق الخوارزمية التي تروج التغريدات للمتابعين، وفي الواقع، تضييق نطاق وصول رسالة المستخدم. وإذا وردت تقارير كافية من هذا الجيش الإلكتروني، يمكن للخوارزمية أو المراقبين عندها الاستجابة عن طريق حظر الحساب وإزالة المستخدم عن المنصة.
انطلاقًا من تجربتي الشخصية، أعتقد أن هذه الجهود المنسقة لها تأثير كبير على محتوى من يرغب في نشر معلومات أو أفكار غير ملائمة لهذا الجيش الإلكتروني أو تشكل تهديدًا له. أنا لست عضوًا في أي حزب سياسي وأنشر آرائي على وسائل التواصل الاجتماعي بشكل مستقل. لكنني أستخدم "إكس"/"تويتر" منذ فترة طويلة بحيث أعلم أنه لتجنب خطر إيقاف نشاطي من قبل الجيوش الإلكترونية، لا بد من أن أمارس الرقابة الذاتية. من خلال الرقابة الذاتية، أتجنب الكتابة مباشرةً أو حتى التكلم عن أمور أعلم أنها حقيقية ولكنها "تحريضية" لهذه الجيوش الإلكترونية، وأستخدم بدلًا من ذلك كلمات أكثر دبلوماسية لإيصال رسالتي. حتى مع هذه الرقابة الذاتية، تلقيت العديد من التحذيرات على مر السنين من "إكس"/"تويتر"، وتعرضت لحظر الظل مرات عدة على خلفية نشري تغريدات تنتقد "حزب الله".
تحديد مشكلة أعمق – فشل إدارة المحتوى على "إكس"/"تويتر"
بالنسبة للعديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي اللبنانيين المستقلين، نعلم أن عملية إدارة المحتوى على "إكس"/"تويتر" معطلة منذ سنوات، باللغة الإنكليزية ولكن باللغة العربية بشكل خاص. على وجه التحديد، شهدت الحسابات اللبنانية ذلك بشكل مباشر عندما حاولت نشر الحقيقة حول وضع لبنان خلال الأزمة المالية التي شهدتها البلاد عام 2019 وبعدها. فقد لجأ عدد من النشطاء اللبنانيين المستقلين، وأنا منهم، إلى وسائل التواصل الاجتماعي وألقوا اللوم على ميليشيا "حزب الله" في السيطرة على البلاد والضغط باتجاه التخلف عن سداد الديون المستحقة على المستثمرين الغربيين واللبنانيين دفع البلاد في النهاية إلى الخراب.
يمكن أن يكون الوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي أساسيًا في الشرق الأوسط، بحيث تعاني وسائل الإعلام المستقلة من نقص المال. فقد انهارت العديد من وسائل الإعلام هذه بعد أن فقدت القدرة على دفع أجور موظفيها، تاركةً المجال أمام وسائل الإعلام الممولة جيدًا لتكون مصادر الأنباء بحكم الأمر الواقع، وهي وسائل مملوكة أو ممولة من قبل أصحاب السلطة في الشرق الأوسط ولها حرية تعبير محدودة. وفي هذا المشهد الإعلامي المحدود، يتمثل الميل الطبيعي باللجوء إلى وسائل التواصل الاجتماعي، التي تَعِد نظريًا بحرية التعبير ضمن المبادئ التوجيهية المعمول بها.
قام جيش "حزب الله" الإلكتروني بإيقاف أنشطتنا، الواحد تلو الآخر. كانت الجهود المبذولة لإبعاد الأفراد عن المنصة جد مكثفة لدرجة أن الأفراد الذين أعرفهم كانوا يضطرون إلى فتح حسابات جديدة بشكل متكرّر كل بضعة أيام للبقاء على المنصة. بصفتنا أفرادً ونظرًا لافتقارنا إلى الموارد التي تمتلكها هذه المجموعات بشكل واضح للغاية، لم تكن الجهود التي بذلناها من أجل "العودة إلى المنصة" ومحاولة إعادة بناء قاعدة متابعينا كافية لمضاهاة جهود تلك المجموعات، ما دفع العديد من النشطاء إلى إغلاق حساباتهم والتخلي عن المنصة الإعلامية. أدى هذا التفاوت في التنسيق، إلى جانب القضايا المتعلقة بأساليب إدارة "تويتر"، إلى طمس رسالتنا إلى العالم من قبل منصة كان يشاد بها ذات يوم كمنبر لديمقراطية وسائل الإعلام.
لقد اتضح في مواجهة تلك الهجمات المتكررة أن هذه المعركة بيننا وبين الجيوش الإلكترونية تتضمن طرفًا ثالثًا. فالمشرفون على محتوى تويتر باللغة العربية كانوا إما يجهلون ما يحصل بشكل متكرّر أو متواطئين في ما يحدث. وفي حين أن كلا الاحتمالين مثيران للقلق، إلا أن الأخير مقلق أكثر بكثير.
لمعرفة المزيد، قررت شبكتنا رؤية ما إذا كان بإمكاننا التعرف على من يعمل في مكاتب "تويتر" في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دبي. لم يكن تحقيقًا بكل ما للكلمة من معنى. فمن خلال زيارة حسابات هؤلاء الموظفين على وسائل التواصل الاجتماعي، استنتجنا أن هناك عدد من "العونيين"، وهم جماعة مسيحية متحالفة مع "حزب الله" في لبنان، ومناصري "حزب الله" أو المؤيدين للممانعة (وكلاء إيران). كما اتضح لنا من خلال حسابات وسائل التواصل الاجتماعي هذه أن البعض يرى حسن نصر الله مناضلاً من أجل الحرية.
نظرًا لانعدام الشفافية حول كيفية قيام موقع "تويتر"، الذي أعيدت تسميته لاحقًا بـ "إكس"، بإدارة محتواه، من المستحيل معرفة كيفية تأثير الموظفين الذين يعبرون عن هذه الآراء على القرارات المتعلقة بإدارة المحتوى. لكن من المثير للدهشة والإحباط أن هذه الحسابات مرتبطة بموظفين يعملون لدى إحدى أكبر شركات التواصل الاجتماعي في العالم. في منطقة متقلبة مثل الشرق الأوسط، فإن عدم وجود موقف واضح بشأن إدارة المحتوى المتطرف، لا سيما عندما يضطلع هؤلاء المتطرفون أيضًا بمناصب في السلطة، هو أمر يشكل بحد ذاته مصدر قلق عميق.
لا تقتصر هذه المخاوف على آراء سياسية محددة. ففي حرب إسرائيل ضد "حماس"، على سبيل المثال، من شبه المستحيل إيجاد متحدث/محرر باللغة العربية في العالم العربي مؤيد لإسرائيل بشكل علني.
ووفقًا لتغريدة نشرها صديق ماسك وشريكه التجاري ديفيد ساكس قال فيها حتى "ملاحظات المجتمع"، وهي ميزة أضافها ماسك مباشرةً لإزالة المعلومات المضللة عن منصة "إكس"، تم التلاعب بها من قبل الجهات الحكومية.
عندما اشترى إيلون ماسك منصة "تويتر"، اعتقدت أنا وبعض زملائي أنه سيتم ربما إيلاء المزيد من الاهتمام للشرق الأوسط بعد أن وعد ماسك بمعالجة مشكلة البوت المتفشية في "تويتر" و"تنظيف تويتر". ولكن بدلًا من ذلك، ساءت الأمور، كما أن هناك أيضًا القليل من الوضوح بشأن الجهود المستقبلية التي ستُبذل لمعالجة هذه القضية. على سبيل المثال، أعلن ماسك وصديقه وشريكه التجاري ساكس أن "ملاحظات المجتمع" - التي اقترحاها لمعالجة المعلومات المضللة - يمكن التلاعب بها من قبل الجهات الحكومية المتحمسة بسبب تصميمها، لكن هناك القليل من المعلومات المتوفرة للمستخدم العادي حول كيفية مكافحة أي تلاعب بالأدوات الخاصة بإدارة محتوى "إكس"/"تويتر"، حيث أُجري آخر تحديث حول شفافية إدارة محتوى تويتر في عام 2022. في نهاية المطاف، سمحت مشاكل إدارة المحتوى لمنصة "إكس"/"تويتر" بأن تصبح ملاذًا للرسائل الخاصة بالجماعات الإرهابية.
حزب الله: التغريد مع الإفلات من العقاب
من ناحية أخرى، ما تم نشره على منصة “إكس"/"تويتر" يوضح مدى فشل المنصة. فلقمان سليم كان ناشطًا شيعيًا لبنانيًا بارزًا يتحدث علنًا ضد "حزب الله" وسياساته، وقد قُتل في جنوب لبنان بأربع رصاصات في الرأس في شباط/فبراير 2021، بشكل شبه مؤكد على يد "حزب الله"، حتى ولو لن يعمد القضاء اللبناني إلى محاكمة الجناة قط. قبل أن نستيقظ على خبر مقتله، لجأ نجل حسن نصر الله على الفور إلى "تويتر"، ونشر تغريدة تباهى فيها بوضوح بإنجاز الحزب في تلك الليلة، إذ غرد قائلًا: "خسارة البعض هي في الحقيقة ربح ولطف غير محسوب". وختم التغريدة بهاشتاغ: "#بلا_أسف".
في حين أن منصة إعلامية مطبوعة مستقلة لن تسمح قط لمثل هذا الشخص بنشر تصريحات مماثلة عشية مقتل لقمان سليم، انتشرت التغريدة كالنار في الهشيم. وقد انضم الجيش الإلكتروني إلى موجة الفرح والغبطة التي عمت "تويتر" إثر مقتل لقمان والهاشتاغ "#بلا_أسف". تم الاحتفال بالإرهاب، وقد أظهر الانتشار غير المقيَد على ما يبدو لهذه الأجواء الاحتفالية في الأيام والأسابيع التي أعقبت الاغتيال من يتحكم فعليًا بالمنصة في الشرق الأوسط.
علاوة على ذلك، طبقت منصة إكس/تويتر سياسة تتعامل مع مثل هذه التغريدات، حيث نص أحدث إصدار منها على أنه "لا يمكنك الانضمام إلى أو الترويج لأنشطة الكيانات التي تروج للعنف والكراهية". بالإضافة إلى ذلك، تنص على "أننا سنزيل أي حسابات يحتفظ بها مرتكبو الهجمات الإرهابية العنيفة المتطرفة من الأفراد أو الهجمات العنيفة الجماعية، وقد نزيل أيضًا المنشورات التي تنشر بيانات رسمية أو أي محتوى آخر ينتجه الجناة". في لبنان، كما هو الحال في معظم أنحاء الشرق الأوسط، هؤلاء ليسوا جهات فاعلة هامشية، بل يتلاعبون بسهولة بسياسة الإدارة الخاصة بـ"تويتر" لاستهداف الأشخاص ذاتهم التي تزعم السياسة أنها تسعى إلى "الترويج لهم على المنصة".
أن قيادة شركة تويتر قد أعربت عن قلقها بشأن إشكالية التوازن بين إدارة المحتوى وحرية التعبير، وذلك قبل وبعد شراء ماسك لها. لكن عندما تتعلق القضية بهذا التخوف، فإن الأمر يستحق العودة إلى كتاب فريدريش هايك "دستور الحرية"، الذي يناقش فيه قيم الحرية التي يعتقد أنها يجب أن تستمر في توجيه المجتمعية الغربية. إحدى النقاط الرئيسية هنا هي أن مزيجً من التسامح والتعصب قد يُعيق في نهاية المطاف المجتمع الحر بدلاً من تعزيزه.
مع ذلك، برزت بعض بوادر التغيير، فقد قامت منصة "إكس" بحذف المئات من الحسابات المرتبطة بحركة "حماس" في الأسبوع الذي أعقب هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، واستمرت هذه الجهود، بما في ذلك تعليق حساب بارز لـ"حزب الله" كشفه أحد مراسلي صحيفة "جيروزاليم بوست". وفي الأسبوع الماضي، علقت "إكس" حساب تويتر الخاص بـ "كتائب القسام" بعد أن وصل عدد متابعيه بسرعة إلى 150000 عند إطلاقه.
أكدت العديد من الدراسات قدرة هذه الجيوش الإلكترونية المنسقة على التكيف مع المحاولات المماثلة خاصة إذا كانت تلك الجهود المبذولة موقته وليست منهجية. إلى أن يتم تطبيق سياسات إدارة المحتوى المرتبطة بمنصة "إكس"/"تويتر" بشكل صارم والعمل على معالجة ثغرات إدارة المحتوى، ستستمر هذه الجهود المنسقة في استهداف الأصوات المستقلة المناهضة لـ"حزب الله" و"حماس" على المنصة مع مشاركة الرسائل الخاصة بهم بشكل فعال، ما يضمن تحكم الجماعات الإرهابية الإيرانية المدعومة من الدولة في الشرق الأوسط بمنصة "إكس"!