- تحليل السياسات
- صفحات رأي ومقالات
كيف يمكن للعالم المساهمة في إنهاء الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني - ومنع صدامات مستقبلية
Also published in "لوس انجلوس تايمز"
إن واقع إمكانية مقتل الفلسطينيين في القدس بصواريخ «حماس»، والموت المؤكد للفلسطينيين في غزة بسبب الردود الإسرائيلية، أمران لا يهمان قادة «حماس» على الإطلاق. فقد حصّنوا أنفسهم تحت الأرض وفي الأنفاق التي خصصوها لأسلحتهم ومقاتليهم ولكن ليس لشعبهم. ولجعل وقف إطلاق النار اتفاقاً دائمياً، يجب أن يتوجه البيت الأبيض بتروّي إلى السعوديين والإسرائيليين ويقترح قائمة من خيارات وردود التطبيع، تتمثل بـ : قيام السعودية بفتح مكتب تبادل تجاري في تل أبيب وتوقُّف إسرائيل عن بناء المستوطنات شرق الحاجز الأمني.
انخرطت إسرائيل وحركة «حماس» مؤخراً في تبادل مكثف ومميت للصواريخ والقذائف. ويلقي هذا الصراع الأخير، مع كل ما يكتنفه من ألم، الضوء على عدة وقائع أكثر عمقاً.
أولاً، لا يمكن تجاهل القضية الفلسطينية أو إنكارها. وربما اعتقد البعض في إسرائيل أن "اتفاقيات إبراهيم"، التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودولتين عربيتين، تعني أنه بإمكانهم تجاهل الفلسطينيين والاستحواذ على الأراضي. لكن أيام الصراع الأخير روت قصة مختلفة - قصة تحمل تداعيات ليس فقط على ما يحدث خارج إسرائيل ولكن على نسيجها الاجتماعي داخلياً أيضاً.
وبالطبع، لا يمكن لإسرائيل حلّ هذا الصراع بمفردها. يجب أن يبدي الفلسطينيون أيضاً استعداداً للتسوية، وهو ما يواصلون رفضه. لكن على إسرائيل أن تكون منفتحة على توجهات جديدة تتمثل بالاعتراف باحتياجات الفلسطينيين وليس الإسرائيليين فقط.
ثانياً، تبقى القدس القضية التي تشعل العواطف وفتيل الصراع، وخاصةٍ حين تتأثر المواقع الدينية أو يتهدد الوجود الفلسطيني. وهذا ما أدى إلى اندلاع القتال الأخير بين القوات الإسرائيلية والمقاتلين المتشددين الفلسطينيين - أي اقتراب [تنفيذ] قرار معلّق صادر عن المحكمة الإسرائيلية العليا من شأنه إخلاء العديد من الأسر الفلسطينية من حي "الشيخ جراح" واشتباكات طالت المسجد الأقصى في القدس، ثالث أقدس موقع في الاسلام.
وفي كلتا الحالتين - أي التفسير القانوني الضيّق لمن يملك الأرض وردّ الشرطة الإسرائيلية على إلقاء الفلسطينيين للحجارة بالقرب من المسجد الأقصى - ربما شعر الإسرائيليون أن ردّهم كان مبرراً. غير أن المشكلة في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني في كثير من الأحيان ليست ما إذا كُنتَ على حق ولكن ما إذا كُنتَ حكيماً. وبالتأكيد لم يكن إطلاق الشرطة الإسرائيلية النار باتجاه المسجد الأقصى خطوة حكيمة.
ثالثاً، تشكّل «حماس» تهديداً لمستقبل الفلسطينيين ولأي أمل في التوصل إلى سلام محتمل في النهاية. فهي تمثّل الرفض وليس التعايش. وكما هو متوقّع، سارع قادتها إلى التذرّع بعباءة الدفاع عن القدس وقيادة الحركة الفلسطينية من خلال إطلاقها الصواريخ على القدس. وأدرك هؤلاء القادة أن هذا الأمر لن يغيّر شيئاً في القدس، بل سيَعزف على وتر غضب الفلسطينيين حتى لو كان سيثير بالتأكيد رداً إسرائيلياً قاسياً.
إن واقع إمكانية مقتل الفلسطينيين في القدس بصواريخ «حماس»، والموت المؤكد للفلسطينيين في غزة بسبب الردود الإسرائيلية، أمران لا يهمان قادة «حماس» على الإطلاق. فقد حصّنوا أنفسهم تحت الأرض وفي الأنفاق التي خصصوها لأسلحتهم ومقاتليهم ولكن ليس لشعبهم. فعشرات الآلاف من الصواريخ والأنفاق التي بنوها تتطلب استخدام الفولاذ والمعادن والأسلاك الكهربائية والإسمنت - وجميعها مواد كان يمكن استعمالها لأعمال البناء في قطاع غزة الفقير، لكن ذلك لا يندرج ضمن اهتمامات «حماس».
وبعد انتهاء المعركة الأخيرة، أصبحت غزة أكثر دماراً، مع حاجة ماسة إلى إعادة إعمارها، لكن الأولوية الأولى لـ «حماس» (بدعم إيراني) ستكون إعادة بناء ترسانتها العسكرية لكي تتمكن من ضرب المدن الإسرائيلية من جديد. يجب أن تضمن أي سياسة مستقبلية عدم تمكُّن «حماس» من إعادة بناء ترسانتها، لأنها ستُقدِم على استخدامها عاجلاً أم آجلاً.
إذاً ما الذي يجب فعله الآن؟ أولاً، الاعتماد على مصر مرة أخرى للتوسط من أجل [استمرار] وقف إطلاق النار. فـ «حماس» كانت على الأرجح مستعدة لإنهاء جولة القتال الأخيرة، مدركةً أن إمدادات الكهرباء والوقود في غزة أصبحت ضئيلة وأن صواريخها طويلة المدى ستُستنزف عاجلاً أم آجلاً.
وبالمثل، بينما ترغب إسرائيل إعادة ترسيخ قوة الردع، يدرك جيشها أنه نجح في تدمير الكثير من قدرات «حماس» على إنتاج الصواريخ وشبكة أنفاقها. فضلاً عن ذلك، يعلم القادة الإسرائيليون أنهم يقتربون من محصلة آخذة في التضاؤل، نظراً للفوائد المحدودة لأي أضرار إضافية تلحق بقدرات «حماس» والثمن الذي تدفعه إسرائيل دولياً بسبب عدد الفلسطينيين الذين يُقتلون في غزة.
وبعد ذلك، لنسلط الضوء على صواريخ "حماس". يمكن القيام بذلك من خلال وضع خطة دولية موثوقة لإعادة الإعمار، مع بنية تحتية وخطط إسكان واسعة النطاق ومحددة، ولكن بشرط تسليم كافة الصواريخ الباقية فعلاً [وتدمير] قدرتها الإنتاجية. ولندع «حماس» تشرح أمام المجتمع الدولي والفلسطينيين لماذا تعتبر صواريخها أهم من سكان غزة.
ومن ثم وبعد عودة الهدوء، لا بدّ من استخدام عملية التطبيع المتمثلة في تواصل دول عربية مع إسرائيل لكسر الجمود بين الإسرائيليين والفلسطينيين. لقد قدّمت الإمارات مثالاً على ذلك عندما جعلت التطبيع الكامل مع إسرائيل مشروطاً بعدم قيام إسرائيل بضم الأراضي في الضفة الغربية المخصصة لها في خطة الرئيس ترامب للسلام لعام 2020 - والتي كانت ستسمح لإسرائيل بضم ما يقرب من 30٪ من أراضي الضفة الغربية. على إدارة بايدن أخذ النموذج الإماراتي وتطبيقه بمرونة.
على سبيل المثال، يجب أن يتوجه البيت الأبيض بتروّي إلى السعوديين والإسرائيليين ويقترح قائمة من خيارات وردود التطبيع، تتمثل بـ : قيام السعودية بفتح مكتب تبادل تجاري في تل أبيب وتوقُّف إسرائيل عن بناء المستوطنات شرق الحاجز الأمني أو في 92 في المائة من الضفة الغربية. صحيح أن هذا الاقتراح لن يفضي إلى دولتين، ولكنه سيبقي هذا الخيار قائماً - وسيُستخدم هذا الاحتمال لطلب قيام "السلطة الفلسطينية" بتحرك موازٍ تجاه إسرائيل والتوسط فيه.
غير أن أياً من هذه الخطوات لن يحصل من تلقاء نفسه. فثمة أمر واحد متيقنين له: العودة إلى الوضع الذي كان قائماً قبل الأحداث الأخيرة ليست هي الحل، إلا إذا أردنا بالطبع تكرار تلك الحلقة لكن بتكاليف باهظة أكثر من أي وقت مضى.
دينيس روس هو مستشار وزميل "ويليام ديفيدسون" المتميز في معهد واشنطن. وتم نشر هذه المقالة في الأصل على موقع "لوس انجلوس تايمز".