- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
كيف يؤثر النفط على حاضر السياسة في اليمن ومستقبلها؟
عقدت مجموعة من القادة والشخصيات البارزة في حضرموت، جنوب اليمن، اجتماعًا تشاوريًا في منتصف تموز/يوليو 2019. وكان الهدف من هذا الاجتماع مناقشة الوضع الأمني، والخدمات العامة وإنتاج النفط في المنطقة. يشار إلى أنّ حضرموت هي أكبر محافظة من حيث المساحة وتحوي 80 ٪ من احتياطي النفط في اليمن. وفي هذا الإطار، دعا الممثلون الحاضرون في الاجتماع الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى تغيير إدارة شركة "بتروماسيلا" - شركة البترول الحكومية في حضرموت. كما دعا الاجتماع جميع الأطراف المعنية مباشرة بعمل الشركة، مثل الموظفين وقوات الحماية، إلى تعليق مهامهم ووقف إنتاج النفط في حال عدم تلبية مطالبهم.
تتزامن هذه الدعوات مع ورود تقارير عن أنّ مجلس الجنوب الانتقالي يقوم بتدريب قوة عسكرية لتوسيع نطاق الأمن في المنطقة. وقد أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي بالفعل عزمه على محاربة القاعدة في المنطقة بعد أن فشلت القوات الحكومية في القيام بذلك.وقد تعكس مثل هذه الخطوات ميزان القوى في اليمن بطريقة يمكن أن تغير مسار الحرب بشكل جذري. فتوسيع نطاق سيطرة القوات في جنوب اليمن سيرسّخ الحركة الانفصالية هناك. ومخاطر ذلك كبيرة لأن أولئك الذين يسيطرون على الموارد الحيوية في البلاد سيكون لديهم القدرة على فرض رؤاهم وأهدافهم السياسية.ويتخلل تاريخ اليمن دليلاً جوهريًا على أهمية السيطرة على المصادر الاقتصادية واكتساب ولاء السكان.
لقد أدى توحيد اليمن الشمالي واليمن الجنوبي، ليصبحا الجمهورية اليمنية في عام 1990، إلى زيادة في تنمية موارد البلاد، ولا سيّما في ما يتعلق بإنتاج النفط. وأصبح علي عبد الله صالح أول رئيس للدولة الموحدة حديثًا، بينما كان نائب الرئيس ورئيس الوزراء من الجنوب. ولكن، سرعان ما وجد الجنوبيون أنفسهم محاطين برجال دولة أقوياء، وقادة عسكريين ورجال قبائل لطالما كانوا موالين للرئيس علي صالح. وسرعان ما أدرك الجنوبيون أيضًا أن اهتماماتهم ستكون خاضعة بشكل طفيف لعملية صنع القرار، وتقاسم الثروة والحوكمة. وهذه المخاوف دفعت الجنوبيين لمحاولة الانفصال التي فشلت وأودت بحياة الآلاف في عام 1994. فكان يملك الرئيس علي صالح ما يكفي من المال والولاء ولم يشعر بأي وخز ضمير إزاء استخدام الجهاديين الإسلاميين للقتال نيابة عنه.
وفي العام الذي أعقب الحرب، بلغت صادرات اليمن من النفط الخام 1.43 مليار دولار، أي 85 في المئة من إجمالي قيمة صادرات اليمن. وظلّ النفط يمثل المصدر الرئيسي للنقد السريع في خزينة الدولة واستفاد منه بشكل حصري الأشخاص ذوو النفوذ وأنصار الرئيس وأولئك الذين يمكنهم الحفاظ على سلطة حزبه. وكان عدد الشيوخ القبليين وحجم الأموال التي أنفقها الرئيس علي صالح لكسب ولائهم هائلَين. هذا وأخذت التكاليف التي تضمن دعمهم أشكالًا مختلفة من النقود، والأسلحة والمحسوبية.
ويُعدّ حميد الأحمر أحد الأمثلة على رجال القبائل ورجل الأعمال المحبوبين. إنّ حميد هو نجل الشيخ عبد الله الأحمر، وهو سياسي وزعيم قبيلة. وقد حقق حميد ثروة شخصية كبيرة بصفته رئيسًا لمجموعة الأحمر، وهي شركة متعددة الأنشطة تضم شركة الاتصالات "سبأفون"، و"بنك سبأ الإسلامي"، وعددًا كبيرًا من مناطق الامتياز النفطي. هذا وشارك حميد الأحمر في لجنة النفط والتنمية داخل البرلمان، وهي لجنة مؤلفة من 16 عضوًا وتوافق على اتفاقات تقاسم انتاج الجمهورية اليمنية مع شركات نفط عالمية.
لقد وفّر النفط تدفقًا كبيرًا للإيرادات، ما أدى إلى الاستمرار في ضمان الولاء للرئيس صالح، وكان ذلك ضروريًا لتأمين هذا المورد خلال أسوأ الدورات الاقتصادية. ففي عام 2015، على سبيل المثال، سيطر تنظيم "القاعدة" على ساحل حضرموت الذي يوجد فيه أهم منفذ لتصدير النفط. وعلى الرغم من أن الحكومة اليمنية الشرعية أعلنت توقُّف إنتاج النفط وتصديره لمدة 18 شهرًا، إلا أن التقارير الإخبارية أشارت إلى أن "القاعدة" واصلت تسويق النفط وبيعه في المكلا. ووفقًا للتقرير، كان زعماء التنظيم على اتصال مع عملاء محليين أو سفن في البحر لإتمام الصفقات. وأشارت بيانات أخرى إلى أن قيمة صادرات النفط الخام في عام 2015 بلغت 715 مليون دولار، وبلغت قيمة صادرات الغاز النفطي 715 مليون دولار أيضًا.
لم يذكر أي من هذه التقارير والبيانات السابقة من هم الوكلاء، لكن وفقًا لتقرير مماثل، تمكّن علي محسن الأحمر ( ليس له صلة قرابة بحميد الأحمر) ، نائب الرئيس الحالي، من تنحية عبد ربه منصور هادي جانبًا، وتفاوض في عام 2014 على عقود الطاقة مع الصين مباشرة. وفي السياق نفسه، عمل أبناء علي محسن بصفتهم وكلاء في مأرب لبيع منتجات الطاقة اليمنية، ما يؤدي إلى الاعتقاد بأن حميد قد يتعاون في إبرام مثل هذه الصفقات، لا سيّما وأن علي محسن معروف بعلاقته مع رجال الدين المتطرفين والمسلحين الذين تمّ ربطهم بأنشطة إرهابية في اليمن.
ومن غير المرجح أن يكون لتنظيم "القاعدة" علاقة مباشرة مع العملاء المحتملين، مثل الصين، التي تستورد نسبة كبيرة من النفط اليمني، لذلك كان من المهم وجود وسيط. وقد أعطى ذلك الترتيب غطاء للصين للإشارة ضمنًا إلى أنها لا تتعامل مع المتطرفين ولكي تحافظ على مكانتها السياسية والاقتصادية حول العالم.
من يسيطر على نفط اليمن؟
وفقًا لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، تمتلك اليمن احتياطيات نفطية مؤكدة تبلغ حوالى 3 مليارات برميل و17 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي. وبالإضافة إلى ذلك، تحتل اليمن المرتبة 29 من بين الدول التي لديها احتياطيات نفطية مؤكدة والمرتبة 32 من حيث احتياطي الغاز الطبيعي. وعلى الرغم من أنه لا يمكن مقارنة احتياطيات اليمن النفطية المؤكدة باحتياطيات البلدان المجاورة، إلا أنها كافية لتلبية الطلب المحلي والتصدير.
ومع ذلك، يشهد إنتاج النفط في اليمن انخفاضًا بسبب الأزمة الأخيرة. ويذهب جزء كبير من هذه الإيرادات إلى جيوب أصحاب النفوذ بطرق مشروعة أو غير مشروعة. وعلى سبيل المثال، في عام 2017، قال المدير التنفيذي لشركة "صافر"، وهي شركة نفط مملوكة للدولة، إنّ الوحدات الأمنية المسؤولة عن حماية حقول النفط في مأرب تقوم بسرقة النفط ونهبه. وأشار الرئيس التنفيذي للشركة إلى وجود قادة عسكريين وراء هذه العمليات وأنه قد تم نقل الكميات المنهوبة إلى المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين. ووفقًا للمصدر نفسه، تخضع ناقلات النفط لحماية اللواء 107، فهو المسؤول عن حماية النفط في المنطقة "الأكثر أمنًا" ويتلقى مخصصات من الحكومة اليمنية.
ثمانون في المئة من احتياطيات اليمن من النفط موجودة في حوض المسيلة في محافظة حضرموت. وعلى الرغم من أن حماية هذه الشركات تقع على عاتق القوات العسكرية الحضرمية، إلا أن حميد يسيطر على "بتروماسيلا"، شركة البترول المملوكة للدولة، التي تعمل في حقول المسيلة النفطية.
كيف يمكن تحقيق الأهداف السياسية؟
أدت جهود التحالف العربي في اليمن إلى تحرير جنوب اليمن، إلى جانب مناطق أخرى في الشمال - مثل محافظة مأرب. غير أنّ عددًا كبيرًا من المحافظات المحررة يتخذ شكل دويلات، بما في ذلك محافظتي المهرة ومأرب، اللتين ترفضان تقديم أي إيرادات للحكومة. هذا وشكّلت حضرموت قواتها العسكرية الخاصة، كما فعلت شبوة وعدن بدعم من دول التحالف العربي، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة. فإن كل من وجود قوات محلية في جنوب اليمن وتعاظم سلطات الحكام المحليين يزيد من فرص حصول الجنوبيين على مطالبهم، ويزيد حتى من فرص الاستقلال.
ولكن تجدر الإشارة إلى أن الحقائق الاقتصادية تقف عائقًا أمام هذه الطموحات. إذ تظل موارد البلاد - معظمها في حضرموت وشبوة - في قبضة الحكومة، والقادة العسكريين والموالين ذوي النفوذ. وتربطهم جميعًا علاقات قوية مع أطراف أخرى في النزاع في اليمن - مثل "حزب الإصلاح" وتنظيم "القاعدة".
لقد واصل علي صالح استعمال النقود لكسب ولاء رجال القبائل والمتشددين الإسلاميين بهدف البقاء في السلطة ويبدو أن الحكومة الحالية تتبع النهج نفسه. ولعلّ علي محسن - نائب الرئيس منذ عام 2016 - هو خير مثال على ذلك. فقد كان محسن الرجل الثاني في اليمن بعد صالح، وخاض حرب الانفصال والحروب ضد الحوثيين - لكنه تخلى عن صالح عندما بدأ يفقد شرعيته في عام 2011.
يعتقد بعض المراقبين أن "حزب الإصلاح" سيستمر في الصمود وربما سيحكم اليمن – ويعزى ذلك جزئيًا إلى الدعم القوي الذي يتلقاه حزب الإصلاح من عائلة الأحمر. كما يعتقد مراقبون آخرون أنّ المجلس الانتقالي الجنوبي سوف يكتسب نفوذًا أكبر إذا ما مُنح الحق في السيطرة على مناطق مثل بيحان ووادي حضرموت، التي تضم أكبر احتياطيات نفطية في اليمن. وعلى الرغم من أن بيحان تقع في شبوة، جنوب اليمن، فقد صدر مرسوم رئاسي العام الماضي يقضي بإدراجها عسكريًا تحت مأرب، شمال اليمن، وهو قرار أثار استياء المنطقة الجنوبية.
وعلى أي حال، تعتمد الإنجازات السياسية في اليمن على الوصول إلى مصادر الثروة وعلى السلطة الضرورية لحمايتها - بهدف حفظ كل من الحزب الحالي ورئيس الدولة في السلطة.