- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
لماذا يكافح أكراد سوريا سياسيا؟
هناك مثل كردى قائل بأن "الكردي يخسر على طاولة المفاوضات خلال ساعات ما ربحه عسكرياً طوال سنوات."
على الرغم من أن المنظمات الكردية السورية قد أثبتت فعاليتها العسكرية في السنوات الأخيرة خلال حربها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أنها لم تتمكن من ترجمة نجاحاتها في ساحة المعركة إلى انتصارات سياسية حتى الآن.
إحدى العقبات الرئيسية التي تحول دون حصول الأكراد السوريين على السلطة السياسية تتمثل في الصعوبات التي يواجهونها في تشكيل جبهة موحدة، على الصعيدين الدولي والمحلي. ففي سوريا، لا يزال هناك عداوة مريرة بين حزبين سياسيين كرديين: حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي، حيث قام حزب الاتحاد الديمقراطي سابقا بالقيام بعدة اعتقالات في صفوف قيادات المجلس الوطني الكردي، ومنعه من عقد اجتماعاته ومؤتمراته، وحرق مكاتبه، ناهيك عن التراشق الإعلامي العنيف بين الطرفين والذي أدى إلى تدهور العلاقات بين القواعد الشعبية لتلك الأحزاب.
على المستوى الإقليمي، فإن العلاقات التي تربط حزب الاتحاد الديمقراطي مع حزب العمال الكردستاني في تركيا تشير إلى أن حزب الاتحاد الديمقراطي قد فشل في التغلب على خلافاته مع حكومة في كردستان العراق، التي لديها ارتباطات مع المجلس الوطني الكردي وتنظر إلى حزب العمال الكردستاني على انه منظمة منافسة. ونتيجة لذلك، أضاع حزب الاتحاد الديمقراطي الكثير من الفرص للاستفادة من حدوده المشتركة مع كردستان العراق والتي أغلقت أكثر من مرة نتيجة توتر العلاقات بينهما.
بالإضافة إلى ذلك، فشل الأكراد في التقرب من تركيا، والابتعاد قدر الإمكان عن خلق عداوات معها، كما تسببوا بزيادة الضغط التركي على الولايات المتحدة للحد من توفير مساعداتها للمناطق الكردية السورية، حيث تمثل ارتباطات حزب الاتحاد الديمقراطي بحزب العمال الكردستاني- الذي تعتبره الحكومة التركية منظمة إرهابية محلية - المصدر الرئيسي وراء قلقها. وبالمثل، أثر النزاع بين حزب العمال الكردستاني وتركيا على علاقة حزب الاتحاد الديمقراطي مع حلفاء تركيا في سوريا. وقد أثرت تلك التوترات أيضا سلبًا على قدرة حزب الاتحاد الديمقراطي على إدارة الحكم الذاتي في سوريا وحرمته من الاستفادة من حدود المشتركة مع تركيا.
وعلى الساحة الدولية، لم يتمكن الأكراد من بناء علاقات دولية جيدة ومتعددة، ولم يتمكنوا من الحصول على الاعتراف بإدارتهم الذاتية في سوريا، ولم يسمح لهم بالمشاركة بوفد كردي مستقل يمثلهم في المؤتمرات الدولية التي ناقشت الوضع في سوريا. ومما زاد الطين بلة، هو فشل الأكراد أنفسهم في تشكيل هيئة سياسية قادرة على تعزيز وترويج مصالحهم في مثل هذه المؤتمرات.
على الرغم مما سبق، يمكن للمنظمات الكردية في سوريا أن تتخذ بعض التدابير اللازمة للتغلب على العقبات التي تواجهها ولتحسين موقفها السياسي. ولتحقيق ذلك، يجب عليهم أولاً أن يعملوا على الحد من تأثير القوى الكردية الإقليمية - مثل كردستان العراق وحزب العمال الكردستاني - على عملية صنع القرارات السياسية السورية - الكردية الداخلية. وبفصل هذا الأخير عن السابق، ستتمكن الأحزاب الكردية السورية من تمثيل مصالحها بشكل أكبر أمام المجتمع الدولي، وبشكل منفصل عن الصراعات الإقليمية الأوسع.
وبالتالي، يجب أن يسعى الأكراد السوريون إلى توحيد صفوفهم لاسيما حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني الكردي - في هيئة سياسية موحدة. ومع أنّه من شبه المستحيل تأسيس جسم سياسي موحد عن طريق الاندماج، لكن يمكن تأسيس ائتلاف من القوى السياسية الكردية في روج آفا وشرق الفرات، وهذا ليس صعباً إن علمنا إن معظمهم متفقون في رؤاهم السياسية حول مستقبل سوريا. وبعد الانتهاء من المصالحة الداخلية، يمكن أن يقوم المجلس الوطني الكري بدور جيد في بناء علاقات وديّة مع تركيا ومحاولة فتح المعابر والسماح بدخول المواد التجارية الضرورية عبر البوابات التركية والتي ستستفيد منها تركيا أيضاً.
أما الولايات المتحدة والتي ترتبط مصالحها بالمحافظة على الاستقرار ومنع عودة تنظيم "داعش" في المنطقة الواقعة شرق الفرات، يمكنها أيضا أن تقدم يد المساعدة، حيث يمكنها أن تلعب دورا كبيراً في التوسط بين الأكراد أنفسهم، وذلك على غرار ما فعلته عام 1998 بين أكراد إقليم كردستان العراق عندما عقدت بينهم اتفاقية واشنطن آنذاك حيث عزز ذلك الاتفاق الوحدة الداخلية لأكراد العراق، كما سمح للمجموعات المتباينة بالتركيز على الأهداف المشتركة بينهم. كما يمكن أن تعمل الولايات المتحدة على التوسط بين الأكراد وتركيا، مع إعطاء ضمانات للأخيرة بأن شرق الفرات لن تتحول لقاعدة لحزب العمال الكردستاني.
وبالتالي، فان العمل على تحقيق قدر كبير من الوحدة بين الأطياف الكردية المتعددة من شأنه أن يوفر للأكراد السوريين فرص أكبر للنجاح على طاولة المفاوضات. وسيكون من الحكمة أن توفر الولايات المتحدة الدعم المطلوب لتسهيل تلك الوحدة، وهو ما سيساهم في تعزيز مصالحها الخاصة.