- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
ماذا بعد محاولة اغتيال مصطفى الكاظمي؟
مع الانتهاء من نتائج الانتخابات العراقية، أصبحت مسألة كيفية استجابة الميليشيات العراقية لوجودها المتراجع في البرلمان أكثر بروزا.
تعيش العاصمة العراقية بغداد حالة من الحذر والترقب والخوف من المجهول، منذ إعلان النتائج الأولية للانتخابات النيابية المبكرة، لاسيما بعد أن أظهرت النتائج تهاوي قوى السلاح أمام غريمهم التقليدي "مقتدى الصدر"، الذي بدى منتشيا وحازما تجاه خصومه في خطابين ناريين وما بينهما مجموعة من التغريدات بدت جميعها أقرب إلى السعي لبسط نفوذ الزعامة على القوى الشيعية وخصوصا تلك المسلحة منها، والتي لم يتردد إطلاقا بإعلان نيته سحب سلاحها وحصره بيد المؤسسة الأمنية.
من جانب آخر يترقب الجميع تصديق المحكمة الاتحادية الانتخابات على النتائج النهائية والتي من شأنها تأزيم الموقف أكثر مما هو عليه الآن، خصوصا بعد أن أعلنت قوى مسلحة وفي مقدمتها "كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق" عن نيتها التصعيد المسلح إذا ما تغيرت النتائج أو الذهاب تجاه حكومة توافقية لها نصيب فيها. وهذا يبرر بقاء أنصار تلك الفصائل وقوى الإطار التنسيقي الشيعي، معتصمين منذ أسابيع في محيط المنطقة الخضراء، والتلويح بين فترة وأخرى باقتحام المنطقة التي تضم داخلها معظم المقار الحكومية بما فيهم "الحكومة ومفوضية الانتخابات وبعثة الأمم المتحدة"، ومعظم بيوت كبار المسؤولين التي تعرض أبرزها وهو بيت رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، إلى قصف بالطائرات المسيرة (من دون طيار) في محاولة اغتيال صريحة كادت تؤدي إلى مقتله وأصيب خلالها 7 من طاقمه.
بعد المحاولة فاشلة لاغتيال رئيس الوزراء العراقي بدأت تحركات أمنية مكثفة في المنطقة الخضراء وبغداد عمومًا، وبعد التصريح الذي ادلى به رئيس الوزراء فيما يخص مرتكبي جريمة اغتيال ضابط المخابرات العقيد نبراس فرمان، خفضت الميلشيات الموالية لإيران من تصعيدها وهنا اقصد بعضهم لا كلهم، لكن تحديدًا تلك التي هددت الكاظمي قبل يوم واحد من محاولة اغتياله لم تكن مقتنعة بالتهدئة وسلكت مسارا آخر.
الاستنكار الشعبي والدولي واسع النطاق جعل الذين اقدموا على تلك العملية وشركائهم في إيران بموقف سلبي للغاية مما اضطر طهران إلى إرسال قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قآاني إلى بغداد وترأس اجتماعا خاصا مع قادة الميليشيات الشيعية، التسريبات الأولية للاجتماع تقول إن طهران مستاءة من تلك التصرفات التي جعلتهم في موقف لا يحسدون عليه وتقول طهران لاؤلئك القادة انه أمامهم خيارين: أما أن يضحوا ويفصحوا عن من قام بتلك العملية أن كانت لهم يد في ذلك، أو أن تقطع طهران كليًا علاقتها بهم وتعيد ترتيب أوراقها في التعامل مع أشخاص اخرجن في المنطقة غيرهم كون الأمور بدأت تخرج عن السيطرة والتصرفات الأخيرة أصبحت محط إزعاج لإيران.
هذا الحديث من المفترض أن يكون صارمًا ويؤخذ بجدية، لكن في الواقع ما حدث بعد الاجتماع، يؤكد أن هنالك تمردًا واضحًا من قبل بعض قادة الميلشيات، حيث بدأت جماهير الميليشيات الخاسرة في الانتخابات (وبتوجيه من قياداتها) ببناء سواتر ترابية، وعادة تلك السواتر تبنى فقط في حالة الاشتباكات الحربية المسلحة حيث فسرها مراقبون بعد إزالتها كخطوة أخرى تنذر بان تلك الجهات مستعدة للمواجهة.
ما الذي سيحدث؟
إن المواجهة حتمية ما بين الدولة والميليشيات، ومسلسل الدم حاضر، لكن هل هي مواجهة مسلحة واشتباكات عنيفة؟ ذلك محتمل بنسبة ضئيلة، لكن المتوقع في الوقت الراهن وبحسب المعطيات والتسريبات والتقارير أن سلوك الاغتيالات سيكون أول الخطوات وهذا هو أحد أنواع المواجهة المحتملة بنسبة كبيرة، ومن سيقوم بالاغتيالات هم أنفسهم الجهات المسلحة الأكثر تضررًا.
أصبحت الميليشيات أكثر اضطرابًا وانتشارًا بعد مقتل قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني. وقد أثبت إسماعيل قاآني أنه لا يسيطر عليهم بشدة مثل سلفه. ومع ذلك، بالنسبة لعملية بهذا الحجم - محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي - يقدر جيسون أن طهران ستكون على الأقل على علم بالخطط، هذا ما قاله الباحث في شؤون الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية في الشرق الأوسط جيسون برودسكي.
بحسب رويترز، فقد علمت إيران بالخطط لاستهداف الرئيس العراقي، ويقول جيسون أن الأسواء من أن إيران علمت بذلك مسبقًا هو أنها لم تفعل شيئًا حيال ذلك. وهذا يدل على تواطؤ إيراني وهجوم على الدولة العراقية.
يعتقد جيسون أن قاآني يفتقر إلى مكانة سليماني وقدرته على إدارة الميليشيات. المهارات اللغوية والعلاقات الشخصية وكذلك التاريخ المشترك مفقودة.
ولهذا رأينا حزب الله ومحمد كوثراني وآخرين يساهمون في ملء الفراغ، لكن هذا لا يعني عملية مثل اغتيال رئيس الوزراء العراقي بهجوم بطائرة بدون طيار، عملية لا تعرف عنها طهران مسبقًا أن هذا أمر ليس بجدير بالثقة.
وفي خضم الإجراءات التحقيقية تواصل كاتب المقال مع مسؤولٍ أمنى من ضمن اللجنة التحقيقية المختصة بالتحقيق في حادثة محاولة اغتيال رئيس الوزراء العراقي، قال المصدر رافضًا الكشف عن اسمه، "إن الإجراءات الأمنية تضمنت تشكيل فريق من الأجهزة الأمنية لأجل جمع الأدلة وكشف الفاعلين بالدرجة الأولى كشخوص ومن بعدها الكشف عن من يقف ورائهم".
المصدر أكد أن الأطراف الرئيسية المتهمة هي: "عصائب أهل الحق وكتائب حرب الله وكتائب سيد الشهداء"، حيث نوه المسؤول الأمني إلى أن إيران كانت على علم مسبق بحالة التصعيد ضد رئيس الوزراء ويبدو أنها راضية عن ذلك لكن لا نعلم أن كانت على علم بخطة استهداف محل إقامة الكاظمي بالطائرات المسيرة أم لا.
وشدد المسؤول الأمني رفيع المستوى على إن من قام بقتل العقيد في جهاز المخابرات (نبراس) هي مجموعة من الميليشيات وكان ذلك واضحًا من تصوير كاميرات المراقبة وانها نفس الجهة التي أرادت اغتيال رئيس الوزراء، موجهًا اصابع الاتهام إلى حركتي عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله، مضيفًا إلى أن "الانتخابات بينت أن الميليشيات الموالية لإيران ليس لديها قاعدة شعبية كما أنها خسرت قاعدتها السياسية كمقاعد في مجلس النواب والأحداث التي حصلت مساء يوم الجمعة ٥-١١ بينت بوضوح أن القوات الأمنية العراقية قادرة على مواجهة الميليشيات حتى النهاية وانها ستمنع أي محاولة جديدة من الميليشيات لدخول المنطقة الخضراء".
وبعودة سريعة لأحداث الخامس من نوفمبر حيث وقعت اشتباكات بين قوات الأمن العراقية ومتظاهرين رافضين لنتائج الانتخابات يحاولون دخول المنطقة الخضراء حيث خلفت وبحسب إحصائيات المراكز الصحية في بغداد قرابة قتيلين و346 جريحا من بينهم 276 جريحا من قوات الأمن، وحاول مناصرون لفصائل موالية لإيران اقتحام المنطقة الخضراء والتي تضم عديدا من السفارات، وتصدت لهم قوات الأمن.
وفي سياق الاتهامات، تواصل الكاتب مع المكتب السياسي للجهة الأبرز في دائرة الاتهام وهم ميليشيا عصائب أهل الحق ووجه لهم سؤالًا حول موقفهم من الاتهامات الموجهة ضدهم في التخطيط لاغتيال رئيس الوزراء خصوصًا وانهم المتضرر الأكبر مننتائج الانتخابات العراقية، لكنهم اعتذروا عن الرد كما الحال مع قادة الجناح العسكري في نفس الفصيل اعتذروا عن الرد ولم ينفوا علاقتهم بما اتهموا.
وفي وقتٍ سابق استقبل اكبر المتضررين من نتائج الانتخابات النيابة المبكرة أمين عام ميليشيا عصائب أهل الحق قيس الخزعلي المبعوثة الأممية جينين هينس بلاسخارت في لقاءٍ خاص كشف عن تفاصيله المتحدث باسم المكتب السياسي محمود الربيعي في لقاءٍ متلفز قائلا إننا اطلعنا المبعوثة على أدلة تثبت أن هنالك تزوير في نتائج الانتخابات مضيفا أن المبعوثة قد صدمت مما راته وأكدت لهم حسب قول الربيعي بانها ستعرض ذلك على مجلس الأمن والجهات المعنية كمفوضية الانتخابات, الجدير بالذكر أن قادة الأحزاب الخاسرة في الانتخابات النيابة كانوا ولا زالوا يتهمون بشكل واضح وصريح هُم وجمهورهم بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق يونامي ومبعوثتها بلاسخارات بتزوير الانتخابات, مما انتج عن تحريض حاد ضد البعثة وحمل يافطات تتهم البعثة بقيامهم بمؤامرة ضدهم في مواقع اعتصامهم في المنطقة الخضراء.
وبسياقٍ متصل صرحت المبعوثة الخاصة بلاسخارات في كلمتها لمجلس الأمن بان الأطراف التي ترفض نتائج الانتخابات شرعت بالتظاهر والاعتصام، وتصاعدت حدة تلك التظاهرات والاعتصامات في الخامس من تشرين الثاني، وتم الإبلاغ عن خسائر بشرية في بغداد، وفي الساعات الأولى من صباح يوم السابع من تشرين الثاني، وقعت محاولة اغتيال استهدفت رئيس الوزراء، وهي بمثابة هجوم مباشر استهدف الدولة، وفعل شنيع لا يمكن إلّا أن يدان بأشد العبارات. حيث إضافة بلاسخارات بإن لا يجوز تحت أي ظرف السماح للإرهاب والعنف أو أي أعمال غير قانونية أخرى بإخراج العملية الديمقراطية عن مسارها في العراق.
مضيفة أية محاولات غير مشروعة تهدف إلى إطالة أو نزع مصداقية عملية إعلان نتائج الانتخابات، أو ما هو أسوأ كالقيام بتغيير نتائج الانتخابات عبر الترهيب وممارسة الضغوط، لن تسفر إلا عن نتائج عكسية. حيث دعت المبعوثة كافة الأطراف المعنية إلى عدم الدخول في هذا المنزلق.
كما أكدت أن إجراء الانتخابات تخللته صعوبات، مشيرتا رغم ذلك تمت إدارتها فنياً بشكل جيد وهو امر تستحق المفوضية العليا للانتخابات التقدير عليه.
ما جاء في خطاب المبعوثة مختلف تماما عما صرحت به ميليشيا عصائب أهل الحق وهو اعتراف أخر بنتائج الانتخابات النيابية المبكرة مما ينذر بان تلك الفصائل المسلحة ستغير من قواعد اللعبة والاشتباك مما يؤكد ذلك تصريحات نارية للخارجية الامريكية تدق فيها ناقوس الخطر في العراق حيث نص البيان الذي نشر على موقع السفارةالأميركية في بغداد بنصح المواطنين الأمريكيين بعدم السفر للعراق بسبب "الإرهاب والاختطاف والصراع المسلح والاضطرابات وفيروس كورونا المستجد، وكذلك قدرة البعثة الأمريكية المحدودة على تقديم الدعم للمواطنين الأمريكيين، مؤكدتا على تجنب مناطق المظاهرات وتوخي الحذر في محيط التجمعات أو الاحتجاجات الكبيرة.
إن الأحداث المتصاعدة في العراق تطرح جمعٌ من التساؤلات أبرزها إن رغم تأكيدات الحكومة العراقية من معرفة المتلاعبين باستقرار المنطقة ومعرفتها بمن حاولوا استهداف رئيس الحكومة لماذا لم تتخذ إجراءات حاسمة ضد تلك الجهات؟ وما مدى قدرة السلطة على المواجهة؟ فوفقا للمعطيات إن المواجهة التي طال الحديث عنها حتمية وخلافها خيارين أما ترضية سياسية للأطراف الخاسرة وهذا يستوجب بعض التنازلات وهو الأمر الذي لن يقدم عليه أكبر المستحقين والفائزين وهو الصدر أو إلغاء الانتخابات ونتائجها وهو امرٌ مستبعد ولن يرتضيه الطرفين الأخرين السنة والكرد وكل ذلك سيؤدي إلى انسدادٍ سياسي سيعيدنا إلى اقتتال ينتقل من الساحة السياسية إلى الشارع.
وبحسب الراجح فإن الصدر ذاهب إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية "كما وصفها"، وهذا لن يعجب قوى الإطار التنسيقي الشيعي المطالبة بحكومة توافقية تشترك فيها بالرغم من خسارتها للانتخابات، وهذا قد يتسبب بتوتر أكبر بين القوى الشيعية، لاسيما وأن بعض الفصائل الشيعية أعلنت بشكل صريح عن عزمها مقاتلة القوات الأمريكية في حال عدم انسحاب تلك القوات من العراق نهاية العام الجاري، بالتزامن مع دعوة الصدر لحل تلك الفصائل وتسليم سلاحها إلى الدولة، وهذا ما رفضته الفصائل رفضا قاطعا وأكدت أن سلاحها لن يسلم إلا بيد الإمام الغائب (المهدي المنتظر)، أي إنها لن تسلم سلاحها لأحد حتى يوم القيامة، في وقت تشير الأنباء إلى أن القوات الأمريكية ستبقى في العراق بصفة استشارات وتقديم خدمات استخباراتية، ما يؤكد أن المواجهة قادمة لا محال في ظل إصرار الفصائل الشيعية على ذلك مع خسارتها للانتخابات النيابية وتصاعد حدة خطابها الإعلامي.