- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
معالجة الأزمات الإنسانية والأمنية في مخيم الهول
مع تأخر الدعم الدولي وتدهور الأوضاع في الهول والمناطق المحيطة، تزداد أهمية المساعدات الإنسانية وإعادة اللاجئين إلى وطنهم.
ليس المخيم منزلاً. ولكن بالنسبة لقرابة 62000 شخص – من بينهم أطفالٌ يُقدَّر عددهم بحوالي 27000- أصبح مخيم الهول في سوريا محطة دائمة وبات يشكل ما أسماه المرصد السوري لحقوق الإنسان "دويلة صغيرة". فالمخيم يضم مراكز صيرفة ومرافق طبية ومتاجر متنوعة، ولكن الهول يشكل في الوقت نفسه مسرحًا لبعض أكثف أعمال العنف في شمال سوريا منذ تفكيك خلافة "داعش" في أوائل العام 2019. وفي ضوء ذلك، تعتبر إعادة المواطنين الأجانب إلى ديارهم وزيادة المساعدات الإنسانية خطوتين أساسيتين لمواجهة هذا الخطر.
يُذكر أن المخيم يعود إلى ما قبل الحرب مع "داعش"، حيث أنشئ في العام 1991 خلال حرب الخليج بهدف إيواء العراقيين النازحين بسبب المعارك. ثم تغيّر الغرض منه عام 2016 خلال حرب التحالف الدولي على "داعش" وبات مخصصًا لاستضافة النازحين العراقيين والسوريين، لكن عائلات مقاتلي "داعش" التي وقعت في الأسر أصبحت هي أيضًا مقيمة في المخيم مع انهيار تنظيم "الدولة الإسلامية". وحاليًا ينقسم المخيم إلى تسعة مجتمعات مختلفة، ثمانية منها تأوي نازحين داخليًا من السوريين والعراقيين، في حين أن المخيم التاسع – وهو نفسه مقسم إلى خمسة مجتمعات - يضم عائلات عناصر "داعش".
مع أن "قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة مكلّفة بحفظ الأمن في المخيم، إلا أن أنصار "داعش" داخل المخيم – من زوجات المقاتلين وأراملهم وأطفالهم - يعتمدون على هذا العنف لإثبات هيمنتهم على تلك القوات.
فخلايا "داعش" النائمة داخل مخيم الهول تعمد على تعنيف الضحايا المحتملين والترصد لهم. وهناك تُقطع رؤوس اللاجئين أو تُطلق النار عليهم أو يصابون من جرّاء القنابل اليدوية؛ وفي إحدى المرات، قُتل شرطي بمسدس مزود بكاتم صوت. وخلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام، قُتل نحو 40 رجلاً وامرأة، من بينهم موظف في منظمة "أطباء بلا حدود" وطفلان.
ولكن العنف المستمر دفع "قوات سوريا الديمقراطية" في الآونة الأخيرة إلى مداهمة المخيم، فنفّذت في 26 آذار/ مارس سلسلة مداهمات اعتقلت خلالها أكثر من 53 شخصًا وألقت القبض على عنصر في قيادة "داعش" - وهو أبو سعد العراقي - بحسب ما كشفه المتحدث الرسمي باسم عملية "العزم الصلب" العقيد واين ماروتو. كما تم الكشف عن أسماء 4089 مقيم مرتبط بـ"داعش".
بعد حملة المداهمة، غرّد القائد العام لـ "قوات سوريا الديمقراطية" اللواء مظلوم قائلاً إنه على الدول "استعادة مواطنيها وتقديم المزيد من الدعم الإنساني". وقد تم تعليق المساعدات والأنشطة الإنسانية أثناء المداهمة، وبالرغم من استئناف بعض تلك العمليات، ليس واضحًا ما إذا تمكنت كلها من متابعة العمل مرة أخرى. وأفاد أحد التقارير الداخلية عن نهب ممتلكات منظمة غير حكومية وإحراق مدرسة وتضرر أحد مرافق رعاية الأطفال و"تضرر" مبنى إداري خلال المداهمة.
والواقع أن المنظمات الإنسانية العاملة داخل المخيم تشدد على مخاطر السماح باستمرار الوضع الحالي. وفي هذا السياق، قال مدير الطوارئ لمنظمة "أطباء بلا حدود" في سوريا ويل تيرنر: "نخشى أن الاعتبارات الأمنية تعلو على الاحتياجات الإنسانية والطبية. بغض النظر عن الخلفية والجنسية والوضع القانوني وبلد النازح، يحق لكل شخص الحصول على الرعاية الصحية والمساعدة الإنسانية في الوقت المناسب". وأضاف: "لا بد من مواصلة تقديم المساعدات الإنسانية لمخيم الهول وتوسيع نطاقها، ولا بد أيضًا من السماح لمنظمات المعونة بالوصول إلى كافة أنحاء المخيم بدون أي عراقيل. ويجب معاملة الأشخاص المرغمين على العيش في المخيم بطريقة عادلة وكريمة وإنسانية، مع ضمان حصولهم بدون عائق على الخدمات الإنسانية بالتماشي مع القانون الدولي الإنساني والمبادئ الإنسانية".
يرى الكثيرون أن أحد أبرز السبل لتخفيف العبء الأمني عن كاهل "قوات سوريا الديمقراطية" والتخفيف من حدة الوضع الإنساني في المخيمات هو إعادة المواطنين الأجانب المقيمين في المخيم، والبالغ عددهم نحو عشرة آلاف شخص، إلى ديارهم. ويشار إلى أن هؤلاء يتحدرون من 57 دولة، ومعظمهم من الفرنسيين، يليهم الألمان والهولنديون ثم السويديون والبلجيكيون والبريطانيون.
في حين أعادت روسيا وكازاخستان منذ العام 2019 أكثر من 200 مواطن إلى الديار، تضاءل المعدل الإجمالي لعودة المواطنين الأجانب - بمن فيهم الأطفال – إلى الوطن، ويعود ذلك جزئيًا إلى التعقيدات الناجمة عن جائحة فيروس كورونا. كما أن الدول التي أخّرت عملية العودة عزت بعض الصعوبات في إعادة مواطنيها إلى عدم وجود إطار قانوني دولي لاحتجاز المغتربين ومحاكمات الترحيل.
كما جادلت الدول الغربية كفرنسا أن مواطنيها الذين ارتكبوا جرائم مع "الدولة الإسلامية" يجب أن يحاكموا في الدول التي ارتكبوا فيها جرائمهم. وثمة سابقة لهذا الأمر - ففي العام 2019، حُكم على سبعة مواطنين فرنسيين بالإعدام شنقًا في العراق. والأهم هو أن الرأي العام في تلك الدول نادرًا ما يؤيد عودة المتطرفين أو أطفالهم. فقد توصل استطلاع للرأي أجري خلال كانون الأول/ديسمبر في فرنسا إلى أن 89 في المائة من المستطلَعين يعارضون فكرة العودة إلى الوطن. وقد أعطت فرنسا الأولوية لترحيل الأيتام والأطفال الذين وافقت أمهاتهم على الانفصال عنهم، كما حصل مع طفل في السابعة من العمر تم نقله إلى فرنسا للحصول على رعاية طبية عاجلة.
ومع أن القضية لا تزال جارية، دعا المسؤولون الأمريكيون مؤخرًا إلى تعزيز المساعدات والتدخلات الدولية، وحثوا الدول الأوروبية تحديدًا على إعادة مواطنيها إلى ديارهم. وفي هذا الإطار، قال القائم بأعمال المبعوث الخاص الأمريكي إلى التحالف الدولي لهزيمة "داعش" جون جودفري في أواخر آذار/مارس: "نحث المجتمع الدولي على البحث في كيفية دعم المنظمات الإنسانية التي تعيل اليوم هؤلاء السكان، فضلاً عن النظر في إعادة المواطنين للمساعدة على تخفيف الحمل عن شركائنا المحليين".
ومع ذلك، لا يمكن أن تكون عودة النازحين إلى الوطن هي الحل الوحيد، خاصة وأن العديد من سكان الهول هم من اللاجئين السوريين والعراقيين، ولا يُبذل جهدٌ يُذكر لمعالجة الأوضاع المعيشية التي تصفها المنظمات الإنسانية ومنظمات حقوق الإنسان بـ"اللانسانية". وعلى النحو نفسه، لا يوحي الوضع خارج الهول بالتفاؤل للسوريين والعراقيين الذين يتطلعون إلى العودة إلى ديارهم. فمحافظة دير الزور المحيطة بالمخيم تعاني من أوضاع أمنية متردية واقتصاد مشلول تقل فيه فرص العمل أو تتدنى فيه الرواتب. كما أن ممارسات الوصم المتزايدة بحق الذين عاشوا في المخيم خلال السنوات القليلة الماضية أنتجت أيضًا وضعًا قابلاً للانفجار في المناطق التي كانت يومًا موطنهم. وقد قال البرلمان الأوروبي في آذار/مارس في قرار يحث على ترحيل الأطفال من المخيم إلى وطنهم، "سوريا ليست دولة من الآمن العودة إليها"، ما يزيد من صعوبة إقناع سكان المخيم بأمان العودة إلى بلادهم.
مع ذلك، فالوقت عامل جوهري في ما يتعلق بالهول. لذا يجب أن تكون لعودة الأطفال بشكل خاص الأولوية لدى الدول التي لديها مصلحة خاصة في حفظ أمنها القومي. فإعادة الأطفال إلى دول أكثر أمانًا يمنع حصول المزيد من التطرف. كما أن الذين قد يُحاكمون على جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية قد يساهمون في تعزيز الملاحقات القضائية المتزايدة ضد الجهات الفاعلة غير الحكومية في الحرب الأهلية السورية التي تدخل عامها الحادي عشر. وكذلك، في ضوء المخاطر المحدقة باللاجئين في مخيم الهول، من الحيوي زيادة المساعدات الإنسانية لمعالجة الأوضاع المعيشية هناك. وعلى حد ما ذكره المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن العادة المتبعة حاليًا بعدم تحريك ساكن تؤدي إلى تفاقم "خطر واضح وموجود على الجميع".