- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مقاربة قرآنية بديلة للمنهج الدراسي الفلسطيني الجديد
تدعو إحدى أشهر الآيات القرآنية المؤمنين للصلاة إلى الله كي يزيدهم علمًا، }"قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا"{ (20:114).
أصدرت "السلطة الفلسطينية" في أواخر عام 2018 منهجًا دراسيًا جديدًا في مراجعة هي الأولى للكتب المدرسية الفلسطينية منذ عام 2000. وفي مقارنة لهذه الآية القرآنية مع المنهج الدراسي الفلسطيني الجديد، يبرز سؤالان: هل يقدّم المنهج الحالي المعرفة إلى الطلاب بطريقة إيجابية كما يأمر الله؟ قد يتضمن المنهج الدراسي الجديد تحسينات تربوية كبيرة، لكنه يحيّد في الوقت الراهن عن هذا الهدف النبيل. أما السؤال الثاني فهو: كيف يمكن تصحيح هذا الانحراف؟ بصفتنا مدرّسين منذ وقت طويل، نقترح إطار عمل منهجيًا يعلّم الطلاب أن يكونوا معتدلين ومتسامحين ومنطقيين وموضوعيين ومنفتحين ومحبين للسلام.
نتشارك كأفراد التزامًا قويًا تجاه إحلال المصالحة والسلام الدائم بين شعبينا. لذا فإنّ المناهج التعليمية مسالمة الفلسطينية والإسرائيلية ضرورية، كما أن التعليم القائم على الوسطية هو الطريق الأفضل لتربية أطفال فلسطين على ثقافة الاعتدال والسلام.
يُذكر أن المنهج الدراسي المطبق في المدارس الفلسطينية يحتل العناوين بسبب توجّهه العدائي. فقد قدّمت الدول المانحة الملايين إلى "السلطة الفلسطينية" على أمل أن تساهم أموالها في توجيه الأطفال الفلسطينيين نحو مستقبل أكثر إنتاجيةً وازدهارًا وسلامًا. وقد صممت "السلطة الفلسطينية" بمساعدة دولية منهجًا دراسيًا جديدًا محدّثًا لمدارسها التي تعلّم الكراهية والجهاد العنيف والاستشهاد والعدائية.
إلا أنّ المنهج الدراسي لا يعلّم التعاطف والمحبة والرحمة وتخطي الأحكام المسبقة والترفّع عن الانتقام والثأر عند التعرض لمعاملة سيئة. وتقول إحدى الآيات القرآنية المفضلة لدينا: }"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"{ (49:13). ويجب أن تشكّل هذه الآية المعيار الرئيسي للحكم على سياق منهج "السلطة الفلسطينية" الدراسي.
وبعدما أدركت الواقع القاتم للإصلاحات الأخيرة، تبحث العديد من المنظمات الدولية عن البدائل. فقد أعلن الاتحاد الأوروبي مؤخرًا مراجعةً مزمعة للمنهج الدراسي الفلسطيني بعد تمرير تشريع في البرلمان الأوروبي يصرّ على أن يلبّي منهج "السلطة الفلسطينية" الدراسي معايير "اليونسكو" للسلام والتسامح. وبدورها أعربت الحكومة البريطانية عن مخاوف مماثلة، في حين وضع الكونغرس الأمريكي قانون تشجيع السلام والتسامح في النظام التعليمي الفلسطيني الشهر الفائت حيز التنفيذ.
ولحسن الحظ، هناك نموذج آخر قائم – ألا وهو التعليم وفق مبدأ الوسطية. إنها مقاربة تشجع قيم الاعتدال والمصالحة والتسامح والثقة وحسن النية والاحترام وتكمن في صميم آمالنا وتوقعاتنا، كما هي مترسخة في الفكر والثقافة والتقاليد والتعليم الإسلامي.
ويمكن إصلاح شوائب منهج "السلطة الفلسطينية" الدراسي من خلال تعليم مقاربات التفكير الابتكاري والنقدي وضبط النفس والمنطق وحل النزاع بطرق سلمية. وهذه قيم متجذرة في العقيدة الإسلامية، وهي مبادئ ترى إيمان الآخرين كأديان متناغمة وليس تصادمية.
وهكذا، عوضًا عن تعظيم الاستشهاد وتعليم الجهاد في سياق غزو عسكري، يشرح التعليم القائم على الوسطية أنه يمكن للجهاد أن يكتسب معانيَ أخرى تضمن "الجهاد ضمن الذات"، وهو مفهوم يمكن تفسيره أيضًا على أنه "صراع ضد الشر ضمن الذات". وبدلًا من غرس العدائية والعداوة والكراهية تجاه اليهود، يهدف التعليم القائم على الوسطية إلى بناء الجسور من خلال الحوار والمنطق مع التركيز على مبدأي التعاطف والرحمة اللذين هم في صميم الإسلام تجاه معاناة اليهود في أحياء الأقليات (الغيتو) في أوروبا وخلال الهولوكوست.
كما يسلّط هذا المنهج الدراسي الضوء على أمثلة تاريخية على التعايش بين المؤمنين الإبراهيميين كما كانت الحال في الأندلس. وعوضًا عن تمجيد الشعر الذي يدعو إلى "التضحية بالدم" و"القضاء على الغاصب"، يعرض التعليم القائم على الوسطية أشعارًا تصف جمال الأرض وقدسية الحياة. ففي النهاية، يجب أن يعكس الأدب الأمل والإلهام والسرور ويقدّم المتعة والجمال إلى الحياة وليس البؤس والإحباط.
علاوةً على ذلك، بدلًا من الاحتفاء بالمتطرفين العنيفين على غرار دلال المغربي التي شاركت في هجوم إرهابي أوقع 38 قتيلًا مدنيًا بمن فيهم 13 طفلًا، يشجع التعليم القائم على الوسطية الاقتداء بشخصيات إيجابية. ومن بين هذه الشخصيات المربّي خليل السكاكيني الذي قبل طلابًا يهود في مدرسته بصدر رحب، وهند الحسيني التي فتحت ميتمًا للأطفال الذين فقدوا أهلهم بعد حرب 1948، وفاطمة الفهري، المرأة المسلمة العربية التي أسست أقدم جامعة في العالم في فاس في المغرب عام 859 م.
ويقدّم نموذج التعليم القائم على الوسطية لمحةً جذابةً عمّا قد يكون عليه الحال. فهو يقدّم الأمل والتفاؤل. ولمدة عقود من الزمن، اهتم المجتمع الدولي إلى حدّ كبير بجعل الشرق الأوسط أفضل وأكثر سلميةً. لكن التجربة المريرة أظهرت أن التغيير "من الأعلى إلى الأسفل" يبقى عائقًا أمام إحراز تقدّم حقيقي. ولربما حان الوقت لانتهاج مقاربة مختلفة "من الأسفل إلى الأعلى" – باستخدام التعليم من أجل تغيير ذهنية عامة الشعب، وتبديل التصورات الخاطئة والنمطية السائدة بين العامة عبر القضاء على عدم التسامح وإصدار أحكام مسبقة كي نحافظ على قيمنا.
ويُظهر هذا النوع من التعليم أن البديل المتفائل موجودٌ أساسًا لاتخاذ الخيار الصحيح. فيحق لأطفال فلسطين أن يتربَّوا وفق نظام تعليمي سليم يؤمّن لهم المستقبل المشرق الذي يستحقونه.