- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مصر وحركة «حماس»، وفرص المصالحة
في بيان له من مقر "جهاز الأمن الوطني" في ضاحية مدينة نصر بالقاهرة، أعلن اللواء "مجدي عبد الغفار" - وزير الداخلية المصري في مطلع آذار/ مارس الماضى، عن مسؤولية حركة «حماس» عن اغتيال النائب العام المصري "هشام بركات" في حزيران/ يونيو العام الماضي. وقال عبد الغفار: "إن اغتيال بركات كان في إطار 'مؤامرة كبرى' تمت بأوامر من قيادات جماعة «الإخوان المسلمين» التي تعيش في تركيا، وبتنسيق مع الذراع الآخر المسلح للجماعة في غزة، وهو حركة «حماس» التي اضطلعت بدور كبير جداً في هذه المؤامرة منذ بدايتها حتى نهاية تنفيذها".
ورغم ذلك، فقد طالعتنا وسائل الإعلام المصرية بخبر تواجد وفد من حركة «حماس» في القاهرة بدعوة من جهاز المخابرات العامة، وذلك للتباحث حول عدد من القضايا محل الخلاف بين الطرفين، بقيادة كل من محمود الزهار، وموسى أبو مرزوق، وخليل الحية، وآخرين. حيث صرح "صلاح البردويل" - الناطق القيادي داخل الحركة، بأن الترتيب لهذا اللقاء قد تم بالتنسيق بين "خالد مشعل" - رئيس المكتب السياسي للحركة، و"خالد فوزي" - رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية. وقد جاء هذا اللقاء عقب قيام «حماس» - خلال السنوات الماضية - بعدة جولات في العديد من العواصم العربية والإسلامية، بدءاً "بالرياض، والدوحة، مروراً بطهران، وأنقرة"، بحثاً عن حل لموقفها المتأزم، ويبدو أنها أيقنت بأنها ستجد هذا الحل عند أهل القاهرة، ولما لا؟ فمصر هي الدولة الوحيدة - بين البلدان التي سبق ذكرها - التي تملك حدوداً مباشرة مع قطاع غزة، ولها القدرة للتأثير عليه بشكل مباشر. كما أن حركة «حماس» قامت في الآونة الأخيرة بأنشطة كان لها أثر بالغ الخطورة على الأمن القومي لمصر...
وقد سبقت هذا اللقاء عدة إجراءات من كلا الطرفين، للضغط على الطرف الآخر حتى يستطيع كل منهما امتلاك أوراق ضغط تفيده في عملية التفاوض، لِيُمليَ شروطه الخاصة بغية تحقيق المكاسب، وهكذا رأينا «حماس» تغازل "طهران"، وتسمح لها بممارسة نشاطها داخل قطاع غزة، وهذا أمر مزعج لمصر بشكل مباشر؛ كما حاولت استغلال عودة التقارب بين إسرائيل وتركيا، لِحث الطرف التركي على مطالبة إسرائيل ببناء ميناء بالقطاع، والسماح للأتراك بالتواجد والعمل داخله، مما أثار قلق مصر والسلطة الفلسطينية في "رام الله". فاندفع الجانب المصري لاستخدام كل رصيده من التعاون والعلاقات مع إسرائيل، قصد الإعراب عن قلقه من تلك التحركات التركية في غزة، معلناً عن رفضه الشديد لهذا المشروع الذي يمثل خطورة مباشرة على الأمن القومي لمصر، وذلك مخافة استغلال هذا الميناء لدعم الجماعات الجهادية التي تقود حركة التمرد هناك، عبر تهريب الذخائر والأسلحة إلى داخل سيناء.
كما أن التغير الحاصل في توجه السياسة الخارجية للمملكة العربية السعودية بقيادة الملك سلمان، نحو جماعة «الإخوان المسلمين» برفع اسم الجماعة من لائحة الجماعات الإرهابية بالمملكة، دفع بحركة «حماس» إلى محاولة استغلال هذا المستجد، حيث سارعت بعرض نفسها كجزء من تحالف سني بقيادة السعودية، لمواجهة المد الشيعي في المنطقة، والذي تتزعمه إيران التي أصبحت أقوى من ذي قبل بعد أن رفعت عنها العقوبات، في أعقاب الاتفاق النووي الأخير مع القوى الدولية. لكن هذه المحاولة لحركة «حماس» قوبلت بشيء من الصرامة من الجانب المصري، إذ شن جيشه حملة كبيرة على الأنفاق بين سيناء وقطاع غزة، ليدمر جزءاً كبيرا منها، ثم قام - مؤخراً في أيلول/ سبتمبر الماضي- سلاح المهندسين التابع للجيش المصري بضخ مياه البحر المتوسط في قنوات على الشريط الحدودي بين سيناء والقطاع، مما تسبب في انهيار الكثير من الأنفاق، الشيء الذي كبد «حماس» خسائر كبيرة، نظراً لاعتمادها على هذه الأنفاق في عمليات التهريب، خصوصاً بعدما أُغلق معبر رفح في 2007 عقب الانقلاب الذي قامت به الحركة على السلطة الفلسطينية، والذي استولت بموجبه على القطاع. وبالإضافة إلى كل ذلك، أعلنت إحدى المحاكم المصرية - في شباط/ فبراير 2015 - أن «حماس» هي حركة إرهابية؛ وفي ذلك نوع من مواصلة الضغط عليها.
وبالرغم من رفع اسم الحركة من لائحة الجماعات الإرهابية في مصر بموجب حكم آخر من محكمة في حزيران/يونيو من العام نفسه، إلا أن هناك دعوة أخرى مازالت منظورة أمام المحاكم المصرية، إلى جانب سريان مفعول حكم آخر صادر عن إحدى المحاكم المصرية في نهاية كانون الثاني/ يناير 2015، يدين حركة "عز الدين القسام "- الجناح العسكري لـ «حماس»، باعتبارها حركة إرهابية.
وبالعودة إلى الزيارة السابق ذكرها، حيث جرى اللقاء بين وفد «حماس» والمخابرات المصرية، فقد أبدى الطرفان مطالب متنوعة، حيث طالب الجانب المصري حركة «حماس» بفك الارتباط مع جماعة «الإخوان المسلمين»، التي هي طبقاً للقانون المصري حركة إرهابية محظورة، وإزالة كافة الصور وملصقات الدعاية التي تحمل صورة الرئيس المعزول محمد مرسى أو شعار الجماعة. كما طالب الحركة بالعمل على ضبط الحدود بين قطاع غزة وسيناء، وقطع علاقاتها بالجماعات الإرهابية التي تقود التمرد ضد الدولة هناك، وبتسليم بعض المطلوبين، من الفارين والهاربين من مصر إلى القطاع، وتسليم بعض العناصر من الحركة الذين ثبت تورطهم في عمليات أضرت بالأمن القومي لمصر... وفي المقابل، عرض وفد «حماس» أيضاً، بعض المطالب كان من أبرزها، مطالبة الجانب المصري بفتح معبر رفح المغلق منذ عام 2007، والسماح بمرور البضائع والمواد التي تساهم في استمرار الحياة بشكل طبيعي داخل القطاع، خصوصاً بعد خسارة الحركة لجزء كبير من الأنفاق في الفترة الأخيرة، إلى جانب المطالبة بالكشف عن مصير عناصر الحركة الأربعة الذين اختفوا بعد عبورهم إلى الجانب المصري في أيلول/ سبتمبر الماضي، والذين تُتَّهَمُ السلطات المصرية بالوقوف وراء اختفائهم، إضافة إلى المطالبة بإمداد القطاع بالسولار، وبالمواد البترولية اللازمة لتوليد الكهرباء.
ورغم أن هذا الإعلان لم يسطر جدولة زمنية أو تفاصيل فيما يخص هذا الاتفاق، فإننا- ومن خلال متابعتنا لوسائل الإعلام الخاصة بكلا الطرفين - نلمس نوعاً من التهدئة وتغيير الخطاب الإعلامي لدى الجانبين. فعلى سبيل المثال، تحدث الإعلامي "وائل الإبراشي" في برنامجه المعروف - "العاشرة مساءً"- عن ضرورة التوقف عن مهاجمة «حماس»، مادامت ستنأى بنفسها عن الشؤون الداخلية لمصر، وستحترم أمننا القومي. أما في الطرف الآخر، فهناك سيل من التصريحات الإيجابية لقيادات الحركة تجاه مصر، بخلاف ما كان سابقاً، فهذا "حسام بدران" - المتحدث باسم الحركة، والمقيم حالياً في قطر- يصرح قائلاً: "إنّ موقف «حماس» من موضوع «الإخوان المسلمين» صريح ومعلن، وهو أنّنا نفخر بانتمائنا إلى المدرسة الأيديولوجية لهذه الجماعة، لكنّنا حركة تحرّر فلسطينيّة، قرارنا ينبع من مؤسّساتنا الشوريّة والقياديّة فقط، وهذا أمر تدركه كلّ الأطراف، بما فيها مصر". وفى تطور آخر، قامت كتائب "عزّ الدين القسّام" - الجناح العسكريّ لـ «حماس» -، في 20 آذار/مارس بوضع لافتة كبيرة على مفترق السرايا في وسط غزّة - وهي المنطقة الأكثر ازدحاماً بمدينة غزة - كتبت عليها عبارة "المقاومة لا توجّه سلاحها إلى الخارج". وتأكيداً لما سبق، ذكرت صحيفة "القدس" الفلسطينية في 20 آذار/مارس، أنّ «حماس» أمرت أفرادها وقياداتها في الأيّام الأخيرة بعدم ترديد شعارات «الإخوان المسلمين» في المهرجانات، وبعدم طباعة شعار الجماعة - القرآن والسيفان - على الأعمال الدعائيّة الخاصّة بنشاطات الحركة، وهو الأمر الذي لقي ترحيباً في الأوساط المصرية.
وفى الوقت الذي خف فيه كلا الطرفين من حدة خطابهم، لا يمكن القول بأن جميع القضايا العالقة بين الطرفين قد وجدت سبيلها إلى الحل، إذ مازالت الطريق طويلة ووعرة بين الجانبين. فهناك ملف المصالحة بين «فتح» و «حماس»، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، الأمر الذي يعد بالغ الصعوبة، بالرغم من إعلان "الدوحة" الأخير، والذي تمت بموجبه الموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية، وإجراء انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر، مع عدم ذكر الآليات التي تمكن من تنفيذ واستمرارية بنود هذا الاتفاق.
كما يأتي إعلان أبو عبيدة - المتحدث باسم "حركة القسام"، الجناح العسكري لـ «حماس» - حول مصير الجنود والمدنيين الإسرائيليين المختفين داخل القطاع منذ عام 2014، ليعطي الانطباع عن مصداقية «حماس» في توجهها الجديد نحو التصالح، وبدءِ صفحة جديدة في العلاقات مع مصر، خاصة وأن أغلب التقارير الإعلامية تؤكد على الدور الريادي لمصر في تشجيع عملية التصالح بالمنطقة، لكونها الوسيط الرئيس بين الطرفين الإسرائيلي والحركة في مختلف مفاوضات السلام بينهما. وخير دليل على ذلك، ما قامت به القاهرة من توجيه التساؤل لـ «حماس» حول هذا الأمر.
ويعتمد كل ذلك على قدرة مصر على التوفيق بين تناقضاتها الداخلية. وتجدر الإشارة إلى أنه لا توجد تأكيدات على رغبة كافة أجهزة نظام السيسي في التصالح مع «حماس»، مادام وزير الداخلية قد أعلن من داخل جهاز "الأمن الوطني" - كما ذكرنا في بداية المقال - عن مسؤولية «حماس» عن اغتيال النائب العام، وجهاز أمني آخر قام باستضافتهم، وهو جهاز "المخابرات العامة".
رامي عزيز هو صحفي مصري مقيم في أوروبا. وقد تم نشر هذه المقالة في الأصل من على موقع "منتدى فكرة".
"منتدى فكرة"