- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مستقبل أزمة اللاجئين السوريين في لبنان
عند التجول في شوارع العاصمة اللبنانية بيروت؛ يمكن رؤية أثر الحرب الأهلية السورية بشكل ملموس، حيث تشير التقارير الأخيرة إلى أن اللاجئين السوريين يشكلون نحو ربع إجمالي سكان لبنان. وقد سعت السلطات اللبنانية لوضع حد لإنهاء حالة العداء الشديدة بين بعض اللاجئين السوريين وبعض المواطنين اللبنانيين، حيث باتت تبحث عن حلول من شأنها إنهاء معاناة كلا الطرفين. وعلى الرغم من أن اللاجئين السوريين يكافحون حاليا للعيش في لبنان ويبحثون عن سبل الحياة، إلا أن موقف بعض اللبنانيين من الأزمة السورية، قد جعل حياتهم أصعب بكثير.
ويبدو أن التوتر بين الجانبين قد أصبح جليا ومتزايدا، حيث يرى المواطنون اللبنانيون أنهم في موقف صعب، حتى أن بعضهم ذهب إلى حد تمثيل أنفسهم كأقلية تفوقها أعداد اللاجئين السوريين الذين غمروا البلاد. فعلى سبيل المثال: قامت قناة (الجديد) اللبنانية في أحد برامجها الكوميدية ببث أغنية تسخر كلماتها من حال اللاجئين السوريين في لبنان، حيث تتهكم تلك الأغنية وتسخر من تزايد عدد اللاجئين السوريين، ومن ظروفهم المعيشية الصعبة وإنجابهم الكثير من الأطفال ، وهو التهكم الذي رأى فيه الكثير من المهتمين؛ رسالة مهينة تستهدف السوريين. بل إن قناة “أورينت” الإخبارية السورية، ومقرها دبي، ردت على هذا التهكم بأغنية سورية، تصف القائمين على قناة "الجديد" بـ “النازيين.”
وقد أدت تلك التوترات والاستغلال إلى تفاقم التحديات التي يواجهها اللاجئين السوريين في لبنان، حيث يستغلهم أرباب العمل في المقاهي، والمطاعم، والفنادق ومحطات الوقود أيما استغلال، حيث الأجور الزهيدة، وانعدام أي التزامات قانونية وماديّة تحفظ حقوقهم.
ولا تقتصر معاناة اللاجئين السوريين في لبنان على ظروف العمل السيئة فحسب، بل أصبح السوريين يواجهون عدة انتهاكات أخرى تتعلق بحرية التعبير ، فعلى الرغم من أن السوريين في لبنان، بعيدون عن أنظار نظام الأسد؛ فهم ملجمون بلجام من نار، إذ لا يجرؤ الرافض منهم لهذا النظام؛ أن يعبر عن موقفه السياسي؛ ذلك أن النظامين السوري واللبناني تجمعهما ارتباطات كثيرة. كذلك الأمر بالنسبة للسوريين المنتمين للطائفة العلوية الذين لا يكشفون عن هويتهم بسبب ارتباط بعضهم بالنظام، بل حتى السوريون الموالون للنظام يمارسون الرقابة الذاتية.
كما يعاني السوريون في لبنان من تهديدات تتعلق بسلامتهم أبرزها الإخلاء القصرى من مساكنهم. وفى هذا الصدد، أشار تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش مؤخرا، أن 13 بلدية في لبنان على الأقل، أّجْلَتْ قَسْرا 3,664 لاجئًا سوريا من منازلهم، وطردتهم من البلديات، بينما ما زال 42 ألف لاجئ يواجهون خطر الإجلاء. وقد صرح عدد من السوريين الذين تم لقاؤهم؛ بأن السلطات قد استخدمت العنف لطردهم، ولم تقدم البلدية أي فرصة للطعن في عمليات الإخلاء أو غيرها من إجراءات الحماية وفق الأصول القانونية التي تنص عليها المعايير الدولية. كما أكدت المنظمة أن عمليات الإخلاء هذه؛ قد تسببت في خسارة اللاجئين لممتلكاتهم ومصدر دخلهم، وفرصهم في التعليم.
وفي الوقت الذي يشهد فيه الوضع في سوريا العديد من التطورات السريعة، إلا أن حالة عدم الاستقرار التي ولّدتها الأزمة السورية ستستمر لسنوات عديدة، وهو ما قد يؤدى إلى نزوح موجات جديدة من اللاجئين السوريين إلى لبنان. ويبدوا أيضا أن كلا من الحكومة اللبنانية وحزب الله قد اتفقا على وضع آلية مشتركة والعمل سويا لترحيل عدد كبير من اللاجئين السوريين في لبنان، حيث دعا الرئيس اللبناني “ميشيل عون“ أواخر شهر أيار/مايو الماضي، الولايات المتحدة الأمريكية لتقديم "المساعدة اللازمة لبلاده بهدف تسهيل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بأمان ".
وفى هذا الصدد، قام حزب الله في أيار/ مايو الماضي بافتتاح عدد من المكاتب التي ستقوم بالنظر في وضع اللاجئين السوريين من البقاع إلى منطقة الجنوب. ومؤخرا أعلن “حسن نصر الله “زعيم حزب الله اللبناني في كلمة متلفزة له على شاشة فضائية “المنار“، إنه "سيعمل بالتنسيق (مع الحكومة السورية) حتى يتمكن أكبر عدد ممكن من اللاجئين السوريين الذين يريدون العودة الطوعية والآمنة من العودة إلى سوريا". كما أعلن نصر الله عن تشكيل لجانٍ شعبية "ستشكّل في مناطق يتواجد فيها اللاجئين السوريين لتأمين عودتهم إلى سوريا". وبموجب تلك الخطة، يتم إجبار اللاجئين على العودة إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام السوري وميلشيات طائفية تسانده دون توفير الضمانات اللازمة وهو ما اعتبرته بعض المنظمات الدولية الحقوقية انتهاكاً لمواثيق الأمم المتحدة لحقوق الأنسان ومعاهدات جنيف ذات الصلة.
ومع ذلك ، فقد بدأت بالفعل عودة مئات اللاجئين إلى سوريا في عدة قوافل وذلك بالتنسيق بين الأمن العام اللبناني ونظام الأسد.
لذلك، وفى حال عدم قيام لبنان بوضع بعض الحلول المتماسكة لتلك الأزمة، فإن استراتيجياته قصيرة المدى ستؤدي إلى تفاقم الأخطار التي قد تواجهها على المدى الطويل. وبالتالي، يجب على الحكومة اللبنانية الجديدة، التعامل بشكل أفضل مع تلك القضايا المنبثقة عن وجود اللاجئين السوريين في البلاد، وان تقوم بتحديد مسار واضح نحو إعادة التوطين. واستناداً إلى ذلك، يمكن لبيروت أن تبرر طلباتها المتكررة للحصول على مساعدات مالية دولية إضافية، مثل تعهد البنك الدولي الأخير بتقديم قرض بقيمة 4 مليارات دولار، كما يجب على المجتمع الدولي والاتحاد الأوربي أن يتحملا مسؤوليتهما، وذلك بالعمل جنبا إلى جنب، مع الحكومة اللبنانية لمواجهة هذه الأزمة، خاصة وأن الاتحاد الأوربي قد فرض العديد من الضغوط على لبنان وغيرها من دول الجوار السوري؛ للحد من هجرة اللاجئين إلى أوروبا.