- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
مستقبل ودور للشباب الجزائري بعد الحراك
في حين ابتليت حركة الحراك الجزائري بصعوبات وانقسامات عديدة ، فإن الأمل الذي أوجدته الحركة لا يزال حياً ، وعلى الجزائريين العمل على ترسيخه.
خلال العامين الماضيين، ساهمت حركة الحراك الجزائرية في إحداث تطور جذري في الثقافة السياسية للشباب الجزائري. ففي حين يرى بعض النقاد بشكل قد يكون صحيح أن الحركة قد أصبحت مهترئة، أو أن النظام السياسي الجزائري لا يزال يعمل على اقصاء الشباب ، فإن تأثير الحركة لا يزال مهمًا، حيث ساعد الحراك على إحياء الأمل في نفوس الشباب الذين صاروا يتطلعون لإحداث تغيير حقيقي وجذري. ولفهم التغيير الذي تصبوا إليه حركة الحراك ، لابد من فهم قصة الحركة والتحديات المتلاحقة التي واجهتها منذ انطلاقها في عام 2019.
" ليرحلوا جميعا"
في حين بدأ الحراك كحركة احتجاجية على استمرار حكم الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة ، إلا أنها كانت في النهاية بمثابة ولادة لطبقة سياسية جديدة في الجزائر.
لم يكن الحادي عشر مارس/ آذار يوماً عادياً بالنسبة للجزائريين، ففي هذا التاريخ أُعلن خبر تراجع الرئيس عبد العزيز بوتفليقة - الذي حكم البلاد على مدار عشرون عاماً، خيم فيها الفساد - وتخليه عن فكرة الولاية الخامسة، بعد أن خرج ملايين الجزائريين الى الشوارع وأطلقوا حركة الحراك الشعبية.
ومع ذلك، فقد خبر التنحي أهميته بعد أن أطل شاب في الثالثة والثلاثين من عمره على حين غفلة ليقطع بثاً مباشراً بوسط العاصمة لقناة سكاي نيوز عربية تقول مراسلتها أنها تنقل مشاهد من وسط العاصمة لفرحة الجزائريين بخبر التنحي، ليقاطعها الشاب، ويقول نحن لسنا سعداء، وأطلق كلمته المدوية «يروحوا ڤاع» أي « فليرحوا جميعاً».
انتشرت الكلمة المدوية للشاب سفيان بكير تركي « فليرحوا جميعاً»، والتي دعت الى إزاحة النخب السياسية الجزائرية التي سيطرت على مقدرات البلاد لعقود – وصارت الشعار الرئيسي لحركة الحراك. بعد ساعات قليلة تحول هذا الشعار لهاشتاغ وانتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وكان بمثابة تحول دراماتيكي للأحداث خلال الحراك . وبعد أن كان الشعار الأبرز للحراك رحيل بوتفليقة، أصبح مطلبه الأول والثابت بعد مقولة السفيان الشهيرة ليرحلوا جميعا، أي ليرحل جميع رموز نظام بوتفليقة، وتحول الشاب سفيان لأيقونة الحراك الشعبي دون منازع.
لم تكن الشعبية التي حصل عليها سفيان مفاجئة، ففي الواقع فإن سفيان الشاب المغمور، المنسي في أحياء العاصمة العتيقة، لم يكن ليسمع به أحد لولا تلك الصيحة المدوية، ومثل سفيان عشرات الشباب الذين برزوا مع استمرار الحراك من أبناء الأحياء الشعبية العريقة بالعاصمة ومدن الداخل الجزائرية.
على مدار السنوات الأخيرة، ولعدة أسباب متراكمة ومشتركة عزف الشباب الجزائري عن ممارسة السياسة، وخلى المشهد برمته للساسة الذين بلغوا من الكبر عتياً، في بلد يمثل فيه الشباب نسبة سبعون بالمائة، لكن يحكمه الشيوخ. كان الشباب الجزائري منعزل كليا عن المشهد السياسي، وغارق في يومياته بين البطالة ومختلف الآفات الاجتماعية المدمرة من مخدرات ، وخطط للهجرة غير الشرعية لانعدام أي أفق ببلادهم.
إن ما صنعه شباب الجزائر من ملاحم وصور رائعة خلال مسيرات الجمعة يكفي للقول بأن الحراك الشعبي كان مرحلة مفصلية في تاريخ الجزائر، لأنها أعلنت عن عهد جديد للشباب الجزائري في التعاطي مع المشهد السياسي، وفي محاولة التأثير نحو تغيير يكرّس معاني الديمقراطية، والأهم في المشهد أن صناعه من الشباب المهمش الذي كان يعاني في صمت بأزقة وشوارع العاصمة ومختلف المدن الكبرى. نجح كثيرون من هؤلاء الشباب في التحول إلى رموز نضال من أجل التغيير السلمي والإصلاح الديمقراطي، وكثيرون منهم واجهوا قمع النظام، ووقفوا في وجه رغم حملات الاعتقال والتضييق التي مورست ضدهم. ومن ثم، برزت قيادات سياسية شابة تؤسس لنخبة سياسية بديلة للطبقة التقليدية.
انقسامات بين نشطاء الحراك
ومع ذلك، فشلت هذه الطبقة الشابة الجديدة في الاحتفاظ بزخم الوحدة التي كانت تتميز بها حركة الحراك منذ بدايته، حيث انقسم الحراك إلى عدة منظمات جميعها تبنت وجهات نظر متباينة ومتنافسة حول مستقبل الجزائر السياسي.
بعد تنحى بوتفليقة، برز نقاش حاد عبر شبكات التواصل الاجتماعي بين النشطاء الشباب، وبين النخبة السياسية المعارضة تركز حول مواقفهم من الاستحقاقات الانتخابية القادمة . ففي حين دعمت المؤسسة العسكرية والطبقة السياسية -التي تتحكم بزمام السلطة منذ فترة طويلة- مسارًا يدعوا الى تعديل الدستور الحالي. ومن ناجية أخرى، رفض نشطاء الحراك هذا الاقتراح ودعوا عوضا عنه إلى الذهاب إلى مرحلة انتقالية وتشكيل جمعية تأسيسية لبناء جمهورية جديدة، وهو ما يتماشى مع شعار « فليرحوا جميعاً»،. وفي مواجهة هذا الخلاف والانقسام بين الشباب ، ظهرت نخبة سياسية شابة تتبنى آراء وأفكار متضاربة.
إضافة للنقاش الذى أثير حول طبيعة المرحلة الانتقالية عقب تنحى بوتفليقة، بدأ الشباب الجزائري يطرح شعارات متضاربة حول طبيعة الدولة الجديدة ونظامها السياسي وهويتها، فبعضهم طالب بالتأسيس لجمهورية ديمقراطية حديثة، بينما طالب أخرون بدولة "نوفمبرية باديسية" ، أي العودة إلى مبادئ إعلان ثورة تشرين الثاني/ نوفمبر 1954 ونهج العالم الإسلامي عبد الحميد بن باديس ذ، الذي دعا إلى الحكم بروح عربية إسلامية خالصة .وفى هذا الصدد، برزت خطابات قائد الأركان الفريق أحمد قايد صالح الذي أعلن عن تمسك القيادة الجديدة بـ "نوفمبرية الدولة."
تطورت الانقسامات بين شباب الحراك لاحقا واتخذت شكل مؤسسي حيث برزت بعض الجمعيات الشبابية التي عملت على التأثير على شباب الحراك لدعم نموذجهم وترويجه خلال مسيرات الثلاثاء التي انطلقت مؤخرا، والتي حلت محل مسيرات الجمعة. ورغم غياب الأحزاب السياسة ، كانت هناك جمعيات شبابية أخرى تحاول التأثير على هذه المسيرات بشعاراتها.
ومن أبرز تلك الجمعيات حاليا « منظمة الشباب الوطني» المعروفة اختصاراً بـ « راج »، وهي جمعية تقدم نفسها على أنها جمعية جزائرية اجتماعية ثقافية هدفها هو وعي وتعبئة الشباب للمشاكل الاجتماعية، وكذلك تشجيع جميع الأنشطة الثقافية وحقوق الإنسان. وبسبب نفوذها الواضح ، وتغللها بين أوساط الشباب المشارك في الحراك، تعرض أعضائها عدة مرات للاعتقال، وتواجه حالياً خطر الحظر بسبب أنشطتها التي يقول عنها البعض أنها مشبوهة ومرتبطة بأجندات خارجية. وفي المقابل برزت تكتلات شبابية تدعم المسار الدستوري لقائد الأركان السابق أحمد قايد صالح، أبرزها تكتل «عزم» المدعوم من قبل النظام .
إقصاء الشباب من الساحة السياسية
لم تسلم الكتل الشبابية التي تدعم استراتيجية النظام الانتقالية أيضا من التهميش ، حيث ظلت على الهامش ، وغير قادرة على تحقيق التأثير السياسي التي ترغب في تحقيقه داخل الهياكل الحكومية الرسمية. هذا الاستبعاد يرجع جزء كبير منه إلى السلوك الإقصائي للمسؤولين الحكوميين الحاليين.
إضافة الى ذلك، بذل تكتل "عزم" والكتل الشبابية المرتبطة به جهودًا حقيقية للانضمام إلى المشهد السياسي الرسمي في البلاد ،حيث قام التكتل بإيداع طلبات لتأسيس أحزاب سياسية للمشاركة بقوة في الاستحقاقات الانتخابية الجديدة، لكن الواقع أن نحو عشرون طلباً لتأسيس أحزاب ما بعد فترة الحراك الشعبي لم تتحصل لحد الآن على موافقة من طرف وزارة الداخلية للنشاط بشكل رسمي. وبالمقابل استغلت السلطة مجدداً ورقة الشباب بمحاولة احتواءه في الانتخابات التي جرت مؤخرا في يونيو 2021، بتأسيس تكتلين الأول باسم « نداء الوطن » يرأسه نزيه بن رمضان مستشار الرئيس تبون، والثاني تكتل « المسار الجديد » يرأسه منذر بوذن المقرب من رئيس الوزراء السابق القابع في السجن أحمد أويحيى بتهم فساد.
وكلا التكتلين يضمان عشرات الجمعيات والنشطاء الموالون للسلطة الذين تم حشدهم بقوة للمشاركة في الانتخابات البرلمانية السابقة، وهي الانتخابات التي شارك فيها هؤلاء بقوائم حرة لكنهم فشلوا في اكتساح البرلمان بسبب سطوة الأحزاب التقليدية وعدم قدرتهم على إقناع الكتلة الانتخابية الصامتة والتي تتجاوز نسبتها سبعون بالمائة من الهيئة الناخبة بالتصويت لهم أو بمقاطعة الانتخابات .
بذور الأمل
من المؤكد أن الانقسامات الداخلية داخل حركة الحراك والإقصاء السياسي للشباب قد أثرا بشكل خطير على أهداف الحركة ، فعلى الرغم من أن المسار الذي اتخذته الأحداث بعد تنحى بوتفليقة لم يكن في مستوى تطلعات الشباب في إحداث تغيير حقيقي وجذري، إلا أن الأهم أن الشباب الجزائري كسر جدار الخوف، وبات مقتنعا اليوم أكثر من أي وقت مضى أن الوقوف موقف المتفرج من الأحداث سيزيد الأمر تعقيداً وعليهم المشاركة بجدية في المشهد السياسي.
هذا الأمل في التغيير هو بمثابة نبته صغيرة يجب رعايتها وتوفير الظروف الملائمة لها حتى تنمو وتزدهر. ومن هذا المنطلق، يمكن للمنظمات الشبابية أو لجان الأحياء النشطة والتي تنأى بنفسهاعن أجندة الحكومة أن يكون لهم دورا حاسما في المستقبل بحيث تتحول تلك المنظمات إلى قوة اقتراح أو سلطة مضادة لفرض ميزان قوى جديدة خدمة للدولة وللمجتمع في آن واحد، ما يدفع نحو تأسيس أحزاب شبابية سياسية ناشئة توفر الفرصة الكاملة لهؤلاء الشباب عوضا عن الأحزاب التقليدية التي فشلت حتى في تغيير أنفسها. وربما تكون الانتخابات البلدية القادمة والمتوقعة في تشرين الأول/أكتوبر القادم بوابة للشباب من أجل اكتساح المجالس البلدية كخطوة أولى نحو للتغيير.