- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
متحوّر "دلتا" لطفرة كوفيد-19 في المغرب وعواقبه الوخيمة
رغم حملات التلقيح، فإن ارتفاع عدد الحالات المصابة يفرض تهديدات خطيرة على صحة المغاربة واقتصاد البلاد.
في 27 تموز/يوليو 2021، لقّح المغرب عددًا قياسيًّا من المواطنين - أكثر من نصف مليون - في يوم واحد. ومع ذلك، شهد المغرب أيضًا في اليوم نفسه، رقمًا قياسيًّا بلغ 6971 إصابة بمرض فيروس كورونا (كوفيد-19) وهو أعلى رقم سُجِّل في يوم واحد منذ اكتشاف الحالة الأولى في آذار/مارس 2020. وبلغت الحالات ذروتها في منتصف شهر آب/أغسطس، ولكن يبدو أنّ الموجة الحالية هي الأقسى في المغرب. ومع انطلاق حملة التلقيح وانتشار متحوّر "دلتا" في الوقت نفسه، يدرك المغاربة أنّ الوباء، مثل الأفعى المتعددة الرؤوس، يُظهر جوانب جديدة على الرغم من الجهود المبذولة للقضاء عليه. وفي غضون ذلك، تطرح جهود المغرب لإعادة فتح باب الاعتماد الاقتصادي للبلاد على السياحة سلسلة من التحديات الرئيسية.
متحوّر "دلتا" سيّد الموقف في المغرب
تنتج معظم الحالات المسجّلة في الموجة الحالية عن متحوّر "دلتا" لفيروس كورونا، وأثبتت السلالات أنّها خطيرة جدًّا حتى مقارنةً بنسخة الفيروس الأولية. وبحسب وزارة الصحة، فإن السلالة الجديدة مسؤولة عن 87% على الأقل من الإصابات في المغرب حيث سُجّلت أعلى نسبة إصابات، أي 30%، في جهة كلميم واد نون، في حين سجّلت منطقة فاس مكناس أقلّ معدل إصابات بنسبة 4%.
ومع ذلك، فإنّ بصيص الأمل هو أنّ التلقيح على نطاق واسع يمكن أن يكافح بشكل فعال هذا المتحوّر، كما يتضح من انخفاض معدلات الاستشفاء في البلدان التي ترتفع فيها معدلات التلقيح، وزيادة الاستشفاء في البلدان التي تنخفض فيها معدلات التلقيح.
وأطلق المغرب حملته الوطنية للتلقيح في كانون الثاني/يناير 2021، وحتى تاريخ النشر، وتلقى حوالي 49% من المغاربة جرعتهم الأولى، وتلقّى 37% منهم الجرعات الكاملة.
في حين أعطت حملة التلقيح المغربية الأولوية للمسنّين في البداية، فهي تركّز حاليًا على الشباب. وهذه خطوة إيجابية وأساسية، وفقًا لطبيب التخدير د. متوكل، إذ من المرجح أن يؤثر النوع الشديد العدوى على الأشخاص الذين لديهم "قدرة أكبر على الحركة في المجتمع". بالإضافة إلى ذلك، وبعد أن خفّفت الحكومة المغربية من الإجراءات التقييدية، لم يتخذ الشباب احتياطات كافية، ما أدى إلى عودة ارتفاع معدلات الإصابات.
ويبدو أنّ المغرب يسير على الطريق الصحيح مع تلقيح أكثر من ثلث السكان بشكل كامل، ولكن وفقًا لوزارة الصحة، فإنّ مناعة القطيع ستتطلب تلقيحًا كاملًا لثلث إضافي من السكّان. ونظرًا إلى أنّ المغرب بعيد عن هذه المستويات، أعلنت الحكومة قيودًا جديدة في 2 آب/أغسطس تتعلق بالسفر وتناول الوجبات في المطاعم والتجمعات والمرافق العامة في محاولة للحد من انتشار المتحوّر الجديد.
وصرّح خبراء الصحة أنّ الوضع في المغرب مقلق جدًّا ويستدعي دق ناقوس الخطر. وبحسب وزارة خالد آيت الطالب ، سيزداد على الأرجح الوضع سوءًا من دون التقيد الصارم بالمبادئ التوجيهية الجديدة. وأشار د. مولاي سعيد عفيف إلى أنّه إذا استمر المواطنون بإهمال الإجراءات الاحترازية، فستضطر الحكومة إلى فرض الإغلاق الشامل.
مخاوف اقتصادية
في الربع الأول من عام 2021، بدأت عملية "مرحبا 2021" بتاريخ في 15 حزيران/يونيو 2021، وهي حملة تهدف إلى تعزيز عودة المغاربة المقيمين في الخارج للسياحة. وفتحت المغرب في هذا اليوم حدودها البحرية والجوية، ما سمح للمغاربة المقيمين في الخارج بالعودة إلى البلاد ووفّرت لهم أيضًا تعريفات مخفضة.
ومع ذلك، كان الارتفاع الحاد في عدد الإصابات مدعاة للقلق. وصرّح محمد الفن، وهو رئيس الفدرالية المغربية للامتياز التجاري، أنّه يجب على الحكومة معاقبة الأفراد الذين ينتهكون القيود بدلًا من تنفيذ عمليات إغلاق واسعة النطاق في خلال أشهر الصيف المربحة، إذ تسبب الوباء بالفعل بخسائر اقتصادية قاسية.
وفي عام 2020، انخفض الناتج المحلي الإجمالي السنوي للمغرب إلى 1.5%، وفي الربع الثاني، عندما كانت البلاد تخضع لحظر تجوّل صارم، سُجّل انخفاض بنسبة 25.1% في الصادرات وانخفاض بنسبة 26.7% في الواردات. وتراجع القطاع الثالث، وهو المحرّك الرئيسي للنمو الاقتصادي في المغرب، بنسبة 11.5%، وعلى نحو مماثل، تراجع القطاع الثانوي، أي قطاع البناء والكهرباء والمنسوجات والصناعات الكهربائية والصناعات التحويلية، بشكل كبير، فتضررت الشركات الصغيرة والمتوسطة نتيجة لذلك.
في حزيران/يونيو، وسط تزايد التلقيح وانخفاض عدد الحالات، قدّر المسؤولون أنّ المغرب سيستقبل 3.5 مليون سائح في خلال موسم الصيف، أي ما يعادل 72% من حجم السياحة في الفترة عينها من عام 2019. ومع ذلك، اعتبارًا من أوائل شهر آب/أغسطس، زار 142000 سائح فقط البلاد، وغالبيتهم من المغاربة القاطنين في الخارج، بتشجيع من عملية "مرحبا".
وتبددت التوقعات المتفائلة في البلاد بسبب ارتفاع الإصابات بمتحوّر "دلتا". وفي 2 آب/أغسطس، وضعت الولايات المتحدة المغرب على قائمة وجهات السفر "العالية الخطورة"، وفي 12 آب/أغسطس، أفادت بلجيكا أنّ 7% من المسافرين العائدين من المغرب ثبتت إصابتهم بـمرض فيروس كورونا (كوفيد-19)، وفي 23 آب/أغسطس، أضافت فرنسا المغرب إلى "قائمة السفر الحمراء"، وفي 30 آب/أغسطس، علّقت كندا جميع الرحلات الجوية القادمة من المغرب.
وفي مواجهة القيود الجديدة، طلب المتخصصون في مجال السياحة من وزارة السياحة تنفيذ تدابير للتعويض عن الخسائر الهائلة في القطاع، بما في ذلك تأجيل مدفوعات الإيجار وتمديد حظر التجول الليلي. وتشير إحصائيات حديثة إلى أنّه نتيجة للوباء، انخفضت مداخيل قطاع السياحة بمعدّل 80%، وفقد أكثر من 35% من الموظفين العاملين في هذا المجال وظائفهم.
ووفقًا لتقرير نشرته المندوبية السامية للتخطيط، تسبّب الوباء في ارتفاع معدل الفقر الوطني من 1.7% إلى 11.7%. وتُعتبر هذه التأثيرات الأقوى في المناطق الحضرية، حيث يبلغ معدل الفقر الآن 14 مرة المعدّل المسجَّل في عام 2019. بالإضافة إلى ذلك، ارتفع معدل قابلية تأثّر مستويات معيشة الأسر من 7.3% إلى 16.7%، وارتفع معامل "جيني"، الذي يشير إلى التفاوت الاقتصادي، من 38.5% إلى 44.4%، متجاوزًا العتبة البالغة 42%.
وضاعفت الآثار الصحية من هذه الصدمات الاقتصادية، إذ يتعرّض العمال غير النظاميين أكثر من غيرهم للفقر والأمراض لأنهم لا يستفيدون من شبكات الأمان الاجتماعي وأنظمة الدعم إذا فقدوا وظائفهم. ولتجنب الظروف الصحية والبيئية الكارثية، من الضروري أن يتبع المغاربة الإرشادات المطبّقة حديثًا وأن يواصلوا الحصول على التلقيح. وعبر القيام بذلك، يمكن للبلد تجنّب إغلاق شامل آخر يدمّر اقتصاديًّا، بالإضافة إلى حالة طوارئ صحية عامة أخرى.