- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
موقف البحرين من تحالف حماية البحر الأحمر الذي طال انتظاره
تتسم عملية "حارس الازدهار" متعددة الجنسيات – والتي تُعتبر البحرين عضو فيها – بقدرتها على حماية طرق التجارة في البحر الأحمر وخليج عدن، والحد من القرصنة والسطو المسلح على السفن التجارية، والحفاظ على سلاسل الإمداد والطاقة، علاوة على تعزيز الأمن والازدهار الإقليميين.
أعلنت البحرين عن انضمامها إلى القوة المتعددة الجنسيات التي تقودها الولايات المتحدة والتي تشكلت لحماية البحر الأحمر من هجمات الحوثيين، المعروفين أيضًا باسم مقاتلي "أنصار الله". فقد تعهد الحوثيون بإيقاف مرور الشحنات والسفن كلها باتجاه إسرائيل عبر البحر الأحمر ما لم تتوقف الحرب في غزة، وأثارت أعمالهم ردة فعل قوية من المجتمع الدولي. إلا أن هذا الموقف جاء متأخرًا نظرًا إلى التهديد الذي يشكله وجود الحوثيين على هذا الشريان التجاري الحيوي وعلى أمن دول الخليج العربية المحيطة.
استهداف الملاحة في البحر الأحمر
في الهجوم الكبير الأول على السفن المرتبطة بإسرائيل، استولى المسلحون الحوثيون على سفينة "غالاكسي ليدر" (Galaxy Leader) في 19 تشرين الثاني/نوفمبر وقادوها إلى ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين، ثم انتقلوا إلى منطقة أبعد في الشمال، حيث حولوها إلى "معلم سياحي" بحسب التقارير. وعلى مدار الشهر الماضي، هاجمت قوات الحوثيين عددًا من السفن وسفن الشحن، مما أجبر شركة "ميرسك" (Maersk)، وهي إحدى أكبر شركات الشحن في العالم، وعدة خطوط عالمية أخرى لسفن الحاويات مثل "شركة البحر الأبيض المتوسط للملاحة" (MSC Shipping) و"سي إم أيه-سي جي إم" (CMA CGM) و"هاباج لويد" (Hapag-Lloyd) على تعليق مرور سفنها عبر مضيق البحر الأحمر في منتصف شهر كانون الأول/ديسمبر، مع أن شركتَي "ميرسك" و"سي إم أيه-سي جي إم" أعلنتا مؤخرًا أنهما ستستأنفان الشحن على أساس كل حالة على حدة في 24 و26 كانون الأول/ديسمبر.
مع استمرار هجمات الحوثيين على سفن الشحن في البحر الأحمر، يستمر أيضًا القصف في غزة، وهي حرب ستكون تكلفتها باهظة لكلٍ من الإسرائيليين والفلسطينيين بعد انتهائها. فقد أدت هذه الحرب التي أشعلتها حركة "حماس" حتى الآن إلى مقتل مدنيين أبرياء من الجانبين. وبصرف النظر عن ادعاء "الحرس الثوري الإيراني" مؤخرًا بأن هجوم "حماس" في 7 تشرين الثاني/أكتوبر جاء ردًا على مقتل قائد "فيلق القدس" التابع "للحرس الثوري الإيراني" قاسم سليماني، يؤكد تَدَخّل الحوثيين بوضوح على تورط نظام آية الله في هذه الحرب، وهو تطورٌ من المتوقع أن تردّ عليه الولايات المتحدة.
يحصل أربعون في المئة من عمليات التبادل التجاري بين آسيا وأوروبا عبر البحر الأحمر، حيث تمر ألف سفينة يوميًا. فلا تؤدي الممارسات الحوثية المتهورة إلى تحقيق أي نتيجة مثمرة على صعيد الحرب، بل تستهدف هذه الممارسات الأمن الاقتصادي العالمي، مما يعطّل سلاسل التوريد، ويزيد من تكاليف النقل والتأمين، ويتسبب بارتفاع أسعار المواد المستوردة بما لا يقل عن ثلاثين في المئة.
في 18 كانون الأول/ديسمبر، أعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن تشكيل قوة متعددة الجنسيات ردًا على ذلك، مشيرًا إلى أن "هذا التحدي الدولي يتطلب عملًا جماعيًا". وأضاف أوستن أن عملية "حارس الازدهار" هي مبادرة خاضعة لـ""القوات البحرية المشتركة" وقيادة "فرقة العمل 153" التابعة لها". فقد تم إنشاء "فرقة العمل المشتركة 153" في نيسان/أبريل 2022 لتحسين الأمن البحري في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن، وضمت هذه الفرقة 39 دولة عضو، لكن المسؤولين ما زالوا يعملون على تحديد الدول الأعضاء التي ستشارك في هذا الجهد الأخير.
بالتالي، ستحمي عملية "حارس الازدهار" الأمنية المتعددة الجنسيات التجارة في البحر الأحمر وخليج عدن، وتحدّ من القرصنة والسطو المسلح على السفن التجارية، وتحافظ على سلاسل الإمدادات والطاقة، وتعزز الأمن والازدهار الإقليميين.
يأتي وجود البحرين ضمن قوة "حارس الازدهار" التزاماً منها بالاتفاقيات الدولية، ولا سيما بالمساهمة في الحفاظ على الأمن الإقليمي. فتدرك البحرين تمام الإدراك أن الحوثيين يسعون إلى إشعال حرب أكبر في المنطقة وتوسيع نطاق الصراع، مما يعزز أجندة النظام الإيراني المتمثلة في توسيع ما يُسمى بـ"الثورة الإسلامية" المتطرفة ونشرها.
ها هي البحرين تُشكل مرة أخرى مقرًا للإعلان عن اتخاذ خطوات جديدة نحو تحقيق السلم والأمن الدوليين، والحفاظ على أمن المنطقة واستقرارها وازدهار شعوبها، وضمان استدامة التنمية وأمن الملاحة وحرية التجارة والقدرة على مواجهة التحديات والقضاء على التنظيمات الإرهابية. كما أن مشاركة البحرين في تحالف "حارس الازدهار" أمر بديهي للحفاظ على أمنها الوطني والإقليمي.
وتُشكل مشاركة البحرين مرة أخرى جزءًا من الجهود التي يبذلها التحالف الدولي للحفاظ على أمن الملاحة في خليج عدن. وليس ذلك سوى استمرار لجهودها السابقة في قوات الواجب الدولي من أجل مكافحة القرصنة، مما حقق نتائج مبهرة في تأمين الممرات الملاحية العالمية . كما أن ذلك يشكل استمرارًا لمشاركة البحرين الفعالة في كافة التحالفات الدولية الرامية إلى القضاء على التنظيمات الإرهابية، بما فيها على سبيل المثال لا الحصر "التحالف الدولي ضد داعش".
وقد أكد اختيار وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن للبحرين كموقع لإعلان هذا التحالف الجديد على أهمية المملكة في الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين، ومكانة البحرين في التحالفات الاستراتيجية الدولية التي تعالج هذه القضايا.
أما داخل البحرين، فقد تباينت ردود الفعل العامة إزاء الإعلان عن التحالف الذي أيده البعض بينما أدانته أقلية من الحركات. وشملت هذه الإدانات بعض التصريحات التي أدلى بها أفراد مدعومون من إيران، ومجتمعات سياسية مدعومة من جماعة "الإخوان المسلمين"، وأصحاب الأيديولوجيات الشيوعية والقومية العربية، والجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسها.
هجمات الحوثيين كمشكلة مترسخة
مع ذلك، يدرك الكثيرون من البحرينيين أن اتخاذ أي إجراء ضد الحوثيين لا يهدف إلى حماية مضيق البحر الأحمر فحسب، بل إلى القضاء على الذراع العسكري لنظام آية الله في اليمن أيضًا، والذي لطالما شكّل تحديًا لدول الخليج العربي قبل استهداف سفن البحر الأحمر حاليًا. فقد قتلت هذه المجموعة المسلحة مئات الشباب البحرينيين والإماراتيين والسعوديين الذين كانوا يخدمون على الحدود اليمنية مع المملكة العربية السعودية لمنع وكلاء إيران من التسلل إلى منطقتنا. وبذل هؤلاء الجنود من منطقة الخليج أرواحهم من أجل حماية استقرار المنطقة وأمنها. وفي الواقع، قبل أسبوعٍ واحدٍ من الهجوم الهمجي الذي شنته "حماس" على المدنيين الإسرائيليين، هاجم الحوثيون القوات البحرينية على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية حيث كانت تتمركز، مما أسفر عن مقتل أربعة جنود بحرينيين، ثم توفي جندي بحريني آخر في وقتٍ لاحقٍ متأثرًا بجراحه.
كانت الشراكة الاستراتيجية قائمة بين البحرين والولايات المتحدة على مر التاريخ، إذ تستضيف البحرين "القيادة المركزية للبحرية الأمريكية"، و"الأسطول الخامس الأمريكي"، و"اللواء الخامس من مشاة البحرية". وتعكس هذه الالتزامات مدى التزام المملكة بتعزيز شراكتها في مجال الأمن الإقليمي. لكن المنامة تتوقع أيضًا، نظرًا إلى إبرام الاتفاقيات الشاملة للتكامل الأمني والازدهار بين البلدين، أن تؤدي الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في تحقيق الأمن الإقليمي من خلال مكافحة التطرف والإرهاب.
في حين أن هذا الجهد التنسيقي الأخير يأتي في وقت يتواصل فيه ازدهار العلاقات البحرينية الأمريكية، تؤكد الهجمات الأخيرة التي شنها الحوثيون أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة النظر في موقفها تجاههم، سواء بسبب أعمالهم الحالية أو الحديثة. ففي شباط/فبراير 2021، أزالت إدارة بايدن الحوثيين من قائمة الإرهاب الأمريكية بعد وقتٍ قصيرٍ من إدراجهم عليها. لكن المنامة تأمل أن تستثمر واشنطن في جهود مكافحة الإرهاب التي يمكنها عرقلة عدة منظمات إرهابية بشكلٍ ملحوظ.
كما على واشنطن أن تتذكر أن حلفاءها الاستراتيجيين يتوقعون منها في الأوقات الصعبة أن تستجيب لمطالب تصنيف أعداء المنطقة كمنظمات إرهابية، لا سيما أولئك الذين تُواصل إيران تمويلهم. وقد خيّب الموقف الأمريكي السابق تجاه الحوثيين آمال هذا الجزء من العالم، لكن يُتوقع كذلك أن تعيد واشنطن الآن النظر في نهجها إزاء الحوثيين، بما في ذلك قرارها بإزالتهم من قائمة الإرهاب الخاصة بها. وعلى نطاقٍ أوسع، يجب أن يدرك المجتمع الدولي أن تصنيف الحوثيين ككيان إرهابي هو أمر مهم ليس بسبب عمليات الاختطاف الحالية للسفن فحسب، لكن بسبب العمليات المستمرة التي ينفذها الحوثيون لاستهداف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين أيضًا.
وما نأمله في الحقيقة من هذا التحالف الحالي هو القضاء على كافة أشكال القرصنة التي تمارسها مليشيات الحوثيين، ووقف عمليات نقل الأسلحة والإمدادات التي تتم عبر البحر لدعم هذه المجموعة الإرهابية.
عاثت ميليشيات الحوثيين فسادًا ودمارًا في اليمن منذ سنوات، وسعت إلى زعزعة الأمن والاستقرار الإقليميين، وأطلقت صواريخ وطائرات مسيّرة لاستهداف دول الخليج؛ أما إنشاء منطقة حرب في البحر الأحمر، فليس سوى أحدث محاولاتها لزعزعة الاستقرار. وقد جعل اختطاف السفن الولايات المتحدة تدرك أخيرًا أنه لا يمكن ولا يجب أن تتخذ موقفًا لينًا تجاه الإرهابيين، من بينهم أولئك الذين يقفون إلى جانب النظام الإيراني الحالي. وربما جاء هذا التحالف متأخرًا، بعد أن أصبح الحوثيون يسيطرون الآن على الموانئ الاستراتيجية في اليمن مثل الحديدة، لكن المهم هو أنه تحقق أخيرًا.