- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
نفط "حكومة إقليم كردستان" وتبدّد حلم الاستقلالية المالية
بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية، يبقى أمام حكومة إقليم كردستان خيارات محدودة في كفاحها من أجل الاستقلال المالي عن بغداد.
في عام 2014، بدأت "حكومة إقليم كردستان" بإرسال نفطها الخام إلى الأسواق العالمية عبر ميناء جيهان التركي وخط أنابيب العراق-تركيا على الرغم من اعتراض بغداد. ولكن بعد سبع سنوات، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية في 25 آذار/مارس حكمًا قضى بأن هذه التجارة تشكل انتهاكًا لاتفاقية عام 1973.
وفي حين توصلت بغداد وأربيل لاحقًا وبعد طول انتظار إلى اتفاق جديد بشأن تقاسم العائدات، إلا أن الحقيقة المنبثقة عن هذا الاتفاق هي أن "حكومة إقليم كردستان" خسرت الكثير من الاستقلالية المالية التي اكتسبتها من خلال الصفقة الأصلية مع تركيا.
وقد جاء رد "حكومة إقليم كردستان" من خلال سلسلة متسارعة من الأحداث. فقد كان رد تركيا على حكم المحكمة الجنائية الدولية فوريًا، بحيث أبلغت العراق أن حكومة أنقرة لن تسمح بعد الآن بتحميل نفط "حكومة إقليم كردستان" الخام على متن السفن في ميناء جيهان من دون إذن من بغداد.
إزاء ذلك، قامت شركات النفط العاملة في "إقليم كردستان" بإيقاف الإنتاج أو تخفيضه، ما أدى إلى تحويل إنتاجها المتبقي إلى المخازن التي كانت شبه ممتلئة.
ويشار إلى أن "حكومة إقليم كردستان" تملك نحو 57 كتلة نفطية في ثلاثة عشر حقلًا من حقولها النفطية، وثمة كتلة واحدة نشطة. وقد بلغت الطاقة الإنتاجية الإجمالية 158,310,152 برميلًا في عام 2022، بمعدل إنتاج بلغ 433,726 برميلًا يوميًا. وبناءً على صادرات النفط لعام 2022، قُدّرت الأضرار المالية العامة الناجمة عن توقف العمل بأكثر من 34 مليون دولار أمريكي.
والجدير بالذكر هو أن النفط كان مصدر الدخل الرئيسي لـ "حكومة إقليم كردستان"، لا سيما لدفع رواتب موظفيها الشهرية. بالتالي يرتبط الاثنان ارتباطًا وثيقًا. وقد تزامن تصدير "حكومة إقليم كردستان" للنفط إلى تركيا مع إعلان الاستقلال المالي عن بغداد عام 2014.
وكانت بغداد من جانبها قد رفضت تجارة النفط بين "حكومة إقليم كردستان" وتركيا منذ البداية، وهو ما كان السبب في إثارة القضية الأولية أمام المحكمة الجنائية الدولية. وآنذاك، قال وزير النفط العراقي السابق حسين الشهرستاني إن تصدير النفط يجب أن يتم عبر شركة تسويق النفط العراقية المملوكة للدولة ("سومو") وأي خطوة خارج "سومو" هي غير قانونية.
في عام 2014، طلب رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي من "حكومة إقليم كردستان" تصدير 100 ألف برميل يوميًا عبر "سومو"، على أن ترسل بغداد لـ"حكومة إقليم كردستان" حصتها من الإيرادات، لكن "حكومة إقليم كردستان" رفضت. بعد ذلك، أوقفت الحكومة المركزية في بغداد ميزانية "حكومة إقليم كردستان". وفي عهد رئيس الوزراء العراقي حيدر العباد، طلب هذا الأخير مجددًا من "حكومة إقليم كردستان" تصدير 250 ألف برميل يوميًا عبر "سومو"، لكن كردستان رفضت مرة أخرى، ثم رفع مصطفى الكاظمي المعدل إلى 400 ألف برميل يوميًا عبر "سومو"، إلا أن "حكومة إقليم كردستان" رفضت كل هذه الطلبات وقامت بتصدير النفط عبر خطوط أنابيبها بدلًا من ذلك.
في الواقع، تنص المواد 115-112-111 من الدستور العراقي على وجوب تصدير النفط عبر شركة "سومو"، وقد أدرجت هذه النقطة في قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن تصدير النفط من "حكومة إقليم كردستان". لذا فإن العقبة الحقيقية هي شحن النفط، الذي أشار إليه القرار على أنه "انتهاك" للدستور العراقي.
ونتيجة الضغوط المالية الناجمة عن خسارة الإيرادات النفطية – خصوصًا وأن احتياطيات النفط شبه كاملة و"حكومة إقليم كردستان" تعتمد بشكل كبير على هذه الإيرادات لتوفير الدخل – اضطرت "حكومة إقليم كردستان" إلى القبول بشروط بغداد. فوافقت حاليًا على بيع نفطها عبر بغداد والامتناع عن تسويقه بشكل مستقل.
ستقوم ايضا "حكومة إقليم كردستان" بتصدير نفطها عبر بغداد من دون الخضوع لسلطتها. في المقابل، ستحصل "حكومة إقليم كردستان" على منصب نائب الرئيس في شركة تسويق النفط العراقية "سومو"، وسيتم تحويل إيرادات النفط بعد بيعه إلى حساب مصرفي مشترك بين "سومو" و"حكومة إقليم كردستان". ويعتبر هذا الأمر تنازلًا كبيرًا من جانب "حكومة إقليم كردستان" وتبدلًا في العلاقات بين الجهتين، سيما وأنه كان مطلب الحكومات العراقية السابقة لسنوات.
في الثورات الكردية، تردد الشعار الكردي "الجبال هي ظهرنا". وفي التاريخ الكردي الحديث، يعتمد الأكراد على الغرب، وخصوصًا الولايات المتحدة، لدعم وضعهم شبه المستقل. ولكن عند هذا المنعطف الرئيسي، بدا أن حلفاء الأكراد أذعنوا لهذا التبدد الإضافي في الحلم الكردي بالحكم الذاتي. إذ قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية يوم الاثنين لـ"شبكة رووداو الإعلامية" إن الخارجية "حثت أنقرة وبغداد على السماح باستئناف تصدير كردستان للنفط عبر تركيا"، ولكنه لم يأتِ على ذكر الاستقلالية في التصدير.
وفي الماضي، وجدت "حكومة إقليم كردستان" طرقًا للتصدي لضغوط بغداد ضد استقلالها المالي. لكن هذه المرة، يبدو أن الضغط أو الإذعان الدولي أغلق جميع الأبواب أمام هذا الجانب الأساسي من الحكم الذاتي لأكراد العراق، أي الاستقلالية المالية لـ"حكومة إقليم كردستان" عن بغداد.