- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
نظام الأسد يستخدم "داعش" ذريعة لتبرير أنشطته في شرق سوريا
لمكافحة آثار أنشطة النظام المزعزعة للاستقرار في شرق سوريا، يمكن للولايات المتحدة التركيز على دعم القبائل العربية المحلية.
تواصل الجهات الفاعلة في شرق سوريا استخدام القتال ضد تنظيم الدولة "داعش" لتبرير وجود قواتها وإخفاء أعمالها العنيفة ضد السكان. وعلى وجه الخصوص، واصل نظام الأسد تسليط الضوء على ما يصفه بهجمات "داعش" كطرق لإخفاء أفعاله الوحشية ودفع المجتمع الدولي نحو حل سياسي في شرق سوريا لصالحه. ويمكن للولايات المتحدة في محاربة هذه الأنشطة التي تُبرر كتدابير لمواجهة "داعش"، أن تبدأ في دعم القبائل العربية المحلية، وهي مجموعة كبيرة من السكان في شرق سوريا لم تعلن بعد عن ولائها رسميًا لأي طرف في النزاع.
وفي آذار/مارس 2019، قامت إدارة ترامب وقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من الولايات المتحدة بالإعلان عن القضاء التام على تنظيم "داعش" في سوريا. أما اليوم، فإن "داعش" تعمل بالتأكيد في المنطقة. أولًا، ثمة مخاوف مستمرة بشأن الأوضاع في مخيم الهول، حيث يجري احتجاز أعداد كبيرة من أفراد عائلات التنظيم، وأفضت المداهمات الأخيرة إلى اعتقال أحد كبار أعضاء "داعش". علاوةً على ذلك، لا يزال التنظيم يسيطر على جيوب صغيرة في سوريا وشمال العراق تتطلب اهتمامًا مستمرًا بغية منع توسّعها. ومع ذلك، فإن نشاط تنظيم "داعش" في سوريا لا يمت بأي صلة إلى ما كان عليه قبل عام 2019، والتنظيم بعيد كل البعد عن أن يكون الجهة الفاعلة ذات التداعيات الأكبر والأخطر في البلاد في الوقت الحاضر.
ومع ذلك، بغض النظر عن وضع "داعش" الهش جدًا، فإن القضاء على التنظيم لا يزال بمثابة مبرر للدخول في الصراع في المنطقة الشرقية لسوريا الغنية بالنفط. وفي هذا الصدد، أتقن نظام الأسد استراتيجية خلق عدو في أعين المجتمع الدولي ومن ثم الترويج لقدرته على محاربته والقضاء عليه بمفرده. ثم يستخدم النظام تلك "المعركة" لتحقيق أهداف أخرى. فقد استخدم نظام الأسد بالفعل هذه الاستراتيجية عدة مرات، بما في ذلك في عهد والد بشار الأسد، حافظ الأسد، الذي استخدم وجود الجماعات الإرهابية ذريعةً لدعم المقاومة ضد القوات الأمريكية في العراق في التسعينيات. بالإضافة إلى ذلك، استخدمت مؤسسات استخبارات النظام الجماعات الإرهابية لزعزعة أي استقرار جرى التوصل إليه في الدول المجاورة.
وبالمثل، خلال الحرب الأهلية السورية، استخدم النظام "داعش" ككبش فداء لإخفاء سلوكه الوحشي. وتتجلى هذه النزعة في اختطاف الصحفي الأمريكي أوستن تايس عام 2012 في منطقة بالقرب من دمشق. وفي البداية، وصل تسجيل فيديو للحادث إلى وسائل الإعلام، يظهر فيه رجال مسلحون يختطفون تايس، لكن الخبراء قرروا أن الفيديو كان مزيفًا. ولم يحدث أي تطور حتى عام 2016 حين تلقى المسؤولون الأمريكيون معلومات من أفراد النظام تشير إلى أن تايس كان محتجزًا في السجن العسكري للحرس الجمهوري، التابع لبشار الأسد بشكل مباشر. ومنذ ذلك الحين حاولت الولايات المتحدة التفاوض على إطلاق سراح تايس لكن من دون جدوى، ويعتقد المسؤولون الأمريكيون أن ثمة أربعة رهائن أمريكيين آخرين محتجزون من قبل النظام في سوريا، وإن مسؤولي إدارة بايدن يواصلون العمل من أجل إطلاق سراح تايس.
علاوةً على ذلك، فإن قضية تايس بعيدة كل البعد عن أن تكون حالة الاختفاء القسري أو القتل الوحيدة التي نفذها النظام أو شركاؤه وألقى فيها باللوم على "داعش". ففي عام 2013، جرى اختطاف الملازم أول عبد الوهاب محمد الخلف في الرقة من حاجز "المقص" التابع لتنظيم "داعش". وأثار اختطافه غضب أفراد عشيرة البوسرايا التي ينتمي إليها، ما كاد يؤدي إلى اشتباك مسلح بينه وبين "داعش"، إلى أن أصدر تنظيم الدولة بيانًا بعدم مسؤوليته عن حادثة الاختطاف هذه، مؤكدًا أنه جرى اختطافه من قبل نظام الأسد. والأكثر من ذلك، تزامنت الحادثة مع اختفاء الكاهن اليسوعي باولو دالوليو من المنطقة نفسها، حيث اتضح أيضًا بعد بحث وتحقيقات مكثفة أجراها مكتب أمن حركة "أحرار الشام" أن النظام وليس "داعش"، كان مسؤولًا على الأرجح عن اختفائه.
واستمر هذا النوع من السلوك حتى السنوات الأخيرة ويتجاوز عمليات الاختطاف والاختفاء. ففي آذار/مارس الماضي، قُتل أكثر من 21 شخصًا في منطقة معدان في بادية الرقة، معظمهم من الرعاة المحليين، في هجوم نُسب إلى "داعش". ومع ذلك، حمّل السكان والسياسيون نظام الأسد المسؤولية عن الحادث. ومؤخرًا، في نيسان/أبريل 2020، تعرض رعاة مرة أخرى لهجوم في منطقة التبني نفذته مجموعة مسلحة تقود سيارات خاصة بالطرق الوعرة، استمرت من الساعة الخامسة عصرًا حتى بعد منتصف الليل. وطلب الرعاة مساعدة الأهالي لمقاومة هذا الاعتداء عليهم، ما أدى إلى الكشف عن الجهة المسؤولة. ويشير الزي الرسمي والمركبات التي استخدمتها المجموعة إلى أنهم ينتمون إلى ميليشيا إيرانية متحالفة مع النظام. وقد جرى إثبات هذه الفكرة بشكل أكبر من قبل بعض الشخصيات العاملة داخل النظام الذين لديهم معرفة بالمنطقة. وتدخّل مسؤولون من عشيرة البقارة لمنع القتال بهدف الانتقام من الإيرانيين، ولتعويض الرعاة عن خسائرهم ومعالجة الجرحى بشرط تسوية الأمر على أنه هجوم نفذته "داعش".
بالإضافة إلى استخدام النظام لتنظيم "داعش" كغطاء لأعماله، فإن أنشطته العسكرية التي تهدف ظاهريًا إلى مواجهة التنظيم تكاد لا تخدم غرضها المفترض. بل إن بعض المحللين أشاروا في الواقع إلى أن تكتيكات النظام العسكرية ستقوم بالمحافظة على وجود "داعش" في منطقة البادية من دون إحداث تغيير في نطاق التنظيم. وعلى هذا النحو، بدلًا من إضعاف "داعش"، تخدم جهود النظام المناهضة للتنظيم أهدافًا اقتصادية وسياسية مهمة للنظام لا علاقة لها بمكافحة الإرهاب. فعلى سبيل المثال، تركز هجمات النظام ضد "داعش" على الاحتفاظ بطرق إمداد مهمة تدعم الاقتصاد المحاصر في سوريا الذي يسيطر عليه النظام. بالإضافة إلى ذلك، يسعى نظام الأسد، الذي يجيد تقديم أعداء زائفين لتعزيز مصالحه، إلى استغلال قضية "داعش" لتخليص نفسه من المنتقدين الدوليين وممارسة الضغط لتحقيق رضوخ دولي لإيجاد "حل سياسي" في سوريا. هذا الحل، الذي دأبت روسيا على الترويج له، من شأنه أن يساعد في الحفاظ على سيطرة النظام على البلاد.
إن هذا الحل السياسي جذاب بشكل خاص بالنسبة إلى الأسد وداعمته روسيا، في ظل ركود الوضع في شرق سوريا. في حين أن الحرب التي دامت عقدًا من الزمن في سوريا غيرت شكل البلاد بأكملها وألحقت بها أضرارًا جسيمة بطريقتها الخاصة، يواجه الشرق حالة صراع مترسخة ومعقدة بشكل خاص. فأنتج تعدد الأطراف الفاعلة وطبيعة الصراع المعقدة في شرق سوريا دينامية تشبه إلى حد بعيد الحروب بالوكالة خلال الحرب الباردة، حيث تدعم روسيا والولايات المتحدة القوات المحلية بينما تشارك في بعض الأحيان بشكل مباشر ليس إلا. في الوقت الحالي، مع سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" ذات الأغلبية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة على جزء كبير من شمال شرق سوريا شرق نهر الفرات، وسيطرة قوات النظام المدعومة من روسيا على معظم الأراضي المجاورة غرب النهر وجنوبه (جنبًا إلى جنب مع المليشيات المدعومة من إيران والمتوائمة مع النظام)، فإن الوضع في المنطقة قد دخل في طريق مسدود.
حتى يجري التوصل إلى حل سياسي ملائم، يمكن لنظام الأسد الاستفادة من استمرار عدم الاستقرار والصراع في شرق سوريا. لهذا السبب، فهو يؤجج نار الخلاف بين مكونات السكان من أجل منع استقرار المنطقة، وغالبًا ما يستخدم "داعش" لتبرير أنشطته المزعزعة للاستقرار. وكجزء من تلك الاستراتيجية، يستغل أيضًا قلة الدعم الأمريكي للقبائل العربية المحلية التي تُعَد المكون الأكبر في منطقة دير الزور في الشرق. إن هذه العشائر بحاجة ماسة إلى دعم دولي وأمريكي، لمحاربة قوات "داعش" التي دفعتهم إلى النزوح من ديارهم، ومقاومة الاختراق الإيراني، والوقوف في وجه الأطماع الروسية والنظامية.
بالنظر إلى حقيقة أن هذه القبائل غالبًا ما تكون ضحايا هجمات النظام التي يُلقى باللوم فيها على "داعش"، يمكن للولايات المتحدة أن تدعم القبائل العربية في المنطقة كوسيلة لمحاربة الأنشطة المزعزعة لاستقرار التي يقوم بها النظام في شرق سوريا مع منعهم من الرضوخ لروسيا أو إيران. وسيساعد هذا الدعم أيضًا في منع إبرام الجماعات المحلية أي اتفاق حول حل سياسي يخدم مصالح النظام.
وبشكل عام، يجب على الولايات المتحدة أن تسرع في الاعتراف باستخدام "داعش" ككبش فداء لأنشطة النظام السوري ويجب أن تستمر في توضيح الحقيقة حول أنشطة التنظيم في سوريا من أجل إضعاف الجهود التي يبذلها النظام لأغراض دعائية. وبذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تدعم القبائل العربية المحلية، التي هي بالفعل في حاجة ماسة إلى الاهتمام الدولي، وترسيخ المشاعر المعادية لروسيا وإيران بين السكان في المنطقة.