- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
عقبات في طريق الانتخابات البرلمانية العراقية
يُمثل انتشار السلاح المنفلت وعدم كفاية المراقبة الدولية التحدي الأبرز أمام إجراء انتخابات حرة وشفافة.
تُصر الحكومة العراقية حاليا على إجراء الانتخابات البرلمانية في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر في موعدها، كما أكدت المفوضية العليا للانتخابات العراقية بأنها ماضية في إجراء الاقتراع المبكر في موعده المقرر، وكرر رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي في أكثر من مناسبة أن الانتخابات لن تتأجل. ومع ذلك، فمن المحتمل أن الأمر لم يتم تحديده على هذا النحو، وأن هذه القرارات يمكن أن تتبدل بين ساعة وأخرى. ومن ثم، أتصور أن الأمر ليس بهذا الجمود، تماما كما حدث في مواقف لا تقل أهمية وخطورة عن الانتخابات ومنها قضية تطبيق القانون، وتحجيم دور الفصائل الولائية المتمردة على الحكومة والتي تفرض أرادتها على المشاهد السياسية والبرلمانية والحياتية في بلاد غابت عنها الطمأنينة منذ أكثر من عقدين من الزمن.
علاوة على ذلك، هناك عدة عقبات رئيسية تحول دون إجراء الانتخابات في موعدها، فبحكم عملي كصحفي لمدة 15 عاما قمت خلالها بتغطية الشؤون العراقية، أتصور أن العقبات التي سأذكرها في طريق الانتخابات ربما ستبين أسباب ميلي إلى فرضية عدم إجراء الانتخابات في موعدها.
يمثل السلاح المنفلت أبرز العقبات التي قد تؤدى الى تأجيل العملية الانتخابية، حيث لا يمكن تصور انتخابات نزيهة وشفافة في أجواء غير صحية، ومنها السلاح المنفلت للقوى التي لا تريد استقرار العراق. والدليل على ذلك استمرار استهداف البعثات الدولية العاملة في العراق من قبل فصائل مسلحة تدعي أنها تابعة للقوات الرسمية في العراق، والاغتيالات المستمرة في عموم البلاد وبالذات للناشطين من شباب مظاهرات تشرين وغيرهم. وفى هذا الإطار، تبرز الإشكالية الكبرى في سيطرة مجاميع سياسية تابعة لتلك القوى المسلحة على البرلمان الحالي، وتهديدهم للمواطنين بانتخاب الشخصيات التابعة لهم أو القريبة منهم، وهذا ما حصل في انتخابات عام 2018، وكانت السبب وراء مطالبة الكثير من العراقيين بإجراء انتخابات جديدة في المقام الأول.
يعد المال السياسي أحد ابرز العقبات التي تقف حائلا أمام نزاهة وشفافية الانتخابات المقبلة، فمن الثابت في العراق أن المال العام يُستخدم في الترغيب للمشاركة في الانتخابات، ولهذا هنالك قوى وشخصيات مرشحة تنظر للمنصب على أنه غنيمة وليس أداة لخدمة الجمهور والبلاد، وعليه وجدنا أنهم ينفقون أموالا طائلة في دعاياتهم الانتخابية، أملا في استرداد تلك الأموال التي صرفت عبر العقود الفاسدة والعمولات المقطوعة في العقود المرتقبة والمتوقعة، في بلاد تعاني من شلل في التخطيط وفساد مالي أهدر أكثر من ألف مليار دولار باعتراف بعض المسؤولين الحكوميين. وهذه الأموال تؤثر ليس فقط على تغيير إرادة الناخبين وإنما أيضا على نتائج العد والفرز بعد الانتخابات عبر شراء ذمم بعض الموظفين والمتحكمين في نتائج الانتخابات.
وبصرف النظر عن الطريقة التي سيتم بها التصويت، فمن المتوقع أيضا أن يتم التزوير والتلاعب بنتائج الانتخابات، فهناك تسريبات من بعض الصالونات السياسية تفيد بأن الشخصيات التي ستفوز بالانتخابات القادمة قد حُسمت، وأن الخلاف الآن بين القوى الفاعلة فقط على 30% من تلك الأسماء التي لم تحدد بعد.
على الرغم من أن التيار الصدري كان يتأهب لتحقيق أكبر مكاسب في الانتخابات العامة المبكرة المقرر إجراؤها في أكتوبر المقبل والحصول على رئاسة الحكومة ، إلا أن زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، اعلن أمام الكاميرات، في منتصف شهر يوليو الماضي انسحابه من المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة "فالوطن"، كما قال، "أهم من كل ذلك (...) أعلن سحب يدي من كل المنتمين لهذه الحكومة الحالية واللاحقة وإن كانوا يدعون الانتماء إلينا آل الصدر. ويمكن أن ينظر لانسحاب التيار الصدري على أنه محاولة للي أذرع بقية القوى السياسية، حيث أعلن مقتدى الصدر في خطاب الانسحاب عن عدم دعمه لأي حزب في الانتخابات التشريعية.
ولكن يبدو أن هذه الخطوة التكتيكية يراد منها الحصول على وعود من شركائهم بإمكانية حصول التيار على المنصب الأهم والأبرز في عراق ما بعد 2003، منصب رئاسة الحكومة، وربما ينطوي هذا القرار على إعادة ترتيب أوراق التيار الصدري مع وجود بعض الاستطلاعات التي تشير إلى تراجع شعبية الصدر إلى درجات كبيرة. والتجارب السابقة أثبتت أن الصدر ليس ثابتا على مواقفه، ولهذا ربما سيتراجع في الساعات الأخيرة، وقد ذكر نائب رئيس الوزراء السابق بهاء الأعرجي، والعضو السابق في التيار، في أغسطس الماضي أن التيار الصدري سيشارك في الانتخابات المقبلة!
وبعد انسحاب الصدر توالت (الانسحابات الإعلامية، وليست الرسمية) ومنها انسحاب الحزب الشيوعي العراقي، ورئيس جبهة الحوار الوطني صالح المطلك، ورئيس الوزراء الأسبق أياد علاوي بالإضافة إلى العديد من المرشحين غير البارزين. ومع ذلك، أكدت المفوضية والتي قالت بأنها لم تتلق أي طلبات تحريرية للانسحاب من الانتخابات وهذا يعني أنهم باقون داخل ميدان السباق الانتخابي، ويمكنهم المشاركة، لأنهم لم يقدموا طلبات الانسحاب ضمن التوقيتات القانونية للانسحاب خلال الأشهر الماضية، وبهذا فهم باقون في حلبة الترشح، وربما جميعهم يرغبون بتحقيق أهداف شخصية وحزبية، آنية ومستقبلية، من وراء إعلان الانسحاب، أو في أفضل الأحوال الضغط على الكاظمي لتأجيل الانتخابات إلى نهاية العام القادم!
اللافت للنظر أن بعض الكيانات السياسية التي لم تنسحب من الانتخابات أوقفت دعاياتها الانتخابية، لأنها على يقين بأن الانتخابات لا يمكن أن تمضي في التوقيت المحدد لها. الفيصل في قضية الانتخابات هو هل سيحل البرلمان العراقي نفسه في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أي قبل ثلاثة أيام من الانتخابات أم لا؟
ولكن يبدو أن انسحاب الصدر لم يكن عبثيا، وإنما كان لغايات سياسية ولهذا رأينا أن زعيم التيار مقتدى الصدر أعلن يوم 27/ آب/ أغسطس عودته للمشاركة في الانتخابات أن "العودة إلى المشروع الانتخابي باتت أمرا مقبولا، وسنخوض الانتخابات بعزم لإنقاذ العراق من الفساد والاحتلال والتبعية والتطبيع"!
يمثل غياب التمثيل السياسي الحقيقي لبعض المناطق المضطهدة أو المسحوقة عقبة أساسية مما ولد قناعة لدى فئات كثيرة من الشعب أن الانتخابات أداة للثراء الشخصي والتغول الحزبي، والتنمر السياسي، وليست أداة لمراقبة أداء الحكومة والعمل البرلماني الناضح الساعي لتحقيق آمال الناس، وطموحاتهم، وتنمية البلاد، وتطويرها. هذه القناعة تسببت بعزوف واضح عن المشاركة في الانتخابات الماضية، وهذه النفرة من المشاركة متوقعة في الانتخابات المقبلة.
وبالتالي كيف يمكن توقع الانتخابات مع هذا الغضب الشعبي المتمثل في مظاهرات تشرين والحملات الشعبية الداعية لمحاكمة المجرمين وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهي مطالب إنسانية عادلة لم تستجب لها أي حكومة حتى الآن بما فيها حكومة الكاظمي. وكيف يمكن أن تجرى انتخابات في مناطق هنالك اتهامات مسبقة لأبنائها بأنهم من الإرهابيين، والكثير منهم مطاردون بحجج وتهم باطلة؟ أضف الى ذلك، أن الحكومة قررت عدم إشراك العراقيين النازحين خارج البلاد في التصويت وهذا دليل قاطع على عدم وجود تمثيل برلماني حقيقي لكل شرائح المجتمع العراقي، وبالذات تلك الفئات المهجرة في دول الجوار ومختلف القارات!
يعد تنامي الإرهاب أيضا مؤشرا واضحا على عدم وجود أرضية صالحة للانتخابات، وينطبق ذلك على جميع مدن العراق الغربية والشرقية والشمالية عدا مدن إقليم كردستان وغالبية مدن الجنوب، والتي تشهد عودة للمجاميع الإرهابية للعبث بالعديد من المدن ومن بينها ديالى وصلاح الدين والموصل ومناطق حزام بغداد وغيرها.
ومن ثم، وفى ظل انتشار المال السياسة والإرهاب والترهيب لا يمكن أن يتوقع العراقيون إجراء انتخابات حرة وشفافة. وفي حالة إجراء انتخابات شفافة بالفعل، سيحتاج العراق إلى مرحلة انتقالية يتم خلالها الترتيب لعملية انتخابية نزيه وبإشراف دولي حقيقي. ويتمثل الدور الأممي بضرورة الضغط على حكومة بغداد لمنع تدخل القوى المالكة للسلاح في تغيير إرادة الناخب العراقي، وكذلك وجوب العمل على زيادة أعداد المراقبين الدوليين، وتفعيل الرقابة الإلكترونية، وأيضاً ضمان تأمين صناديق الاقتراع والإسراع في إعلان نتائج الانتخابات خلال 24 ساعة مثلما وعدت حكومة مصطفى الكاظمي.
ومع كل ما تقدم أتصور أنه ومن الأهمية بمكان بيان أن قانون الانتخابات، الذي أقره مجلس النواب العراقي، وصادق عليه الرئيس برهم صالح في الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020 ، لم يحجم دور القوى المالكة للسلاح في المشهدين السياسي والانتخابي، وبالتالي سنرى في المرحلة المقبلة استمرار تحكم القوى المالكة للسلاح بالمسار التشريعي داخل قبة البرلمان القادم، تماما مثلما هي اليوم، وهذا، بلا شك، سينعكس على القرار السيادي في عموم الملفات الداخلية والخارجية، وسيدعم استمرار حالة اللادولة في العراق لأربع سنوات جديدة.
إن العمل على معالجة الأسباب العديدة التي تمنع شفافية العملية الانتخابية يمكن أن يفرز برلمانا شعبيا خاليا من القتلة والمجرمين، والكتلة الأكبر هي التي تشكل الحكومة الممثلة لكل العراقيين والهادفة لبناء دولة المواطنة، وحينها يمكن أن نضع اللبنة الأولى لبناء العراق السعيد. فهل ستسعى الدول الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لمساعدة العراقيين على تحقيق هذا الحلم الكبير أم أننا سنبقى ندور في هذه الحلقة المليئة بالترهيب والخوف والقائمة على سياسة دولة اللادولة؟