- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
قد تكون بوابة للتغيير وقد تكون بوابة لصرعات جديدة، انتخابات العراق 2021
يستعد العراقيون للمشاركة في الانتخابات الأكثر أهمية في البلاد منذ سقوط نظام صدام حسين عام 2003. وبينما تستعد جميع الأطراف لعملية الاقتراع، فإن المقابلات التي أجريت مع الناخبين الذين اختاروا المشاركة وهؤلاء الذين يقاطعون الانتخابات تؤكد على ما هو على المحك.
"نشجّع الجميع على المشاركة الواعية والمسؤولة في الانتخابات القادمة، فإنها وإن كانت لا تخلو من بعض النواقص، ولكنها تبقى هي الطريق الأسلم للعبور بالبلد الى مستقبل يرجى أن يكون أفضل مما مضى".
هذ ما صرح به المرجع الديني الأعلى للشيعة في العراق السيد علي السيستاني في بيانٍ له يوم الأربعاء ٢٩ سبتمبر بهدف تشجيع الناخبين على المشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة، حيث أكد السيستاني على الناخبين أن يأخذوا العبر والدروس من التجارب الماضية ويعوا قيمة أصواتهم ودورها المهم في رسم مستقبل البلد، مضيفًا أن على العراقيين استثمار هذه الفرصة المهمة لإحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكُفء عن مفاصلها الرئيسة. وبصفته أعلى سلطة دينية لمعظم الشيعة في العراق، فإن هذا البيان صدر بشكل عام لتحفيز الناخبين على الانخراط بالعملية السياسة، فمن المحتمل أن يحظى البيان بثقل كبير بين الكثير من الناخبين العراقيين.
وجاءت دعوة السيستاني في وقت يناقش فيه العراقيون مزايا المشاركة في الاستحقاق الانتخابي المقرر إجراؤه في 10 أكتوبر / تشرين الأول الجاري. ويتبنى كل فريقٍ منهم وجهة نظر مختلفة، فالمشاركون يرون إن التغيير يحصل بخيارين فإما بانتفاضة شعبية أقوى من احتجاجات تشرين٢٠١٩، وذلك بعيد المنال، أو من خلال مشاركة فاعلة في التصويت بصناديق الاقتراع. أما المقاطعون حجتهم بإن لا منطق من المشاركة بعملية انتخابية وسط أزمة حقيقية من السلاح المنفلت وهيمنة الجماعات المسلحة العقائدية والموالية لإيران وعدم وجود أمن انتخابي يعطي أجواء مرنة للناخب والمرشح المستقل.
وفى هذا الإطار قال مشرق الفريجي الأمين العام لحزب نازل اخذ حقي الديموقراطي، "لم نجد حلًا آخر أو خطوة بديلة غير المشاركة في الانتخابات". ويعد هذا الحزب أحد الأحزاب الجديدة آلتي أنشئت بعد احتجاجات تشرين ٢٠١٩، ويهدف الحزب إلى نقل زخم تلك الاحتجاجات إلى المجال السياسي. كما أكد الفريجي على أولوية الانتخابات من وجهة نظر حزبه حيث قال " لا وجود لمشروع واقعي ممكن أن نقتنع به أو نأخذ به غير الانتخابات ونعتقد أن تلك هي الخطوة السليمة للتغيير سلميًا وديمقراطيًا ولا خيار آخر للتغيير غير أن ندخل في هذا الصراع ونحاول جهدنا لتغيير الواقع من الداخل "
ويعتقد الفريجي أن نسبة التغيير تعتمد على الأرقام، مشيراً إلى إن هناك فرصة جيدة للشباب والمرشحين المستقلين والحركات السياسية الناشئة، وهذه كبداية ستكون بداية جيدة خصوصًا وإننا بحاجة لخصومة سياسية من داخل السلطة، وبحاجة الى تنظيم معارضة حقيقية داخل البرلمان.
كما يتفهم الفريجي المنطق الذي يدفع الناس الى العزوف عن المشاركة في العملية الانتخابية موضحا في حديثه بأن "مقاطعة الانتخابات هي رؤية لدى بعض الذين يرونها حلا أو بداية لتنظيم مشروع وهي محط احترام رغم اختلافنا على الآلية لا الأهداف المشتركة، وعلى الناس أن يعوا أن التغيير سيأتي عبر أصواتهم دعونا نحاول فهذه هي فرصتنا".
وفي سياقٍ متصل، ومن جانب المقاطعون للانتخابات قال علاء ستار العضو القيادي في حزب البيت الوطني، إن الانتخابات ستكون بنتائجها كارثية وأسوء من الانتخابات الماضية، "ويقصد الفساد الذي شاب انتخابات ٢٠١٨" التي انتتجت حكومة هشة وضعيفة، ولا تمثل تطلعات غالبية العراقيين، وأشار ستار أن العودة للاحتجاج مرة أخرى هو أمر متخذ مسبقًا في حال تحقق ما توقعناه حول الحكومة التي ستنتجها انتخابات تشرين المقبل، ونتمنى التوفيق لمن سيشارك وسط هذا الجو الانتخابي غير الآمن. ووصف ستار قرار المقاطعة بأنه موقف سياسي وليس رفض عشوائي، وان حزبهم يسعى لأن تكون المقاطعة مغايرة لمقاطعة 2018.
وأدت المقاطعة الواسعة للانتخابات في عام2018 الى وصول العراق الى ادنى معدل من المشاركة لم تشهدها أي انتخابات أخرى في مرحلة عراق ما بعد عام 2003، حيث قاطع الانتخابات قرابة ٨٠٪ ممن كان يحق لهم التصويت، وذلك وفق إحصائيات المفوضية المستقلة للانتخابات، وأنتجت تلك المقاطعة برلمانًا غير مرضي للشارع العراقي، وحكومة من خلال اتفاقات سياسية والتي ترأسها رئيس الوزراء السابق عادل عبد المهدي التي اندلعت في فترة حكمها احتجاجات غاضبة في عموم وسط وجنوب العراق وقُوبلت بالحديد والنار حيث راح ضحيتها اكثر من ٢٠ آلفًا ما بين قتيلٍ وجريح.
وبالرغم من كل ذلك، فإن هناك من يعتقد أن انتخابات تشرين الأول تمتلك الإمكانات لتكون مختلفة عن انتخابات عام2018. قالت ذلك الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين بلاسخارات في جلسة الأمم المتحدة، حيث أكدت إن مسؤولية إجراء انتخابات ناجحة لا تقع حصراً على عاتق مفوضية الانتخابات، ولا يمكن أن تكون كذلك، ولذلك فنحن ندعوا باستمرار جميع الأطراف المعنية بما في ذلك مسؤولي الحكومة، الأحزاب، المرشحين، القوى السياسية منظمات المجتمع المدني، ووسائل الإعلام، والناخبين إلى الالتزام بانتخابات تتسم بالشفافية والنزاهة، قولاً وفعلاً.
بلاسخارات قالت أيضا إن "المقاطعة ليست استراتيجية فعالة ولن تقدم أي حلول، على العكس، فحينما لا تدلي بصوتك فإنك في الواقع تهدي صوتك لأولئك الذين قد تعارضهم، وبالتالي، من المهم بالنسبة للناخبين والسياسيين على حد سواء العودة إلى العملية".
وعلى صعيدٍ رسمي قال عضوٌ في المفوضية المستقلة للانتخابات رافضًا الكشف عن اسمه إن "المفوضية اتخذت العديد من الإجراءات الغاية منها القضاء على أساليب التزوير والتلاعب بكل تفاصيل العملية الانتخابية، وقطع الطريق لمن تسول له نفسه بإن يعكر صفو العملية الانتخابية". مضيفًا إن "على الحكومة الآن التزامًا بتقديم الدعم للناخبين والمرشحين والعملية الانتخابية بشكل عام، ومن اهم من يجب تقديمه هو حماية المراكز الانتخابية وإنهاء ظاهرة التأثير على إرادة الناخب من خلال التهديد والترهيب وضخ الأموال".
كما أكد عضو المفوضية المستقلة للانتخابات "إن في حال نفذت الحكومة التزاماتها سيكون هناك حلقة متكاملة من الناخب الى المرشح الى المفوضية وتحت حماية الدولة ومؤسساتها العسكرية للعبور بالانتخابات الى بر الأمان وخلق بيئة انتخابية صالحة تكون نتاجاتها تصب في مصلحة الوطن والمواطن".
من جانبه قال المحلل السياسي وعضو حراك البيت العراقي السياسي، كتاب الميزان، إن "انتخابات تشرين مفصلية وهي من سترسم وجه النظام السياسي الحالي، وأن اقتراع تشرين كان نتاج مطالب لاحتجاجات شهدها العراق بفترة كانت حرجة جدا، لكن هذا الانتخابات سيكون نتاجها إيجابيا شريطة توفير البيئة الأمنة لها، وحصر السلاح بيد الدولة وتجفيف منابع المال للخارجين عن القانون".
ويرى الميزان أنه إذا لم تتوفر تلك البيئة فستنتج الانتخابات طبقة سياسية أسوء ممن سبقها، ولهذا السبب يراهن المجتمع الدولي عليها والشعب العراقي، لإنها انتخابات مرحلية لعبور أزمة، ولتأسيس دولة قوية.
وأضاف الميزان، أن نجاح الانتخابات وأجراءها بدون تزوير سيؤدي لتأسيس وتطوير النظام السياسي من خلال شخصيات كفؤة تمتاز بالنزاهة وان ترتيب الأوراق والاتفاقيات الدولية سيكون أول مهامها.
ويرجح المحلل السياسي إن هذا النجاح إذا حدث سيكون بفضل احتجاجات تشرين، ولو حدث العكس سيؤدي لتوغل الطبقة السياسية أكثر بالفساد واستمرار الهيمنة الخارجية على القرار السياسي العراقي واختطاف الدولة على يد الميليشيات الخارجة عن القانون.
وفي سياقٍ متصل قال محمد الصميدعي وهو مواطن عراقي، إن "هيمنة السلاح والميليشيات الموالية لإيران لن تسمح بإن يأخذ سلطتها وقوتها مرشحٌ مستقل".
وأضاف الصميدعي، أن "كل ما جمعته هذه القوى المنفلتة من سلطة وأموال وعقارات ودرجات وظيفية وسيطرة على مؤسسات الدولة، على مدار سنين طوال لا اعتقد أنها ستتنازل عنه بهذه السهولة، أن نجاح هذه الانتخابات معقود بقوة الدولة المفقودة، وفشلها سيكون نهاية سيئة لهذا البلد".
وينظر كثيرون إلى اقتراع تشرين على انه فرصة أخرى وقد تكون أخيرة لصنع التغيير الذي يصبو إليه العراقيين بطريقة ديمقراطية، وفي ذات الوقت يقول آخرون انه لا جدوى من انتخابات معروف نتائجها مسبقًا.
وسواء قرر الناخبون العراقيون البقاء في منازلهم أو الذهاب إلى صناديق الاقتراع للاقتراع، لا تزال الكثير من الأسئلة في الأذهان ولا يمكن الإجابة عنها في تضاريس العراق المتغيرة، فلهذا البلد متغيرات كثيرة وتقلباتٌ سياسية أكثر وأحداث متسارعة، ولا يمكن معرفة المصير وماذا ينتظر العراقيين بعد اقتراع أكتوبر / تشرين إلا في وقتها.