13 أغسطس 2015
في مشهد مهيب، إفتتح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أول مشروع واسع النطاق يقوم به كرئيس وهو: تفريعة جديدة لقناة السويس المعروفة بـ "قناة السويس الجديدة". وعلى الرغم من إستخفاف الإخوان المسلمين وجزء كبير من وسائل الإعلام الغربية من جدوى المشروع، إلا أن حكومة السيسي بهيكلها الجديد، تحاول أن تثبت للرأي العام المصري والعالمي، أن إستقرار مصر يتوقف في نهاية الأمر على تحقيق مشروعات قومية رغم الإرهاب المتزايد والتدهور الإقتصادي. وفي النهاية، تشير "قناة السويس الجديدة" أن هناك طرق ممكنة لتعافي الاقتصاد المصري إذا كانت هناك إرادة شعبية للقيام بذلك فضلاً عن وجود قيادة سياسية تحظى بثقة مواطنيها.
في عام 1956، فاجأ الرئيس عبد الناصر العالم بقراره تأميم قناة السويس وإنتزاع ملكيتها من الشركة السابقة المدعومة من قوة استعمارية بعد أن رفض المجتمع الدولي بناء السد العالي. وفي سياق مماثل، أثارت حكومة السيسي أيضاً مفاجأة دولية بنجاحها تمويل الحصة الأكبر من مشروع القناة عن طريق شهادات استثمار تم شراؤها من قبل عدد كبير من المواطنين المصريين من جميع طبقات المجتمع، وبجمعها ثمانية مليارات دولار في ثمانية أيام فقط.
وسمحت عملية جمع التبرعات الجديرة بالإعجاب إفتتاح التفريعة الجديدة من القناة التي يبلغ طولها 72 كيلو متر خلال عام واحد فقط، بدلاً من ثلاث سنوات كما كان متوقعاً في الأصل. بيد، ما زالت تحليلات خبراء الإقتصاد منقسمة بين التفاؤل بشأن جدوى المشروع والتشاؤم بسبب البطء الشديد في حركة التجارة العالمية على خلفية الأزمة الإقتصادية التي تجتاح أوروبا حالياً. ومع ذلك، تتوقع هيئة قناة السويس أن ترفع التوسعة الجديدة من عدد السفن المارة يومياً في القناة من 49 إلى 97 سفينة بحلول عام 2023، كما تتوقع الحكومة زيادة دخل القناة من 5.3 مليار دولار حالياً إلى 13.2 مليار بحلول عام 2023. إلا أن هذه المشاريع تعتمد على مستويات حركة التجارة العالمية وعلى استمرار رفع كفاءة القناة.
والجدير بالذكر أن قناة السويس لها أهمية خاصة عند المصريين، حيث ضحّى الكثير منهم بدمائه وأرواحه أثناء حفر القناة الأصلية التي يبلغ طولها 193 كيلومتر في عام 1859، والتي تربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط. واستغرق بناء القناة أكثر من 10 سنوات وساهم في عملية الحفر ما يقرب من مليون فلاح مصري، أي حوالي ربع عدد السكان، الذين كانوا يُجبرون على الخدمة عن طريق السخرة. وأثناء عملية الحفر، توفي ما يقرب من 120 ألف مصري بسبب الجوع والعطش والأوبئة والتعذيب. وبعد ما يقرب من مائة عام، أصبح تأميم القناة من قبل عبد الناصر نقطة فخر رئيسية للمصريين وأدى إلى فتح الأبواب أمام مشاريع قومية كبرى أخرى، منها بناء السد العالي ومصانع الحديد والصلب الجديدة.
ومع النجاح الواضح لـ "قناة السويس الجديدة"، هناك العديد من الخطوات التي يمكن أن تتخذها الحكومة المصرية لضمان كوْن هذا النجاح دائمياً. إن التمويل الاجتماعي هو خيار قابل للتطبيق يمكنه أن يسهم في الاستثمار في مشاريع قومية أخرى في كافة المجالات، بما فيها الثقافة والصناعة والزراعة والسياحة. ويمكن لهذه المشاريع الوطنية أن تكون الأداة الرئيسية لمساعدة الاقتصاد المصري على التعافي. وفي هذا السياق، يشكل التقدم الاقتصادي الضامن الوحيد لزيادة شعبية حكومة السيسي وبقائها في الحكم. وعلى الرغم من الاضطرابات السياسية وقمع حريات المواطنين، إلا أن غالبية الشعب المصري لم تعد تهتم كثيراً بالصراعات السياسية والحزبية التي مزقت البلاد على مدى السنوات الأربع الماضية منذ أن أطاحت ثورة يناير 2011 بنظام مبارك، وعوضاً عن ذلك فإن هذه الغالبية تعني بالاقتصاد المصري في المقام الأول.
ومع ذلك، فمن أجل حماية هذه المشاريع الكبرى من مخاطر الإرهاب، يجب على حكومة السيسي تبنّي حملة بديلة لمقاومة الإرهاب بشكل فعال. وتنطوي هذه المقاربة على إتخاذ إجراءات لدعم تيارات الإسلام المعتدل داخل المؤسسات الدينية التابعة للدولة، مثل الأزهر ووزارة الأوقاف. وسيكون الهدف من ذلك نشر دعوة مستنيرة للإسلام بين الشباب لمكافحة الانجذاب القائم بينهم نحو الأشكال المتطرفة من الإسلام المتشدد الذي يقوده داعش، في المناطق القبلية والريفية في مصر.
لا بد من بلورة إستراتيجية قومية لمواصلة تسهيل مشاركة المواطنين في المشاريع الوطنية والسياسات الحكومية التي تحتاج إلى مصادر تمويل كبيرة. وأفضل الوسائل لجذب المواطنين للمساهمة في ذلك هي تجربة المشاريع الناجحة المموّلة من قبل المواطنين؛ وتوفر "قناة السويس الجديدة" الخطوة الأساسية الأولى في هذا الصدد. إلا أن مثل هذه الخطوة هي سلاح ذو حدين. فقد يفقد المواطنون الثقة في حالة انعدام الشفافية من جانب الحكومة بخصوص الفوائد والمستحقات المالية لكل مواطن مساهم - حتى لو كان نصيب المواطن في المشروع قليل جداً. ومن شأن المعاملات المالية المبهمة وغياب المساءلة الواضحة عن أموال المواطنين أن تفاقم حتماً من حالة السخط الشعبي إلى الحد الذي يزعزع استقرار الحكومة ونظام السيسي بأكمله.
وفي مخاوف أخرى ذات علاقة بما تقدم، من غير الواضح بعد ما إذا سيكون باستطاعة الحكومة تلبية تطلعات المستثمرين في القناة. فالعائدات التي تبلغ نسبتها 12 في المائة لأصحاب شهادات الإستثمار قد تزيد من العبء على الخزانة العامة، خصوصاً مع توقعات خبراء الإقتصاد بعدم جني الممر الجديد من القناة لأرباح فعلية على المدى القريب. بالإضافة إلى ذلك، فإن إنخفاض حركة التجارة في أوروبا بسبب الأزمة الإقتصادية قد يقلل أيضاً من الأرباح الفعلية للقناة. لذلك، فمن أجل تنويع المحفظة الاقتصادية، يتعين على الحكومة تشجيع المشروعات الصغيرة والمتوسطة في كافة المجالات مع تنفيذ سياسات منع الإحتكار بهدف تحريك عجلة الإقتصاد دون وضع أعباء على الخزانة المصرية.
وأخيراً، وعلى الصعيد السياسي، يجب على الحكومة العمل على تهدئة وتيرة القمع وتجاهل مبادئ الحرية والعدالة الإجتماعية القائمة حالياً والعمل على فصل السلطات. فقد أهلكت السلطة كل من تسلّمها لفترة دامت أكثر من سبع عقود، بدءاً من نفي الملك فاروق في عام 1952، وإلى دفع رؤساء مصر - ناصر والسادات ومبارك ومرسي - ضريبة حكمهم المستبد. وإذا أراد السيسي تجنّب مصير من سبقوه، يجب على حكومته أن تكفل بعناية إدارة أموال الشعب وآماله المستثمرة في "قناة السويس الجديدة".