قرار واشنطن رفع تجميد المساعدات العسكرية لمصر أمر لا مفر منه
01 مايو 2015
ان قرار واشنطن الأخير برفع تجميد تسليم مصر طائرات مقاتلة من نوع أف-16 وصواريخ هاربون وقطع غيار دبابات "إم1 إيه1،" كشف الغطاء عن الدعم الأمريكي للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. فعلى الرغم من التدهور في العلاقات الثنائية خلال العامين الماضيين، الا أن العلاقة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر لا تزال قوية.
بداية، إستهدف قرار التجميد منذ سنتين الضغط على حكومة السسيسي لتخفيف القبضة الصارمة على المعارضة ومناصري الرئيس السابق، محمد مرسي. لكن منذ وصوله الى سدّة الرئاسة، استطاع السيسي أن يثبت سلطته حيث أنه سيطر على أركان الدولة وحشد تحالف عربي، كما أبرم إتفاقيات لشراء أسلحة من دول مختلفة مثل فرنسا، وحسّن الوضع الاقتصادي في مصر.
السياسة الأمريكية كانت ولا تزال تسعى لتوطيد العلاقة مع من يحكم سيطرته على البلاد، بغض النظر عن مدى إستجابته لتطبيق ولو حد أدنى من الديمقراطية. فواشنطن كانت هي الداعمة الرئيسية للرئيس السابق، حسني مبارك، على مدار ثلاثين عاما، هذا عندما كان هو المسيطر الأقوى في البلاد، لكنها فجأة رفعت غطاء الدعم عنه عندما أصبح نظامه ضعيفًا. لهذا الأمر كان لا مفر أمام واشنطن سوى التعاون مع السيسي من أجل تأمين وتعزيز مصالحها بغض النظر عن الانتهاكات التي ترتكبها الحكومة المصرية لحقوق الانسان. وفي ظل تصاعد الحركات الإرهابية في المنطقة، مثل تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" من ناحية والنفوذ الشيعي من ناحية أخرى، ترى الولايات المتحدة بأن هناك حاجة لتشكيل تحالف سني قوي يضم مصر.
رحب السيسي بقرار واشنطن رفع تجميد المساعدات العسكرية مشيرًا إلى أنها ستساعد في مواجهة المسلحين الإسلاميين، حسبما أفاد بيان صادر عن الرئاسة المصرية. وقال البيان إن السيسي أكد في الاتصال الهاتفي مع الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، على "استمرار المساعدات العسكرية الأميركية لمصر، فضلا عن استئناف صفقات الأسلحة المتعاقد عليها بالفعل، إنما تصب في صالح تحقيق الأهداف الاستراتيجية المشتركة للبلدين." وحسب بيان الرئاسة، عقب الإعلان عن رفع تجميد تصدير تلك الأسلحة، أوضح السيسي أن هذا القرار سيساعد «فيما يتعلق بجهود مكافحة التطرف والإرهاب، وحفظ الأمن خاصة في سيناء." من ناحيته، يعلل أوباما وقف التجميد لدواعي " الأمن القومي" الأمريكي، ومن هنا يتحدث كلا الطرفين عن المصلحة الوطنية لبلاده، ولا يوجد تناقض في المصلحتين؛ فالأمن الأمريكي له صلة بالأمن المصري والعربي بشكل عام.
لكن ليس من المعقول أن يقتصر قرار رفع التجميد على مكافحة الأرهاب في سيناء، حيث أن ذروة الإرهاب في سيناء تزامن مع قرار التجميد قبل عامين، وكان من الأفضل رفع التجميد في ذلك الوقت لوأد الإرهاب قبل تشعبه وتزايد قدراته. فالدعم الأمريكي له علاقة بدور مصر ضمن تحالف سني لمواجهة تصاعد تنظيم "الدولة الاسلامية في العراق والشام" وفكره، والنفوذ الشيعي في بعض المناطق، من أهمها حالياً اليمن. وتلعب مصر دور كبير في مواجهة الجماعات الإرهابية داخل مصر وعبر حدودها في ليبيا، كما كان لها دوراً أساسياً في التحالف التي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن.
وبالرغم من وعود الرئيس السيسي المتكررة بالقضاء على الإرهاب قبل وصوله للحكم، الا أن الإحصائيات تبين بأن حكومته هي التي فاقمت من التدهور الأمني بفضل سياستها القمعية ضد المظاهرات السلمية، الأمر الذي أعطى الفرصة للجماعات المتطرفة في سيناء لتجنيد عدد كبير ممن لم يجدوا غير العنف كوسيلة للتعبير عن آرائهم.
وتشير الإحصائيات الى تزايد العمليات الإرهابية في عهد السيسي بشكل لم يسبق له نظير في تاريخ مصر. فمنذ الإطاحة بمرسي، وصلت العمليات الإرهابية لحوالي 700 هجوم إرهابي، وفي خلال الفترة الممتدة من يونيو 2013 حتى يوليو 2014 وصلت العمليات الإرهابية لحوالي 471 في مقابل 87 هجوماً منذ إندلاع ثورة يناير في العام 2011 حتى يونيو 2013، وكانت الغالبية العظمى من العمليات الإرهابية تستهدف قوات الجيش والشرطة المصرية في مؤشر واضح أنها كانت رد فعل على السياسة القمعية التي ينتهجها السيسي ضد القوى المعارضة.
وإذا إفتراضنا أن قطع المساعدات الأمريكية إستهدف الضغط على حكومة السيسي لإحترام حقوق الإنسان ورفع القبضة الأمنية على القوى الثورية المعارضة، الا أنه كان هناك تزايد سريع لانتهاك حقوق الإنسان. فطبقاً لمنظمات حقوقية داخل مصر، ثمة ما لايقل عن 42,000 معتقل سياسي داخل البلاد منذ الإطاحة بأول رئيس مدني بعد أكثر من ستة عقود تحت قبضة حكام من خلفيات عسكرية، وطبقا لتقرير صادر مؤخرا عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، بلغ عدد أحكام الإعدام الصادرة خلال عام 2014 ما يصبو على 1,473 حكماً تم نقض بعضها.
بعكس الإعتقاد الشائع، لم يكن لقرار تجميد تلك الأسلحة الثقيلة أي علاقة بانتهاكات حقوق الإنسان كما أعلنت إداراة أوباما قبل عامين، حيث أن السيسي لم ولن يستخدم ال أف-16 أو دبابات الهاربون لقمع المظاهرات المناهضة لحكمه. لكن يمكن لقوات الأمن أن تستخدم نوع آخر من الأسلحة لقمع المظاهرات. هذه الأسلحة تستخدم بشكل مباشر لقمع المظاهرات، مثل حادثة شيماء الصباغ التي قتلت بدم بارد على أيدي عناصر الشرطة قبيل الذكرى الرابعة لثورة 25 يناير.