- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
رد "الدولة الإسلامية" على أحداث 7 تشرين الأول\أكتوبر
تمحورت استجابة تنظيم "الدولة الإسلامية" لأحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر حول حجة أن الهجمات على الأهداف داخل مناطق عملياته الموجودة مسبقًا ما زالت مهمة.
كان الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر على إسرائيل بمثابة منصة للمجموعات الجهادية حول العالم من أجل إعادة تنشيط عمليات التجنيد والدعاية فيها. فسرعان ما أعلنت المنظمات المتطرفة العنيفة السنية، مثل "هيئة تحرير الشام" و"طالبان" و"القاعدة"، تضامنها مع الجهاد ضد إسرائيل واليهود. إلا أن تنظيم "الدولة الإسلامية" كان بطيئًا في تنظيم الاستجابة، على الرغم من مكانته كإحدى المنظمات الجهادية الأشهَر والأكثر انتشارًا في العالم.
وما قد يفسر جزئيًا رد الفعل المتحفظ الذي أبداه تنظيم "الدولة الإسلامية" هي أيديولوجيته الأساسية، التي طالما أعطت الأولوية لإقامة الخلافة والسيطرة الإقليمية، على القضية الفلسطينية. وفي الواقع، كان تنظيم "الدولة الإسلامية" على مر السنين ينتقد مرارًا وتكرارًا حركة "حماس" بسبب أجندتها القومية وتحالفها مع إيران. وفي المقابل، ركّز تنظيم «القاعدة» منذ فترة طويلة على القضية الفلسطينية في أيديولوجيته، التي تدعوا إلى طرد الكيانات غير المسلمة من المناطق الإسلامية التقليدية، وسارع التنظيم لاحقًا بالثناء على "مجاهدي فلسطين"، في الأسبوع الذي تلا أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول.
وفي الوقت نفسه، هناك عامل آخر وراء الاستجابة البطيئة لتنظيم «الدولة الإسلامية» تتمثل في افتقاره إلى وجود تنظيمي داخل إسرائيل وفلسطين، ربما بسبب قوة القطاع الأمني في إسرائيل ووجود مجموعات منافسة من قوميين فلسطينيين وجهات فاعلة غير حكومية إسلامية وجهادية في غزة والضفة الغربية. فنظرًا إلى هذا النقص في القدرات، تمحورت استجابة تنظيم "الدولة الإسلامية" لأحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر حول حجة أن الهجمات على الأهداف داخل مناطق عملياته الموجودة مسبقًا ما زالت تشكل مساهمةً في القضية الفلسطينية، على الرغم من عدم ضرب أهداف يهودية أو إسرائيلية بشكل مباشر.
تأخر تطوير الاستجابة
يفسر عدم تركيز تنظيم "الدولة الإسلامية" على فلسطين البطء في استجابته لهجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وحتى عندما حدث ذلك، كانت رسائله وعملياته متسقة إلى حدٍ كبيرٍ مع الأنماط السائدة ما قبل هذا التاريخ، مما يعكس عدم مرونة أولوياته الأيديولوجية. وقد ظهر الرد الأولي لتنظيم "الدولة الإسلامية" على ذلك الهجوم في صحيفته الأسبوعية "النبأ". أما المقال الافتتاحي الأول ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر فلم يعترف بالهجوم صراحةً، بل أشار فحسب إلى حاجة المسلمين إلى الجهاد من أجل دعم بعضهم البعض في أوقات المعاناة. وبعد أسبوع، أي في 19 تشرين الأول/أكتوبر، كان تنظيم "الدولة الإسلامية" أقل حذرًا، إذ نشر مقالًا افتتاحيًا في صحيفة "النبأ" بعنوان "خطوات عملية لقتال اليهود"، حيث اعتبر أن المسلمين عليهم أولًا محاربة الأنظمة العربية التي تعمل بمثابة "خطوط وجُدر الدفاع المتقدمة" عن الدولة اليهودية من أجل تدمير إسرائيل. وفي هذا المقال، زعم تنظيم "الدولة الإسلامية" أنه يقوم بدوره لمساعدة الفلسطينيين المسلمين من خلال مهاجمة الأنظمة "المرتدة" غير الإسلامية.
إلا أن هذا الخطاب وهذه الدعوة إلى العمل لم يؤديا إلى أي رد متواصل على الأرض حتى 4 كانون الثاني/يناير، عندما دعا تنظيم "الدولة الإسلامية" أتباعه رسميًا إلى تنفيذ حملة هجومية عالمية. ففي رسالة صوتية بعنوان "واقتلوهم حيث ثقفتموهم"، دعا المتحدث الرسمي باسم تنظيم "الدولة الإسلامية"، أبو حذيفة الأنصاري، مقاتلي التنظيم بالتحديد إلى مهاجمة الأهداف المسيحية واليهودية قائلًا لهم: "لا تفرقوا بين كافر مدني أو عسكري". ومع أنه من المعروف أن تنظيم "الدولة الإسلامية" يروج مرة في السنة لهذا النوع من الحملات العالمية، تُعتبَر هذه الدعوة إلى العمل جديرة بالملاحظة، لأنه وجهها بعد أن تجنبها للمرة الأولى في كانون الثاني/يناير من العام الماضي لأول مرة منذ عقدٍ تقريبًا.
بدأت سلسلة الهجمات عبر تنفيذ تفجير في مراسم إحياء ذكرى قاسم سليماني في مدينة كرمان الإيرانية في 3 كانون الثاني/يناير، فأدى ذلك إلى مقتل 84 شخصًا وإصابة نحو 280 آخرين. في اليوم التالي لإصدار الرسالة (5 كانون الثاني/يناير)، نفذت جميع الولايات النشطة التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" والتي تدار بشكل مستقل لكنها تدين بالولاء لـ “خليفة" التنظيم، عدة هجمات أصغر حجمًا استهدفت مواقع عسكرية وحواجز طرق ومدنيين مسيحيين ودوريات عسكرية وجواسيس مزعومين. وقد شملت نسبة كبيرة من الهجمات التي تبناها التنظيم صورًا أو مقاطع فيديو عنها، كما أن الحجم الإجمالي للنشرات الإعلامية الصادرة عن تنظيم "الدولة الإسلامية" في خلال الحملة تجاوز إلى حدٍ كبيرٍ معدل المنشورات التي صدرت في الأشهر الاثني عشر السابقة.
أظهرت عدة مقاطع فيديو من تلك التي رافقت الهجمات لقطات لمقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" وهم يؤكدون تضامنهم مع غزة، ويعلنون تصميمهم على مواصلة جهادهم ضد المسيحيين واليهود. حتى إن أحد مقاطع الفيديو أظهر أحد مقاتلي تنظيم "الدولة الإسلامية" في مالي وهو يطلق صواريخ مكتوب عليها الرسالة الآتية: "ثأرًا لإخوتنا المسلمين في غزة". كما نشرت صحيفة "النبأ" رسمًا بيانيًا يلخص الحملة، حيث يزعم تنظيم "الدولة الإسلامية" أن مقاتليه نفذوا أكثر من 110 هجمات بين 1 و10 كانون الثاني/يناير، مما أسفر عن مقتل أو جرح ما لا يقل عن 610 أشخاص. ومع أن هذه الأرقام تبدو مثيرة للإعجاب، إن طبيعة الهجمات ما بعد هجوم كرمان تتفق بشكل ملحوظ مع نوع الهجمات التي كانت تشنها ولايات تنظيم "الدولة الإسلامية" قبل الحملة. كذلك، نظرًا إلى ميل تنظيم "الدولة الإسلامية" إلى قلة الإبلاغ عن الهجمات، إن وتيرة الهجمات المعلنة هي التي ازدادت على الأرجح في خلال الحملة، وليس وتيرتها الفعلية.
العمليات الخارجية
من المثير للاهتمام أن حملة الهجمات تضمنت عملية خارجية واحدة فحسب هي: التفجيران الانتحاريان في كرمان، اللذان نفذتهما ولاية خراسان التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" - والمتمركزة بشكل أساسي في أفغانستان التي تسيطر عليها حركة "طالبان". فشعر تنظيم "الدولة الإسلامية" بضرورة تبرير استهداف إيران في وقتٍ "نجد فيه الكثيرين يدعون إلى مناهضة اليهود وجرائمهم المرتكبة بحق جميع المسلمين"، على حد تعبيره. وتم تخصيص المقال الافتتاحي في صحيفة "النبأ" في الأسبوع التالي لتوضيح أن التفجير الانتحاري في كرمان كان ضروريًا من أجل تذكير المسلمين بأن إيران، أي القائدة المفترضة لـ “محور المقاومة" ضد إسرائيل، لا تزال تشكل عدوًا للإسلام السني، وهي حجة تميز إيديولوجية تنظيم «الدولة الإسلامية» المعادية للشيعة. كما أن النبرة الدفاعية في المقال، الذي زعم أن تنظيم "الدولة الإسلامية" هو "أكثر حرصًا على النتيجة العقائدية منه على النتيجة العسكرية"، تشير إلى أن التنظيم يكافح من أجل تبرير عجزه عن تنظيم هجمات خارجية تستهدف اليهود أو المسيحيين.
إلى جانب التفجيرين في إيران، كشفت السلطات في الأشهر الأخيرة أدلة تُشير إلى أن "تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" حاول تنفيذ عدد من العمليات الخارجية الأخرى ضد المسيحيين واليهود في أوروبا وتركيا وقيرغيزستان، وذلك بالتنسيق مع تنظيم ولاية خراسان، الذي زاد في السنوات القليلة الماضية من عدد شبكاته الخارجية باعتباره المجموعة الأساسية في العراق وتركيا التي تركز سوريا على بقائها.
ففي خلال الأسبوع الأخير من كانون الأول/ديسمبر 2023، تم القبض على ثمانية أعضاء من خلية تابعة له، ولديها عملاء في فيينا وغرب ألمانيا، بتهمة التخطيط لتفجير كاتدرائية كولونيا وكاتدرائية القديس ستيفانس في عطلة الشتاء. وفي الأسبوع نفسه، في 25 كانون الأول/ديسمبر، ألقي القبض على صبيين مراهقين في قيرغيزستان بتهمة التخطيط لتفجير ساحة مركزية وكنيسة في جلال آباد، بناءً على تعليمات وجهها إليهما مسؤولو "تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان". وبعد بضعة أيام، في 29 كانون الأول/ديسمبر، ألقي القبض على 32 شخصًا في تركيا بتهمة التخطيط لتفجير كنيسة كاثوليكية ومعبدين يهوديين في إسطنبول بإدارة "تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان". وبعد هذه السلسلة من المخططات الفاشلة، نجحت ولاية تركيا التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" في 28 كانون الثاني/يناير في تنفيذ هجوم على إحدى كنائس إسطنبول، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخر. أما مرتكبا الهجوم فهما مواطنان طاجيكي وروسي، وربما كانا مرتبطين بشبكة العمليات الخارجية التابعة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان"، وإذا تمكّن تنظيم "الدولة الإسلامية" من تنفيذ المزيد من الهجمات الخارجية ضد المسيحيين أو اليهود، قد تصبح مساهمته أكثر واقعية في ما يسمى "عملية قتال اليهود"، وهي استراتيجية داعش المعلنة لدعم المسلمين في غزة.
في الوضع الحالي، ليس من المستغرب أن تنظيم "الدولة الإسلامية" لم يغير أنماطه الأيديولوجية أو العملياتية في أعقاب أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ففي حين تغيرت رسائل التنظيم في محاولة لربط أنماطه العملياتية الحالية بالنزاع في غزة، يواصل التنظيم الترويج لمواقفه السابقة المناهضة للشيعة والتكفيريين، كما توقف عن مناقشة الوضع في غزة، وهو ما يتناقض مرة أخرى بشكل حاد مع موقف تنظيم القاعدة. وقد نفذ "تنظيم الدولة الإسلامية في ولاية خراسان" عمليات التصعيد الأساسية في العمليات، ويشير العدد الكبير من المخططات التي خطط لها في نهاية شهر كانون الأول/ديسمبر إلى نمو قدرة التنظيم على القيام بعمليات خارجية .
تبقى معرفة إذا ما كان عدم قيام تنظيم "الدولة الإسلامية" بتعديل أيديولوجيته للتكيف مع واقع ما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر سيضر بجاذبيته في المستقبل، لكنه لن يعمد على الأرجح إلى تغيير أولوياته بشكلٍ كبيرٍ حتى يعكس النزعة الجهادية الجديدة المتمركزة حول فلسطين. إلا أن قدرة هذا التنظيم على الاستفادة من الفوضى لا تزال قائمة، ويبدو أنه ينتظر بصبرٍ ليرى كيف أن عدم الاستقرار المتزايد بين عدة جهات فاعلة حكومية وغير حكومية في الشرق الأوسط سيخدم مصالحه على أفضل وجه، وليرى بشكل خاص إذا ما كان الانسحاب الأمريكي من العراق وسوريا سيمنحه الفرصة التي كان يبحث عنها.