16 يوليو 2015
عندما اغتالت قوى الإرهاب في مصر النائب العام هشام بركات، كانت ضخامة الهجوم مؤشراً لحدوث تحول في النشاط الإرهابي في البلاد. فقد تغيرت لعبة المتطرفين؛ إلا أن السياسات المصرية قد فشلت في التكيف. وبدلاً من ذلك، يعتزم الر
عندما اغتال الإرهابيون في مصر النائب العام هشام بركات، أثبت هذا الهجوم الناجح والمُلفت للأنظار، بأن هناك إحتمالات بأن النشاط الإرهابي المصري سيبدأ بتفضيل الاغتيالات السياسية في المدن المكتظة بالسكان في البلاد. وقد اعترف الرئيس عبد الفتاح السيسي بهذا التهديد وعمل على تعزيز الأمن في مصر، الأمر الذي ساعد القوات المصرية على هزيمة الهجوم الإرهابي الأخير في سيناء. إلا أن السيسي يعتزم أيضاً استخدام الحادث لاتخاذ اجراءات صارمة ضد أكبر عدو سياسي له وهو جماعة الإخوان المسلمين. ورداً على الهجوم على بركات، دعا السيسي إلى تسريع تنفيذ أحكام الإعدام الجماعية التي صدرت بحق عدد من قيادات الإخوان، بمن فيهم الرئيس السابق محمد مرسي والمرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع. إن قرار السيسي بقمع العديد من أحزاب المعارضة المختلفة، قد يغيّر القيم التي أثارت ثورة يناير إلى البلاد.
وقد ينزع الإرهابيون إلى تغيير أساليبهم واللجوء إلى اغتيالات سياسية بعد فشل هجومهم الأخير في سيناء. ففي أوائل تموز/يوليو، قام المئات من المقاتلين المتطرفين بمهاجمة القوات العسكرية المصرية بأسلحة متطورة، من بينها صواريخ مضادة للطائرات. ومع ذلك، خسر الإرهابيون بسبب بسالة الجنود المصريين والحماية الجوية التي وفرتها طائرات "إف - 16". ووفقاً للبيانات الرسمية للقوات المسلحة، أسفر ذلك الهجوم عن مقتل 17 جندي فقط، في حين قتلت القوات المصرية ما لا يقل عن 100 إرهابي. ويشير هذا الفشل، فضلاً عن نجاح اغتيال بركات، إلى أن الإرهابيين قد يفضلون اتباع استراتيجية جديدة من الاغتيالات السياسية في القاهرة والمدن الرئيسية الأخرى من أجل تحدي الحكومة المصرية.
وقد أثرت عملية اغتيال بركات على السياسة المصرية أيضاً. فالإخوان يرونها كنتيجة متوقعة لما يعتبرونه غياب العدالة في مصر بسبب زج بعض أعضاء الإخوان داخل السجون دون سند قانوني حقيقي. وكان الناطق الرسمي لجماعة الإخوان، محمد منتصر، قد أعلن من على صفحة نشرها على موقع الفيسبوك بأن "نظام الانقلاب يجب أن يكون مسؤولاً عن التطورات السلبية التي تشهدها الساحة المصرية، وآخرها استهداف النائب العام، لأن هذا النظام الإجرامي قد مهّد الطريق للعنف وحوّل الساحة المصرية من تجربة ديمقراطية واعدة إلى مشهد من القتل الجماعي والعنف وسفك الدماء". وقد فشل خطاب الإخوان الأخير في التعبير عن أي مشاعر بأنه ليس هناك مبرر للإرهاب أو أن العنف يشجع العناصر الاستبدادية في الأنظمة.
وبالمثل، إن خطابات السيسي هي الأخرى مسيسة أيضاً. ففي كلمته بعد اغتيال بركات، اعتبر السيسي أن مرسي يشكل تهديداً مستمراً ما دام على قيد الحياة، بقوله "لن نأخذ خمس أو عشر سنوات لنحاكم الناس التي تقتلنا... إنهم يصدرون أوامر من زنازينهم في السجن، وأتباعهم يفعلون كما يقولون ... نحن نحترم القانون، ولكننا سنمكنه من مواجهة هذا الوضع". وقد وجّه السيسي هذه التهمة قبل الانتهاء من أي تحقيقات، أو قبل الحصول على أي دليل ملموس بأن الإخوان المسلمين كانوا مسؤولين عن اغتيال بركات. وبدلاً من الحقائق، تخلق وسائل الإعلام نظريات المؤامرة عن الإخوان، التي تبناها الرئيس السيسي. وما يزيد من المشكلة تعقيداً، أن السلطات التنفيذية والتشريعية المشتركة التي يتمتع بها السيسي، تسمح له بوضع سياسات وسن تشريعات على أساس هذه الافتراضات التي لا أساس لها.
إن عيوب هذه الطريقة واضحة مع استمرار النظام في تطوير هذه السياسات رداً على الهجمات الأخيرة في سيناء. فبالإضافة إلى تعزيز الأمن ضد المتطرفين، قامت أجهزة الأمن المصرية بقمع المعارضة السلمية التي تمثلها المعارضة الليبرالية والإسلامية على حد سواء. وفي الوقت نفسه، فإن مقتل تسعة من أعضاء جماعة الإخوان يمر مرور الكرام دون إجراء تحقيق عادل.
وباختصار،هناك صراع كبير يدور بين النظام الذي يستخدم تهديدات إرهابية لفرض واقع سياسي جديد على مكتسبات ثورة 25 يناير، وبين قوى إسلامية تستخدم العنف للانتقام ضد ما تعتبره نظاماً غير شرعي. إن النتائج السلبية للتكتيكات القديمة للنظام واضحة. فقد فاقمت الحكومة من حدة السخط العام لأنها فشلت في التمييز بين جماعات المعارضة السلمية والإرهابيين. ومنذ انهيار رئاسة مرسي، لم تؤدي الحريات المقيّدة في مصر سوى إلى زيادة العنف بدلاً من ضمان قدر أكبر من الاستقرار. إن أفعال كل من الحكومة المصرية والجماعات الإسلامية تقوّض استقرار الدولة ما بعد ثورة يناير.
يجب على حكومة السيسي أن تواجه العديد من الأسئلة الصعبة من أجل تطوير إستراتجية لمكافحة التكتيكات الجديدة للإرهابيين المصريين. إن الأسئلة التي تطرح نفسها هي، هل أن إعدام مرسي وقادة جماعة الإخوان سيساعد في وضع حد للإرهاب؟ وهل من الممكن القضاء على الإرهاب فقط من خلال سن قوانين واتخاذ إجراءات أمنية أكثر صرامة؟ وما هي العواقب التي قد تترتب على الإجراءات الحالية التي تتخذها الحكومة؟ هذه أسئلة يجب على حكومة السيسي مواجهتها في الوقت الذي تسير فيه مصر نحو فترة قاتمة وأكثر خطورة. وقد يكتشف السيسي أن التنوير هو الحل لمكافحة الإرهاب.