- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
رسم خريطة القوة الناعمة الروسية: كيف يتعامل السوريون في الساحل السوري مع روسيا
إن رسم خريطة لمواقف السوريين المتعلقة بالوجود الروسي في البلاد يُظهر مجموعة متنوعة من وجهات النظر ويعكس السجل المختلط لجهود القوة الناعمة لروسيا في سوريا.
يُعتبر الساحل السوري من أبرز مناطق سوريا التي تحتضن الوجود الروسي وتدعمه وذلك نظراً لتركيبته الطائفية المتنوعة. وعلى الرغم من أن التدخل الروسي في الساحل يتخذ عدة أشكال، لكن التواجد الروسي العسكري لا يستقر خارج قاعدة حميميم وذلك رغم اختلاطهم بالمجتمع المحلي، بينما يتركز وجود الجنرالات الروس في فندق مريديان اللاذقية في منطقة الشاطئ الأزرق إلى جانب الخبراء الروس الذين يعملون في مجالات مختلفة غير عسكرية.
ومن السهل رؤية العربات الروسية تجوب الأحياء في مدينة اللاذقية وتحديدا في الأحياء الثائرة سابقا مثل حي الصليبة ومشروعها وحي الطابيات والكورنيش الجنوبي. ومع ذلك، فإن رسم خريطة لمواقف السوريين تجاه روسيا- رغم عدم دقتها علميا، قد يساعد في إثبات مدى نجاح القوة الناعمة الروسية وفشلها. فالخريطة التي تظهر هي خريطة انقسام حول مسألة تورط روسيا في سوريا، وتُظهر تمدد النفوذ الروسي خارج مواقعه في الساحل السوري.
التدخل الروسي حسب المناطق
منطقة القرداحة وريفها: هي أكثر المناطق تأييداً للوجود الروسي ودور روسيا في الساحل و سوريا، تعود أسباب التأييد إلى اعتبار أن روسيا كانت الداعم الرئيسي للأسد في حربه ضد الإرهاب، وتشكل المنطقة الجغرافية تلك أساسا لعائلة الأسد، تبرز أشكال التأييد من خلال دفع الأطفال إلى دراسة اللغة الروسية المفروضة في المؤسسات التعليمية الرسمية ودفع الأسر بأبنائها للدراسة في روسيا، وتُشكل ـ حسب مصادر محليةـ أعلى نسبة خريجين من الجامعات الروسية.
منطقة مدينة جبلة وضواحيها: بحسب مصادر محليةـ تنقسم المنطقة إلى قسمين، المنطقة الأولى، وهي المنطقة الملاصقة للقاعدة الروسية حميميم وبمساحة 20 كم، وتعتبر أكثر المناطق رفضًا للوجود الروسي، ويعود ذلك لأسباب كثيرة أهمهاالتشويش الحاصل على الاتصالات وشبكة الأنترنت نتيجة الأعمال العسكرية في القاعدة، والتي أدت إلى انخفاض قيمة الأراضي الزراعية في المنطقة نتيجة قربها من القاعدة الجوية، وحركة الطيران المستمرة والتي تتسبب إزعاجات كبرى للسكان. وفى المقابل، هناك المناطق التي تقع خارج نطاق القاعدة الروسية مثل القرداحة، وهي من أكثر المناطق ولاءاًلروسيا وتعتبر روسيا نواة انتصار سوريا الأسد في حربه ضد الإرهاب.
مدينة اللاذقية: وتقسم أيضا إلى قسمين، منطقة المدينة القديمة وهي خارجة نوعًا ما من حسابات الروس بأن تكون حاضنة للتواجد الروسي نظراً لتكوينها الديني (المذهب سني)، وقد شهدت مناطق من المدينة حراك واسع في بداية الثورة ولا يوجد نفوذ لروسيا هناك، بل هناك رفض للتطبيع الشعبي مع الاحتلال الروسي على الرغم من المحاولات الروسية المتكررة لتغيير المواقف هناك.
ومع ذلك، فإن المناطق المبنية حديثًا في المدينة وضواحيها، والتي تم تشيدها في بداية عهد حافظ الأسد، ويتم تحديثها باستمرار، هي قصة مختلفة. واغلب سكان تلك المناطق هم من ضباط القوى البحرية وموظفي الأمن والشرطة ودوائر الدولة المختلفة والقادمين من الأرياف المحيطة. وتدعم تلك المناطق روسيا بشكل كامل بسبب علاقات العوائل المحلية هناك مع النظام وبسبب وتركيبتها الديمغرافية انتماءاتهم الطائفية. وهناك تواجد روسي واسع في تلك المناطق من خلال مقاه يرتادها الروس في حي “مشروع الزراعة “وحي “المشروع العاشر” وسواه وهناك مقهى مُخصص في حي الزراعة للضباط الروس يسمى بـ"مقهى موسكو".
وتعتبر المدارس في تلك الأحياء من أكثر المدارس التي تضم صفوفاً ذات أعداد طلاب كبيرة ممن يدرسون اللغة الروسية حيث أن الإقبال على تعلم اللغة الروسية في المدارس الرسمية وفي المعاهد الخاصة الرائجة يرتبط بشكل كبير بحالة الاندماج مع المحتل الروسي وخاصة في ما يبدو مستقبلًا أفضل بالتمكن من السفر إلى روسيا وإتمام التعليم الجامعي فيها والذي يحدث فعلًا بنسبة كبيرة بسبب توفر المنح الدراسية الممنوحة لأبناء العاملين مع نظام الأسد.
منطقة كسب وما حولها: نتيجة التواجد المسيحي للطائفة الأرمنية في سوريا في مدينة كسب هناك تواجد للثقافة الروسية بقوة ومشاريع سياحية مدعومة من قبل روسيا، ويلاحظ اكتساب بعض السكان المحليين عادات روسية جديدة مختلفة عن عادات المجتمعات المحلية كتربية كلاب من أنواع روسية والمواظبة على شرب مشروبات روسية وغير ذلك.
منطقة الحفة: في مدينة صلنفة هناك لبعض الأنشطة الروسية من خلال تشكيل مجموعات كشافة سياحية يشارك فيها سياح روس لزيارة البلدة والغابات ومشروع دعم التشجير الذي بدأت روسيا بالترويج له، أما ما تبقى من قرى وبلدات المنطقة فهي مهجرة ومدمرة. وتشكل بلدة سلمى اليوم قاعدة روسية عسكرية ضخمة، بحجة حماية حميميم من ضربات الإرهابيين. ومنذ فبترة وجيزة، سعت روسيا لتشكيل وفد وساطات تواصل مع أهالي المنطقة المهجرين في تركيا لإعادتهم إلى المنطقة وتشكيل مجالس محلية منهم لإدارتها، وقد قوبل المشروع بالرفض من قبل المهجرين لعدم الثقة بالروس والنظام.
مدينة طرطوس: يعتبر ميناء طرطوس اهم مناطق سيطرة روسيا الاقتصادية، وتقوم اليوم الحكومة الروسية بتوظيف أعداد من السكان المحليين عن طريق شركات وسيطة برواتب تعتبر جيدة، كما أنها تدرّب الموظفين في برامج و دورات (تنمية بشرية) هدفها تركيز وتكثيف الثقافة الروسية لدى موظفي تلك الشركات.
ويشهد ريف طرطوس إقبالًا واسعًا على دراسة اللغة الروسية وخاصة في مناطق الدريكيش وصافيتا ولكن تبقى نسبة الدارسين في طرطوس أقل من نسبتهم في مدينة اللاذقية و ضواحيها. مؤخرا وبسبب تغير الأوضاع التي تنحو باتجاه هدوء أكبر في سوريا وتميل نحو بقاء أطول وأكثر استقرارًا للضباط الروس، يتم بناء بيوت لتسكين الجنرالات والخبراء الروس في منطقة مسبح جول جمال في الشاطئ الأزرق بحيث تصبح منطقة عسكرية سكنية محمية لسكن عائلاتهم التي ستُستقدم من روسيا.
مدينة حلب: تعتبر حلب أهم المدن السورية كثافة للتواجد الروسي الناعم، فبعد اتفاق تهجير حلب عام 2016 انتشرت الشرطة العسكرية الروسية في الأحياء المهجرة ودخلت روسيا إلى حلب من بوابة ما يعرف بمؤسسة أحمد قاديروف الخيرية، وهي مؤسسة مدعومة روسيا تابعة لرئيس الشيشاني حليف بوتين.
تدعم تلك المؤسسة نشاطات مختلفة إغاثية وعمرانية وتشرف على مشاريع ترميم منها ترميم الجامع الأموي في حلب وسوق المدينة القديم، والذي تأثر بفعل قصف النظام للأحياء بالبراميل المتفجرة خلال فترة وجود فصائل المعارضة فيها. لم تلجأ روسيا للدعم المباشر الواضح في حلب نتيجة الصراع الأيديولوجي القائم مع التواجد الإيراني في المدينة.
درعا: يتركز الوجود الروسي عسكريًا عن طريق دعم فصائل محلية تقوم بأدوار إغاثية ومدنية بسيطة بعد الانتهاء من مرحلة التسوية مع نظام الأسد الذي كانت تقوده روسيا من خلال حصار الجوع للمنطقة، ومن أبرز الفصائل المتعاملة مع الوجود الروسي هي اللواء الثامن التابع للفيلق الخامس بقيادة أحمد العودة.
ريف دمشق: حاليًا، تقع تلك المنطقة خارج السيطرة الروسية، وذلك رغم سنوات من التدخل الروسي العسكري المباشر فيها، وإتمام عمليات الحصار والتهجير والحافلات الخضراء إلى إدلب، وتعتبر الآن مناطق نفوذ إيراني.
منطقة الجزيرة: يقتصرالتواجد العسكري حتى الآن، حيث لا يبدو أن هناك اهتمام واضح لروسيا فيما يخدم الانتشار الناعم ، لكنها تهتم بالإضافة الى السيطرة عسكرياً على مطار القامشلي بدعم بعض الميليشيات المحلية تحت شعار القضاء على داعش، والتواجد في ظل مؤسسات نظام الأسد.
ولكن وعلى صعيد أخر هناك أيضا تواجد روسي ملموس في حقول النفط السورية، حيث يرى الكثيرين في سوريا أن اتفاق تموز/يوليو 2021 – الذي سمحت روسيا من خلاله باستمرار المساعدة الإنسانية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، بعد أن أشارت في وقت سابق إلى أنها ستستخدم حق النقض ضد التمديد – له صلة بقرار إدارة بايدن بإعفاء شركة "دلتا كريسنت " من العقوبات والسماح لها بتطوير حقول النفط في شمال شرق سوريا. ويرى المراقبون أن تلك الخطوة ستمكن شركات النفط الروسية من السيطرة على المزيد من حقول النفط السورية، فضلاً عن جهود برامج "التعافي المبكر" التي تهدف إلى إعادة السوريين إلى بلادهم، وهي مبادرة تدعمها تركيا.
وعلى خلفية الأزمة الأوكرانية، تعمل روسيا حاليًا على تقليص التزاماتها العسكرية في سوريا، وفى حين يبدو أن تلك الخطوة قد توفر فرصة لإيران والميليشيات التابعة لها لزيادة نفوذها في البلاد، فمن غير المرجح أن يكون لها تأثير سلبي على القوة الناعمة لروسيا في سوريا، خاصة في المناطق الساحلية، فالجهود الروسية المبذولة هناك والدعم الذي يلقاه النظام في تلك المناطق، سيظل على الأرجح مستقرا في المستقبل القريب.