- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
سفري إلى أمريكا، والأسئلة الحارقة
فيما يلي مقالة شخصية. المؤلف هو حالياً عضو في البرلمان العراقي، وقد تم اغتيال اثنين من أبنائه، وأغلقت مكاتب حزبه، واضطر إلى اللجوء المؤقت في أربيل نتيجة مواقفه العلنية المناهضة للتطرف والطائفية واستمرار الصراع مع إسرائيل.
لقد تميزت ليلة الانتخابات الأمريكية؛ بثقة الأحزاب الإسلامية وحلفاء النظام الإيراني في معرفة الفائز، وتوهموا أن لا جديد قد يفاجئهم، إلا أن النتائج كانت عكس توقعاتهم، فقد جاءت الأخبار في صباح اليوم التالي، مثل الزلزال، والذي كانت شدة أثره على الإسلاميين العرب والإيرانيين كالصاعقة أو أشد منها، إذ شعروا وكأن أبواب جهنم ستفتح عليهم، ولذلك سارع أغلبهم، ومن شدة الخوف والرعب إلى إبراق برقيات التهاني والتبريكات للرئيس المنتخب، السيد "ترامب".
نعم، إن الرعب يحيط بالمجرمين، من إرهابيين، ومتطرفين، ومتعصبين دعاة الحروب الرافضين للسلام، والمنتهكين لحقوق الإنسان، والمحتقرين للنساء، حتى اتخذوهن بضاعة تباع وتشترى، وكأنهم ما عرفوا، لا أمًّا ولا بنتًا ولا أختًا، معتبرين المرأة مجرد غنيمة ووسيلة لإشباع النزوات العابرة.
ركبت طائرتي في رحلة طويلة، قضيتها بين تصفح أسئلة، من بينها سؤال: "ما هو مستقبل العراق والمنطقة؟ وهل آن الآوان، لكي تغادر أمريكا، بعد أن حولت المنطقة والإنسان إلى حطب نار نيرون إسلامي، لا هوية له، حيث انتشر الإجرام والإرهاب والفاشية الإسلامية، والتي أضحت الوريث الطبيعي للفاشية العروبية؟
ومن السذاجة والجرم أن يحاول بعض السياسيين؛ إقناعنا بأن القتل والذبح بالسكين الداعشية هو جريمة وإرهاب لا يغتفر، وأن قتل المدني والعلماني واليهودي والمسيحي والأيزيدي هو جريمة يمكن غفرانها.
ولقد سألت نفسي: ماذا سأفعل في واشنطن؟ فالإدارة الأمريكية لازالت لم تتشكل بعد، والأمريكيون فرحون ومنشغلون بأعيادهم السنوية. لكنني، وبرغم ذلك، قلت لنفسي: لا، سأذهب، فمن يدري؟! قد يكون الرئيس "ترامب" زعيم قوى يجلب السلام.
هل يمكن أن يكون "ترامب"، هو حلم هذه الشعوب والمجتمعات المحرومة من ظروف الحياة الإنسانية الكريمة؟ فالأكراد وشعوب أخرى، يحلمون بحقوقهم الطبيعية التي يقرها القانون السماوي والوضعي والدولي، والتي يمنعهم منها الفاشيون، بأصولهم الدينية والعروبية والسنية والشيعية.
وأفيق على صوت طائرتي، وهي تصل بنا إلى واشنطن. وفي لقاء لي، مع نخبة من المهتمين بالشؤون العراقية والإيرانية والمنطقة ككل، بمعهد واشنطن؛ أوضحت لهم تساؤلاتي ومخاوفي.
أرعبتني أخبار الهجوم الذي تم بتلك الشاحنة التي حولت بهجة أعياد الميلاد المجيد في برلين؛ إلى حزن ومأساة، مخلفة ضحايا جُدُدٍ للإرهاب، مثلما وقع سابقا، في نيس الفرنسية. كما تسابقت شاشات الأخبار؛ لتنقل صور عملية جريمة اغتيال السفير الروسي في أنقرة.
كما أرعبتني أخبار أخرى عن إرهاب؛ يعصف بمدينة الكرك الأردنية، وأخرى قادمة من مصر، وأخرى من اليمن، بل وتكرر الأمر في مدينة "كويا" بإقليم "كردستان العراق"، إلى جانب تفجير مزدوج لمقر الحزب الديمقراطي الكردستاني المعارض في إيران، واسترجعت ذاكرتي؛ كيف قام الحرس الثوري الإيراني باغتيال المعارضين الأكراد الإيرانيين، وبقتل الدكتور "قاسملو"، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني في "فينا" في عام 1989.
وعلى صوت الكابتن ربان الطائرة؛ الذي يعلمنا بقرب وصولنا؛ استرجعت الأمس القريب، فأرعبتني قدرات الإسلامويين الذين ومن خلال جريمتهم الجبانة، اغتالوا ولدي الوحيدين، "أيمن" و"جمال"، وفجروا بيتي في بغداد، ومما زاد الطين بلة، انهم صادروا حقي في بيت آمن بالمنطقة الخضراء؛ بأمر من رئاسة الوزراء، لا في عهد صدام أو داعش، بل في عهد صديقي الإسلامي نوري المالكي ـ رئيس وزراء العراق!
وتذكرت أن الأطفال والنساء والشيوخ في العراق لهم الحق بالعيش في سلام مع غيرهم من شعوب المنطقة ولهم الحق في الاستمتاع بالفن والعلم والحياة، وتذكرت كيف أنهم حللوا قتل اليهودي والمسيحي والبهائي والأيزيدي، ثم بعد ذلك حللوا ذبح السني للشيعي، والشيعي للسني، فأعلنوها مدوية عالية: "حي على الجهاد في كل زمان ومكان!"