- تحليل السياسات
- منتدى فكرة
سلطنة عُمَان تسعى لتعزيز أمنها الساحلي
في ضوء التحديات المستمرة التي يفرضها "محور المقاومة"، تعمل سلطنة عُمان بفعالية على تعزيز أمنها الساحلي.
سلطت أنشطة حلفاء إيران في "محور المقاومة" الضوء على التحدي الرئيسي الذي طالما واجهته سلطنة عُمان في تأمين سواحلها الممتدة على طول 3175 كم. تكمن نصف المشكلة التي تواجهها عُمان في قدرتها على مراقبة مياهها الإقليمية بفعالية؛ أما النصف الآخر فيتمثل في القيود المفروضة على عليها بموجب القانون الدولي بشأن مراقبة حركة المرور عبر منطقتها الاقتصادية الخالصة، التي تمتد من حدود مياهها الإقليمية حتى 200 ميل بحري من الساحل. كما تُستغل هذه السواحل- سواء داخل المياه الإقليمية أو في المنطقة الاقتصادية الخالصة- بشكل مكثف في إطار سلسلة الإمداد بين إيران وحلفائها في محور المقاومة. ارتفعت وتيرة هجمات القراصنة المتمركزين في الصومال في المياه العُمانية، الأمر الذي دفع السلطنة إلى تكثيف جهودها لتعزيز كفاءة وفعالية أمنها الساحلي. ونظرًا لتعدد جوانب هذه القضية، يقود مجلس الأمن الوطني تلك الجهود، حيث يتم تمثيل جميع الأطراف المعنية. يرى المجلس أن أمن السواحل يندرج تحت أولويته القصوى، ألا وهي الأمنُ الداخلي. وتتوزع مسؤولية مراقبة السواحل العُمانية بين القوات البحرية، المسؤولة عن المنطقة الاقتصادية الخالصة، وشرطة خفر السواحل التابعة لشرطة عُمان السلطانية، المسؤولة عن المياه الإقليمية.
في جيب "رأس مسندم" المتاخم لمضيق هرمز، يتميز الساحل بطبيعته الصخرية والوعرة، مما يجعل الإبحار فيه صعبًا لكنه يتيح فرصًا للتسلل بالقوارب الصغيرة. وتنحدر الجبال الشاهقة بشكل حاد نحو مضايق بحرية يصعب الوصول إليها، ولا تتوفر شواطئ يمكن حراستها بسهولة، علاوة على قلة عدد السكان. لطالما استغل التجار ومهرّبو البشر هذه المنطقة لسنوات، نظرًا لقربها من إيران وصعوبة مراقبة الساحل فيها، حيث يقومون بإنزال المهاجرين غير الشرعيين وإيهامهم بأن أضواء دبي الساطعة ليست بعيدة. وعلى مر السنين، تعاملت السلطنة مع العديد من التوغلات التي قامت بها قوارب صغيرة تابعة لبحرية "الحرس الثوري الإيراني"، سواء من خلال القبض على المتسللين أو عبر حلول دبلوماسية وخلال الحوار في إطار مجموعة اتصال مشتركة.
من الباطنة في شمال عُمان إلى صور، حيث الساحل المتاخم لخليج عُمان المقابل لإيران، تصبح التضاريس الساحلية أكثر انبساطًا بحيث يُسهل مراقبة الطرق البحرية من البر والبحر على حد سواء، إلا أنه بمجرد وصول المتسلل إلى الشاطئ، يمكنه الاختباء داخل التجمعات السكانية. أما المنطقة التي تمتد من صور إلى الحدود مع اليمن، المواجهة لبحر العرب، فهي تفتقر إلى الطرق الساحلية في معظمها، وقليلة السكان. ويكمن التحدي هنا في مراقبة أكثر من 1000 كيلومتر من الساحل، ومدى قدرة السلطنة على التعامل مع أي تسلل في الوقت المناسب.
تبرز الحاجة إلى تعزيز فعالية المراقبة الساحلية في المقام الأول نتيجة استمرار استغلال المياه قبالة سواحل عُمان في عمليات التهريب التي تديرها الوحدة 190 التابعة لـ “فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني"، الذي يخضع للعقوبات الدولية. وكما يتضح من العديد من عمليات مصادرة الأسلحة والمخدرات في البحر، ومن خلال تنزيل مسارات نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) على المراكب الشراعية التي تم اعتراضها - وكما ورد في تقارير متتالية لفريق خبراء الأمم المتحدة- عادة ما يتم تحميل الشحنات الإيرانية في مستودعات الحرس الثوري الإيراني في بندر عباس وشاه بهار على متن مراكب شراعية مجهولة يقودها طواقم لا تحمل صفة رسمية. تبحر المراكب الشراعية على طول الساحل العُماني، وتبقى خارج المياه الإقليمية، قبل أن تنقل الشحنات إلى سفن أصغر حجماً تخرج من موانئ الصيد في اليمن أو الصومال أو بلدان المقصد الأخرى. وعادة ما تُبحر المراكب الشراعية داخل المياه الإقليمية العُمانية عندما تكون خفر السواحل غائبة، ثم تخرج من المياه الإقليمية إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة لاستغلال حق المرور البريء، عندما تكون خفر السواحل حاضرة وتكون القوات البحرية غائبة. ومن المعروف أيضاً أن عمليات نقل البضائع المهربة من سفينة إلى أخرى تتم في المياه الإقليمية، خاصة في المنطقة المحمية بجزر كوريا موريا.
رغم أن وقف حركة الملاحة البحرية غير المشروعة يُعد أمراً بالغ الصعوبة في ظل الالتزامات الدولية، كما تُظهر التجارب في البحر المتوسط وفى بحرالمانش، إلا أن عُمان تعرضت لعدة انتقادات لعدم اتخاذها الإجراءات الكافية للحد من عمليات التهريب. ومع تسييج الحدود البرية بين اليمن وسلطنة عمان الآن وتغطيتها برادارات المراقبة الأرضية، توقفت إلى حد كبير محاولات تهريب كميات كبيرة من الأسلحة للحوثيين عبر الجمارك اليمنية العمانية. تُستخدم الحدود البرية الآن بشكل أساسي لتهريب المعدات مزدوجة الاستخدام المخبأة ضمن حركة المرور التجارية العادية، وبعضها عبارة عن حركة عبور تخضع للرسوم الجمركية عبر نظام النقل البري الدولي (TIR) وتنطلق من الإمارات العربية المتحدة وأماكن أخرى. وبالطبع، يضع هذا مزيدًا من الضغط على المسار البحري باعتباره ممرًا لتهريب معدات عسكرية أكبر حجمًا لا تُخطئها العين.
ركزت جهود مجلس الأمن الوطني على تحسين معدل عمليات الاعتراض التي تقوم بها قوات خفر السواحل العُمانية من خلال تعزيز فعالية مركز الأمن البحري في مسقط، والذي يهدف بشكل رئيسي إلى جمع كافة مصادر المعلومات لتكوين صورة بحرية حية تغطي المناطق الساحلية العُمانية. تشمل هذه المصادر عمليات الرصد التي تقوم بها طائرات الدوريات البحرية العُمانية الأربعة من طراز CASA C295، والتي تعمل من القاعدة الجوية العمانية في مدينة المصنعة، بالإضافة إلى المعلومات الواردة من البحرية العمانية وخفر السواحل. حاليًا، تقوم شركة إسبانية بتركيب سلسلة من الرادارات الساحلية، ومن المقرر أن تتبعها المزيد من المواقع. ومن المتوقع أيضًا أن تحصل عمان على طائرات مسيرة متوسطة المدى لتعزيز قدراتها البحرية
.
يجمع مركز الأمن البحري أيضًا البيانات من الحلفاء والقوات البحرية المشتركة، ومن نظام التعريف الآلي (AIS) مفتوح المصدر- ومن المفترض أن تستخدم جميع السفن التجارية الأقمار الصناعية للإبلاغ عن هويتها وموقعها واتجاه سيرها، وذلك على الرغم من أنها تميل إلى إيقاف تشغيل هذه الأنظمة عند تهريب النفط الإيراني الخاضع للعقوبات الدولية أو عند محاولة التسلل في البحر الأحمر لتجنب التعرض للهجوم. وبالمثل، يسعى المركز إلى تحسين قدرته على التواصل مع السفن التجارية التي تعبر المياه العُمانية.
تعمل شرطة خفر السواحل العُمانية على اقتناء زوارق إضافية لتسريع عمليات الاستجابة عبر الخط الساحلي الطويل جداً الذي يتم حمايته. ويشمل ذلك أربعة عشر زورق دورية سريعة من طراز” Hercules 35m“ً، يتم شراؤها حاليا من شركة” أريس “التركية بقيمة 100 مليون دولار؛ وهذه الزوارق مجهزة برادار عسكري من نوع” إكس-باند “وأنظمة الرؤية الكهروبصرية والليلية. وحاليا، تقوم شركة أبو ظبي لبناء السفن بتوريد زوارق هجومية إضافية عالية السرعة بطول 9.5 متر بموجب عقد بقيمة 4 ملايين دولار، كما يتم تطوير الأسطول العُماني الحالي من زوارق الدوريات.
على الرغم من الجهود المبذولة لتحسين فعالية الأمن الساحلي، لا تزال التحديات قائمة. فلا يزال الكشف عن الزوارق الصغيرة في البحر يشكل مشكلة، وكذلك التحدي الدائم الذي تواجهه البحرية وخفر السواحل في تمييز الفاعلين السيئين ضمن كتلة من حركة المرور البحرية المجهولة والبريئة. ورغم أن كلاً من خليج عُمان وبحر العرب يُعَدّان من الممرات الملاحية المكتظة، إلا أن العُمانيين يسعون جاهدين لتطوير قدرتهم على التمييز بين الصديق والعدو.